خبراء اقتصاديون: ظاهرة الإغراق السلعي  أسهمت في تراجع مستويات الإنتاج

خبراء اقتصاديون: ظاهرة الإغراق السلعي أسهمت في تراجع مستويات الإنتاج

بغداد /علي الكاتب
أكد عدد من الخبراء والاكاديمين الاقتصاديين ان ظاهرة الإغراق السلعي أسهمت كثيرا في تراجع مستويات الإنتاج الزراعي المحلي للمحاصيل الزراعية المهمة في سلة غذاء المواطن وبمستويات خطيرة،مما تنذر بنتائج كارثية على المدى القريب على غذاء المواطن وتوفيره بالكامل من جهة وعلى الإنتاج الزراعي المحلي والقطاع الاقتصادي من جهة اخرى.

وقالت الدكتورة سهام كامل الخبيرة الاقتصادية في جامعة بغداد إن إنتاج محصولي البطاطا والطماطة عانى كثيرا من التذبذب الواضح خلال الفترة من 1990 ولحد الان، مما اثر على حصة الفرد من الإنتاج المحلي والذي تسبب بجعل حصة الفرد العراقي ضعيفة مقارنة بالمنتج المحلي، كما ان هناك بحوثا أجريت أثبتت إن عمليات استيراد المحصولين قبل سنة 2003 كانت تسير بشكل منظم ووفق ضوابط وقوانين تهدف الى حماية المنتج المحلي والمستهلك.
وأضافت أما بعد ذلك فقد أقحمت الأسواق العراقية بمنتجات زراعية مستوردة وبشكل غير منظم وغير مدروس،حيث غالبا ما تكون تلك السلع رخيصة الثمن بل وارخص من أسعار البلد المصدر وبنوعيات رديئة والتي تورد الى أسواقنا بكميات كبيرة، مما تسبب في تراجع إنتاجنا المحلي بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وانعدام الدعم الحكومي، حيث إن فرصة المنافسة الحقيقية لإنتاجنا المحلي تكاد معدومة أمام تلك السلع.
وأشارت إلى إن القطاع الزراعي يعاني من هذه الظاهرة خاصة في مجال زراعة وإنتاج الخضراوات (كالطماطة والبطاطا) والتي كانت لها تداعيات اقتصادية خطيرة والتي تسببت في توريد منتجات زراعية من دون ضوابط وقوانين والتي من شأنها حماية المنتج المحلي والمستهلك، مما أدى إلى تراجع إنتاج الخضر،خاصة محصولي الطماطة والبطاطا بعد إن كان الإنتاج المحلي منها يسد حوالي 80% من احتياجات المستهلك العراقي.
وأوضحت ان كمية إنتاج الطماطة في العراق في عام 2003 بلغت (779) ألف طن وهي لا تشكل نسبة (0.7) من الإنتاج العالمي،فيما بلغت المساحات المزروعة بمحصول الطماطة بنحو (218486) دونم في سنة 1990 و(218424) دونم في سنة 2009، كما إن أعلى إنتاج لمحصول الطماطة خلال الفترة 1990 – 2009، حيث كان الإنتاج في سنة 1991 بنحو (437922) طن،في حين كانت في سنة 2001 (1321046) ألف طن،فيما تجلت ظاهرة الاستيرادات العشوائية للسلع الزراعية بعد عام 2003،حيث شهد السوق العراقي انفتاحا واسعا على السلع المستوردة من جميع السلع ومنها السلع الزراعية ومن مناشئ مختلفة.
وأكدت ان هذا الانفتاح يعد فوضى تجارية وترويج لسلع دخلت السوق العراقي ووصلت إلى المستهلك من دون ضوابط وقوانين من شانها حماية المنتج الوطني والمستهلك على حد سواء، أي إن تلك الاستيرادات العشوائية للمنتجات الزراعية من دون ضوابط ومن دون رؤية ودراسة واقعية للآثار السلبية التي من شأنها إلحاق الأضرار الجسيمة بالزراعة العراقية في الفترة المقبلة.
وتابعت الخبيرة الاقتصادية غالبا ما تكون تلك السلع رخيصة الثمن وذات مواصفات رديئة بل قد تكون لا تصلح للاستهلاك البشري، اذ يكون الهدف من استيرادها وتوريدها للأسواق المحلية هو تحقيق أعلى هامش ربحي مع تجاهل مصلحة المنتج والمستهلك ومصلحة البلد على حد سواء، وما تتسبب به تلك الظاهرة من انهيار الزراعة بالكامل والاعتماد على المستورد وبالتالي احتكاره للسوق العراقية،حيث سيكون سعر الاحتكار أعلى بكثير من سعر الإغراق بشكل عام.
