مرت ذكرى رحيله بصمت

مرت ذكرى رحيله بصمت

د. علاء يحيى فائق
في السادس من شباط مرت ذكرى رحيل فنان الشعب العراقي الرائد يحيى فائق، كان الراحل المبدع يحيى فائق رجل نهضة متعدد المواهب والقدرات الإبداعية فهو من أحد الأعمدة التي اسهمت لتأسيس الحركة المسرحية والسينمائية والإذاعية والتلفزيونية في العراق.

ولد الفنان الرائد يحيى فائق في مدينة كربلاء عام ١٩١٣لعائلة محافظة، لكن طموحاته الشابة لإدخال الحداثة للمجتمع والثقافة العراقية في بدايات القرن العشرين أكسبه بحق الريادة الفنية في جوانب مختلفة من الفنون الإبداعية.

المسرح
بدأ نشاطه المسرحي في عام ١٩٢٩، أسس فرقته المسرحية الفرقة العربية للتمثيل في عام ١٩٣٢، وبقيت الفرقة تقدم عروضها المسرحية حتى عام ١٩٥٤ حيث ألغت الحكومة آنذاك إجازات كل الفرق المسرحية، تميزت المسرحيات التي أخرجها يحيى فائق بدورها التحريضي والتعبوي ويعد أول من أسس لمسرح شعبي وطني سياسي يطرح قضايا ومعاناة المواطن العراقي، كانت نتاجاته المسرحية تؤدي بالجمهور أن يخرج بتظاهرات بعد مشاهدة هذه العروض، من المسرحيات التي أخرجها بتلك الفترة مسرحية «الوطن والبيت»، «هذا مجركم» ١٩٤٢، ومسرحية «ثورة بيدبا» ١٩٤٦، «حكم قرقوز».
أسس فرقة المسرح الجمهوري عام ١٩٥٨ وقدم مسرحية (الفجر الثائر) من تأليفه وإخراجه عام 1959، وقدمت الفرقة مسرحية (سقط المتاع) ١٩٦٢ من على قاعة الشعب. توقف عمل فرقة المسرح الجمهوري بعد شباط ٦٣ وتم إلغاء إجازة فرقته المسرح الجمهوري، ابتعد يحيى فائق عن العمل المسرحي.

السينما
بدأ الرائد يحيى فائق في العمل السينمائي مع بدايات السينما في العرق، فقد شارك بالتمثيل في الفلم السينمائي (عليا وعصام) ١٩٤٩إضافة لعمله مساعد مخرج للفلم حتى يتدرب في حرفية السينما، بعدها أخرج اول فلم عراقي روائي ملون (العتبات المقدسة) ١٩٥١، لكنه منع من العرض لأسباب طائفية، بعدها أخرج فلم (وردة) ١٩٥٦، لكنه تميز بالأفلام التسجيلية وحصل على عضوية في نقابة السينمائيين البريطانيين لإخراجه فلم وثائقي مميز عن فيضان بغداد ١٩٥٤. وأسس مع الفنانين كريم مجيد وعزيز علي شركة سينمائية باسم أفلام العراق الحديث وقاموا بتقديم ثلاثة أفلام وثائقية ملونة عن النهضة الحضارية والصناعية والزراعية في خمسينيات القرن الماضي، وتم عرض الأفلام في شتى دور السينما ببغداد وبقية المدن العراقية.

الإذاعة والتلفزيون
عمل الرائد يحيى فائق مع بدايات تكوين الإذاعة العراقية، فكان من مؤسسي الدراما الإذاعية، وكانت فرقته تقدم أسبوعياً دراما من روائع الأدب العالمي، ومع تأسيس التلفزيون العراقي اسهم بإخراج عشرات البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية، إضافة الى الدراما التلفزيونية، وآخر عمل تلفزيوني أخرجه هو (الأبواب المسودة) والتي أعدها عن رواية للكاتب العراقي عبد المجيد لطفي وقام بتمثيلها كارلو هارتيون وحامد الأطرقجي وسعاد عبد الله، وتم منع عرض هذا العمل بسبب جرأته بانتقاد الفساد في الطبقة المتنفذة في المجتمع.

البعد الرابع والفن الجامع
طرح الرائد يحيى فائق نظرية متقدمة في تجديد العرض المسرحي في منتصف الستينيات أسماها «مسرح البعد الرابع» التي تتبنى إستعمال أحدث الطرق التكنولوجيا الحديثة في العرض المسرحي والسينمائي وتقحم المتفرج في وسط الحدث المسرحي، لكن مع الأسف لم تتوفر له الإمكانيات والدعم لإظهار المسرح العراقي بشكل عرض مسرحي فريد ومميز عالمياً.

مساهمات أدبية وفنية أخرى
وكان للفنان الرائد يحيى فائق أعمال تشكيلية في الرسم والفوتوغراف في خمسينيات القرن الماضي، وقام بتحرير عدة قصائد نثرية ومقالات فنية وأدبية، إضافة الى كتابة عدة نصوص درامية للمسرح والإذاعة والتلفزيون، كما قام بوضع عدة سيناريوهات لأفلام قام بإخراجها للسينما والتلفزيون.
رحل يحيى فائق بصمت عام ١٩٨٣ بعد ان عانى من سياسة التهميش والعزل بسبب مواقفه الوطنية وإلتزامه بقضايا شعبه ووطنه، ويبقى السؤال: متى سيتم إعطاء الفنان الرائد الملتزم يحيى فائق مكانته الحقيقية وتثمين أعماله الإبداعية ومواقفه الشجاعة ودراسة تجربته الفنية والإبداعية للأجيال المقبلة كمثال يجب ان يحتذى به؟
كتب الفنان الرائد يحيى فائق في كتابه الفن للشعب: “هيا نوقد أضواء المسرح، الشعب في انتظارنا، يريد ان يرانا على المسرح كحقيقتنا العارية التي لا بديل عنها في التعريف بالحقيقة، انها الحاجة التي يريدها الانسان الحي».
وكتب أيضا في مذكراته: «كان اهتمامي كمسرحي وفنان سياسي بالفن ان يكون العلاج والدواء نقيا وصالحا لحاجة الجماهير الكادحة لتطهير التعفن والسم لإنقاذ حياتنا وانسانيتنا لهذا الفن السياسي والثوري هدف جذري وحتمي لمجتمعنا.»
ويقول الفنان بدري حسون فريد في كتابه فنانون من بلادي عن الفنان الرائد يحيى فائق: «انه من اعلام المسرح العراقي وفي طليعة ممثلينا الأوائل الذين وضعوا اللبنة الاساسية لنهضة العراق المسرحية والتمثيلية ومن ثم قوموها بالتضحيات الغالية وذللوا الكثير من المصاعب لتصل النهضة التمثيلية الى مكانتها المرموقة آنذاك.