حكاية من ساحة التحرير ..أحمد ورشا.. أحلام مشتركة بعراق حر ومستقبل أفضل

حكاية من ساحة التحرير ..أحمد ورشا.. أحلام مشتركة بعراق حر ومستقبل أفضل

 رحمة حجة
"هذه ثورة الحب والحرية، وثورة الشباب ضد الرجعية والطائفية والتبعية، لا أعتقد أنّني كنت سألتقي رشا من دونها"، يقول أحمد.

وينشط أحمد (19 عاماً)، في التظاهرات العراقية منذ أكتوبر الماضي، بدءاً من مدينته الكوت.
يقول الطالب في السادس إعدادي إن ما دفعه للتظاهر في البداية "قمع أصوات أصحاب الشهادات العليا الذين اعتصموا في حينه" مضيفاً "أدى سقوط الشهداء في أول أكتوبر لزيادة وتوسع الاحتجاجات في العراق".
وعلى الجانب الآخر، كانت رشا (18 عاماً) في بغداد، تقضي العطلة بين المدرسة وسنتها الجامعية الأولى في كلية الصيدلة، لذا لم يكن ممكناً أن تشارك في التظاهرات، تقول "ولا عذر أيضاً للخروج من البيت، خصوصاً مع صعوبة الأوضاع وازدياد القمع".
لكنها، مثل آلاف العراقيين، كانت تتابع يوميات التظاهرات عبر تطبيق "تلغرام". انضم الطلبة في مسيرات حاشدة إلى التظاهرات، يقول أحمد "المد الطلابي عزز الزخم الثوري". يتابع "في نهاية أكتوبر انتقلت لبغداد، ومنذ ذلك الحين أشارك المتظاهرين هناك، مقيماً في إحدى الخيم". وفي الثالث من تشرين الثاني ، بدأت حكاية أحمد ورشا.

"الولد الذكي"
بعد يوم طويل وصعب على جسر السنك، حيث الساتر الأول من المتظاهرين في مواجهة مع قوات الشغب، يطالع أحمد هاتفه، فيجد رسالة بالإنجليزية من فتاة باسم مستعار تصله.
الرسالة "مرحباً، معك سينثيا، آدمن (مديرة الصفحة)، أنت صاحب الصور الجميلة، صحيح؟".
ثم كانت دردشة بينهما، يقول أحمد "خضنا في مواضيع عديدة، منها الفلسفة وإيجاد الذات من خلال الحياة، وتبادلنا وجهات النظر، هي تتكلم بصوت واثق وأنا أحاول ترتيب كلماتي بشكل واضح وأصفّي ذهني وعقلي من دخان القنابل المسيلة للدموع وصوت الرصاص، حتى أظهر أمامها الولد الذكي على التلغرام".
وتتالت المحادثات بين أحمد ورشا، قبل أن يلتقيا شخصياً. وصارت تخطر في باله أثناء تواجده في ساحات التظاهر حين ينقطع الكلام.
يقول أحمد "لا أعلم حين كنت أتعرض لقنابل الغاز هل هي سبب دموعي أم مشاعري المتوهجة لهذه الفتاة التي لا أعرف حتى اسمها، كأني أتعلق ثم أشعر أنني الهواء الذي انقطع عنّي".
"صارت تخاف علي" يقول أحمد، مضيفاً "بدا ذلك من حديثها معي لكنها لم تقل ذلك... العلاقة هشّة جداً قد لا تتحمل ضغطاً بهذا الحجم وسط الاحتجاجات العامة في بغداد والصراع مع الذات".
في نفس الوقت، كانت صورة أحمد تتبلور في ذهن رشا، تقول لـ"الاحتجاج": "صراحة، توقعته شخصاً عادياً قبل مراسلته، وظننت أنني سأتحدث معه لفترة قصيرة وتنتهي، إلا أن ذلك لم يحدث".
وما ميّز أحمد برأي رشا "أسلوبه وطريقته في الكلام، وسعة ثقافته واطلاعه". تقول "هو من النوع الذي يدفعك لتطوير نفسك من أجل مجاراته في النقاشات. بدأنا بالفلسفة ثم ناقشنا الفيزياء الكميّة، وكلّما عرفت المزيد عنه تقتُ لما هو أكثر".
ويجمعهما الشغف نحو الموسيقى وتفضيل نفس المسلسلات، وحتى أصدقاء قدامى، يقول أحمد "بدأت أحس أنني أعرفها منذ سنين، وانتظرت هذه اللحظة كي نلتقي. اتفقنا على موعد".
بدأ الفصل الدراسي، والتحقت رشا بالمحاضرات الجامعية، هذه فرصتها الآن، للتظاهر أولاً، وربما أولاً أيضاً، أن ترى الصديق الذي قد يصبح حبيباً..
وهنا ينضم تاريخ جديد لأجندتهما: 22 ديسمبر.