وأشارت إلى الوضع الخطير الذي يلحق بالاقتصاد الوطني بشكل خاص وما تسببته من تدمير للزراعة العراقية بشكل عام والتي تمتد إلى خمسين قرنا من الزمان، والتي اتسمت بتنوع إنتاجها من الفاكهة والخضر ومجموعة الحبوب، نتيجة لتنوع المناخ،وكذلك استيعابها لـ(30%) من الأيدي العاملة وقابليتها على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء حيث ان نسبة الاكتفاء الذاتي في عقد السبعينات في القرن الماضي وصلت إلى أكثر من (75%) للحبوب وأكثر من (90%) للفواكه والخضر واللحوم والبيض.
فيما قال الخبير الاقتصادي جان سيريل ان استهلاك الطماطة بكميات كبيرة يأتي لحاجة المطبخ العراقي واستعمالاتها المتعددة،حيث ان الطلب على الطماطة عادة يخضع لعوامل زيادة الدخل وزيادة النمو السكاني، بالقياس بين مرونة في الطلب بالنسبة لزيادة السكان التي تكون أعلى من نسبة زيادة الدخل، إما حصة الفرد من الإنتاج المحلي فقد تعرضت للتذبذب المستمر، إلا ان أعلى انخفاض في حصة الفرد كان في 2001، 2003،حيث كانت حصة الفرد 53.2 كغم والتي انخفضت إلى 29.6 كغم في عام 2003.
وأضاف ان السياسات السابقة حددت استيراد الطماطة بهدف حماية الإنتاج المحلي من منافسة المستورد والتي ستؤدي إلى هبوط في أسعارها وتدهور إنتاجيتها، حيث كان التخطيط مركزيا لإنتاج وتسويق الطماطة وتحديد أسعارها،بهدف المحافظة على استقرار أسعار الإنتاج وعدم تعريض المنتجين لتقلبات الأسعار والتي تسبب بخسائر كبيرة على المستهلكين، وبعد سنة 2003 وإتباع سياسة الباب المفتوح لدخول اغلب السلع ومنها الطماطة التي اثرت سلبا على المنتجين مما أدى إلى تراجع الإنتاج المحلي بشكل واضح وملموس لعدم تمكن المنتجين من منافسة المستورد والتي أدت إلى ترك الفلاحين لمزارعهم ومهنهم الى إعمال أخرى.
وأشار إلى ان محصول البطاطا يعد من الخضار الرئيسة ذات الأهمية الاقتصادية من حيث الإنتاج والإنتاجية وتكمن أهمية هذا المحصول كونه غنيا بالطاقة،إذ يعد الغذاء الرئيسي لعدد من الدول، إضافة إلى كونه مادة خام للعديد من الصناعات الغذائية، ومحصول البطاطا الذي يزرع في أكثر من 140 دولة من مختلف أنحاء العالم، بمساحة مزروعة في العالم تزيد على (20 مليون هكتار) ليصل الإنتاج العالمي إلى أكثر من 300 مليون طن.
وتابع إما في العراق فقد كانت أكبر مساحة مزروعة في سنة 2005 حيث بلغت (203729 دونم) وبإنتاج (807586طن)، أما اقل مساحة فكانت في عام 1990 حيث بلغت (46725 دونم)، ونمت المساحة لمعدل نمو سنوي سالب (0.47-) أما الإنتاج فقد نما بمعدل نمو سنوي سالب (0.087-) أما غلة الدونم فقد كان معدل النمو موجب (2.28).
وأوضح ان البطاطا تزرع في مايسمى بعروتين، العروة الخريفية والتي تبدأ إنتاجها من 15/12 ولغاية 15/3 من كل عام،أما العروة الربيعية فتبدأ إنتاجها من 15/5 ولغاية 15/7، وهنالك سياسات مؤثرة على محصول البطاطا منها سياسة الإنتاج والنقل والاستيراد، والاهم هي ظاهرة إغراق الأسواق المحلية بهذا المحصول والتي دخلت الحدود بصورة عشوائية وبكميات غير محدودة وبأسعار رخيصة ومن دون ضوابط وقوانين تحمي المنتج المحلي، وكذلك المستهلك مما تسبب في تراجع الإنتاج المحلي من هذا المحصول.
ولفت الى ان ظاهرة الإغراق تجسدت في اغلب الخضر والفاكهة الموردة للعراق،خاصة لمحصولي الطماطة والبطاطا،حيث إن سعر بيع المحصولين المستوردين في السوق المحلي اقل من سعره في الدولة المصدرة وهذه الظاهرة هي ما تسمى بظاهرة الإغراق، حيث من الملاحظ إن الاستيرادات العشوائية لمحصول البطاطا للسنوات طوال الفترة الماضية تكاد لا تذكر بسبب سيطرة الدولة على المنافذ الحدودية ومنع دخول المنتجات الزراعية ومنها محاصيل الخضر إلا بخطة مدروسة بحيث لا تؤثر على الإنتاج المحلي.
وبين ان الوقت الحاضر يشهد خلاف ذلك ومع سطوة الاستيرادات العشوائية على الأسواق المحلية بسبب فتح الحدود على مصراعيها أمام السلع الدخيلة ووصولها إلى المستهلك من دون ضوابط وقوانين التي من شانها حماية المستهلك والمنتج الوطني، حيث مارست هذه السلع دورها في تراجع مستوى النمو الزراعي، كما إن من اخطر النتائج التي سببتها هذه الظاهرة حالة انعدام منافسة حقيقية بين المنتج المحلي والمستورد على اعتبار أن فرصة المنافسة الحقيقية لإنتاجنا المحلي معدومة إمام السلع المستوردة التي تتسم برخص سعرها بسبب الدعم وسياسة التشجيع التي يحظى بها المزارعون في تلك الدول علاوة على استخدامهم أحدث التقنيات في الزراعة،ما يؤدي إلى انخفاض تكاليفها قياسا إلى منتجنا المحلي مما يعني إن حالة الاحتكار للسوق هي القائمة والتي تسبب خروج منتجاتنا من حلبة المنافسة.
وقال إن إنتاج البطاطا والطماطة يعاني من التذبذب والانخفاض خلال السنوات التي تلت 2003، حيث إن حصة الفرد من الإنتاج المحلي من محصولي الطماطة والبطاطا أصبحت منخفضة جدا، كما إن الاستيرادات قبل عام 2003 كان تسيطر عليها الدولة ووفق ضوابط وقوانين تحمي المنتج المحلي والمستهلك على حد سواء،أما بعد عام 2003 شهد السوق العراقي انفتاحا على المستورد من المنتجات الزراعية ومنها محصولي الطماطة والبطاطا، وهو عبارة عن فوضى تجارية وترويج للسلع المستوردة والتي غالبا ما تكون ذات نوعيات رديئة ورخيصة الثمن مما سبب ذلك منافستها للمنتج المحلي الذي تأثر كثيرا بالسياسات الزراعية التي تم تطبيقها والتي أثرت سلبا على الزراعة بشكل عام.
وأشار الى ان بالرغم من اتجاه العراق نحو اقتصاد السوق إلا إن دور الدولة يجب أن يكون من خلال سياسة زراعية متطورة وإتباع أنظمة زراعية حديثة لغرض تنمية القطاع الزراعي وتمكينه من منافسة السلع المستوردة والتي تشبعت بها الأسواق المحلية، مع ضرورة رفع نسبة التخصيصات المالية موجهة للقطاع الزراعي حيث إن النسبة الحالية تبلغ (12%) من إجمالي التخصيصات، وان نسبة المصروف الفعلي منها لا يتجاوز (68%).
وأوضح ان تنظيم عمليات استيراد الفواكه والخضر مهم وضروري باعتباره خارطة طريق تحدد مواسم الإنتاج للمحاصيل المهمة من الخضراوات والفاكهة وبالتالي تحديد السلع المستوردة بحيث تؤدي إلى تقارب العرض والطلب وتحسين الأسعار وتشجيع الزراعة المحلي،فضلا عن تبني التقانات الحديثة في إنتاج الخضر ومنها إنتاج الطماطة والبطاطا لغرض زيادة غلة الدونم وبالتالي زيادة الإنتاج.
وأضاف ان السياسات الزراعية الخاطئة وتزامنها مع السماح لدخول المستورد إلى السوق العراقي ألقت بظلالها على تراجع الإنتاج الزراعي وهجرة الفلاحين لأراضيهم لتترك تلك الأراضي بدرا والزحف نحو المدن ليصبح الفلاح مستهلكا بعد إن كان منتجا،فضلا عن ان إنتاج الطماطة والبطاطا كانت تنمو بمعدل نمو سنوي غير مناسب.
وأكد انه ونتيجة لقلة الإنتاج المحلي في الفترة الحالية أسهم في رفع قيمة الاستيرادات العشوائية،ليأتي محصول الطماطة في المرتبة الأولى من حيث المساحات المزروعة بين الخضار الطازجة في معظم بلدان العالم، فهي تنتشر بشكل واسع في آسيا وأوربا وشمال وجنوب أمريكا وشمال أفريقيا، وكذلك أصبحت من أهم المحاصيل الغذائية الرئيسية في العالم خلال اقل من خمسين عاما، حيث ازداد الطلب على الطماطة في السنوات الأخيرة في الأسواق العالمية، وكانت الدول الرئيسة المستوردة للطماطة هي الولايات المتحدة بنسبة(26.5%) وألمانيا (19.3%) وبريطانيا (12.4%) وفرنسا (8.7%)
وهي تشكل نسبة(66.9%) من إجمالي مستوردات العالم من الطماطة.
وقال اما الدول المصدرة للطماطة وعلى وفق الاحصائيات العالمية المعتمدة فهي هولندا (23.9%) وأسبانيا (20.5%) والمكسيك(20.5%) وبلجيكا (6.5%) وكندا (5.5%) وتشكل نسبة 77% من إجمالي صادرات العالم،فيما تعد الصين في مقدمة الدول المنتجة للطماطة في العالم اذ تنتج حوالي (25.3%) من إجمالي الإنتاج العالمي، ولكنها تصدر فقط ما يعادل (1.3%) من إجمالي صادرات العالم، ويليها أمريكا والتي يصل إنتاجها إلى (9.1%) من الإنتاج العالمي.