"جمالها.. كنتُ اللون.."
"لا أدري ماذا نفعل.. لا أعلم ماذا فعلنا.. لكن النار قادمة.. لذا أعتقد علينا الركض.. اركض اركض اركض" مقطع من أغنية أحمد ورشا المفضلة (Run)، ولا عجب، إن كانت هذه القصة تسير برفقة آلة قمع المتظاهرين بمختلف الأدوات.
يقول أحمد عن لقائهما الأول: "أردت اللقاء بعيداً عن ساحات الاحتجاج. أحتاج التركيز، وكان موعداً في الصباح الباكر، قريباً من جامعتها".
انتظرها.. كان يرسم سيناريوهات الموعد الأول في رأسه، ويعرف أنه الحب، وتعرف هي لكن "مترددة" أنّه الحب، آتٍ لا محالة!
"سمعتُ اسمها بصوت أم تنادي على ابنتها في السوق قبل أن تأتي، وحين أتت، أبهرني جمالها. كان جمالها مؤذياً، كما لو أنه طعنة".
تقول رشا "أحمد شاعر، وشغوف بالشعر وكتابة المقالات.. وأحب ذلك".
وعن انطباع اللقاء الأول، تصف رشا "رأيته ينتظرني بفارغ صبره خارج المطعم كي ندخل سوياً، يضع يديه في جيبه، ويرتعش من البرد، إلا أن ذلك تلاشى حين رآني، لقد شعرت بالدفء ينتقل إليه، بدا ذلك في عينيه".
تتابع: "حين اقتربت منه، حاولت حفظ ملامحه، أريد أن أتذكرها. تلك النظرة لا أنساها. كما لو كنتُ اللون الوحيد وسط حياة بالأبيض والأسود حولنا".

أما اللقاء الثاني، فكان ساحة التحرير.
تقول رشا "الدوام الجامعي أتاح لي المشاركة في التظاهرات مع بقيّة الطلبة، وأحمد هناك، لذا صارت ساحة التحرير المكان الذي يجمعني بالحب والثورة معاً".
تضيف "استمرينا أسبوعين في لقاءات التحرير. الخطر والخوف والأوضاع الصعبة هناك منحتنا الفرصة للتعرف أكثر على بعض، وأحمد يبيت هناك يومياً على الرغم من البرد والمرض، ولديه عائلة وأصدقاء إلا أنه لا يقبل الرجوع للبيت، يقول لي: ما اكدر أنام وارتاح وغيري ديموتون بالشارع".
أحبّت رشا تضحية أحمد وقصصه في التظاهرات، وقرّبها من الوطن أكثر، تقول "تعرض للعديد من الإصابات من قبل فرق مكافحة الشغب، ودائماً يخفي عني الإصابات التي يتعرض لها كي لا أقلق".
يقول أحمد بشعرية وشاعرية "تَمُر من جنب رأسي ببضع سنتمترات قنبلة غاز مسيل.. أكاد أشعر بهوائها يحرقني لثانيتين.. آه.. كِدتُ أموت.. لكني لم أمت؟ هل هي السبب؟.. القدر يريدنا سوياً".
ويصف ما حدث معهما في إحدى اللقاءات حين تعرّضا معاً لقنابل الغاز في ساحة حافظ القاضي في منطقة الأحرار "رائحة مسيل الدموع في الهواء، نظرت إليها، طغت الحمرة على عينيها، التقطتُ يدها ووقفنا وسط الساحة، وسقطت 3 قنابل على بُعد أمتار منّا، تلقائياً غطيتُ وجهها بصدري، ثم نظرنا لبعضنا بعيون دامعة نتيجة الغاز. ابتسمنا وصرخنا معاً: الشعب يريد إسقاط النظام! أنا باقي. ولائي عراقي".
وعن هذا الموقف، تقول رشا "لم أخف أبداً، كان أحمد بجانبي"، مضيفةً "كلمّا أفلتت يدي من يده، استعادها قائلاً: إيدچ لا تفلتيها".

المستقبل؟
لكل من أحمد ورشا دور ومهمات مختلفة تتعلق بدعم التظاهرات، فهو على المستوى الميداني في الساتر الأول (الصفوف الأمامية) بالمواجهة مع قوات الشغب، ثم انتقل بين الساتر الأول والثاني لإسعاف المصابين وتوزيع المغذي (نورمال سلاين) المضاد للمسيل.
فيما رشا تشارك بالاعتصامات الطلابية، وحملات الدعم الإلكتروني ونشر الفيديوهات عبر مواقع التواصل من أجل إيصال صوت العراقيين للعالم.
كيف تنظران للغد؟ للمستقبل؟ مخاوف أم أحلام؟ يجيب أحمد "هذه هي الفكرة الأساسية، لقد تظاهرنا بسبب هذا المستقبل المجهول والغائب أساساً، هو بعيد جداً، لكننا نحاول الآن تصليح الأوضاع".
ويتابع أحمد لـ"ارفع صوتك": "سنقوم بكل ما باستطاعتنا كي لا تضيع دماء الشهداء هباءً، ونستمر حتى تحقيق المطالب".
"نريد القضاء على الفساد. العيش بسعادة وحريّة في بلد ضم أقدم الحضارات في العالم"، يقول أحمد.
من جهتها، وبعد مرور أربعة شهور على التظاهرات من دون تحقيق أي مطلب من مطالب المتظاهرين، ترى رشا أن أهم ما حدث خلال هذه المدة "نجاح الثورة اجتماعياً ولولا ذلك ما كانت ستستمر" مضيفةً "جددت العلاقات ونزعت الخلافات الاجتماعية والثقافية ووسعت معارف الأفراد خارج مناطقهم".
وتتابع: "نجحت الثورة أيضاً في تغيير تفكير الناس الذين كانوا عبيداً للطبقة السياسية والدينية، حررتهم بعد كشف زيفها".