يحيى فائق بشهادة بدري حسون فريد سنة 1954

يحيى فائق بشهادة بدري حسون فريد سنة 1954

باسم عبد الحميد حمودي
اصدر بدري حسون فريد كتيبه هذا العام 1954 باسم (فنانون من بغداد ) وهو مجموعة مقالات عن فنانين (وادباء عراقيين لهم علاقة بالفنون) وبعض هؤلاء تكاملت شخصيتهم بوفاتهم مثل الفنان شهاب احمد الكصب الذي توفي شاباُ، وبعضهم عمل في حقل الفن قليلا ثم ابتعد مثل (جرمين) لكن معظمهم له دور مهم في عملية البناء الفني الحديث مثل الفنانين الرواد:

حقي الشبلي، عزيز علي، جعفر السعدي، يحيى فائق، خالد الرحال، وبقدر ما كان موقف الكاتب من الفنان الكبير حقي الشبلي سلبيا تماما هاجم من خلاله عمله في ادارة معهد الفنون الجميلة ومشاركته في فيلم القاهرة- بغداد بطريقة اثرنا بسببها عدم اعادة نشر موضوعه عنه، نجده يقف من شعر الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة موقفا سلبيا خصوصا في تحليله لجهدها الريادي التحديثي في ديوانها الثاني (شظايا ورماد) حيث وجد في (التلاعب) في نظام التفعيلة نوعا (من الحشو الذي لا فائدة منه) وواقع الامر ان (نازك) كانت تعمل ضمن مشروع ضخم وريادي في اثراء الشعر العربي الحديث وهو امر لم يكن الكاتب قريبا منه لغلبة القصيدة الخليلية انذاك على الذهن الثقافي.


اننا نجد في هذا الكتاب- البورتريت ملاحظات وخواطر عن الجو الثقافي منتصف القرن العشرين منها موقف الفنان بدري حسون فريد من نتائج مسابقة شعرية اقامتها كلية الاداب والعلوم انذاك فازت فيها الشاعرة فطينة النائب على خمسة شعراء من سائر الكليات العراقية والكاتب هنا يرى في نتائج المسابقة انحيازا من لجنة التحكيم للشاعرة اعتماداً على رأي المحرر الثقافي في جريدة الانقاذ وراي الاستاذ خيري العمري الذي نشره في جريدة الاهالي حول افضلية قصيدة الشاعر طه العبيدي (الشتاء) على سائر القصائد المشاركة.
في الكتاب ايضا نوع من التوثيق لعمل الفنان اكرم جبران في فيلم (عليا وعصام) وفيلم (ليلى في العراق) وتسجيل لجهد الفنان يحيى فائق في المسرح وفي بدايات السينما العراقية رغم مأخذه على بعض نشاطاته، وفي مذكرات الفنان فريد لون من التحية لجهد فنان عراقي راحل هو عبد الخالق السامرائي الذي عمل مهندسا للصوت لعدة افلام مصرية قبل ان يعود الى بغداد ليعمل في التصوير والاخراج السينمائي.
ان مشكلة كتب من هذا النوع انها تؤرخ لفترة وتخضع في تاريخها لمزاج وعواطف الكتاب وقد كان الفنان الكبير بدري حسون فريد حرا تماما في تسجيل انطباعاته عن الاسماء الفنية والثقافية التي اختارها وها نحن نقدمها للقارئ الكريم تعبيرا عن مرحلة ومشاركة في استذكارها.

يحيى فائق
من اعلام المسرح العراقي وفي طليعة ممثلينا القدامى الذين وضعوا اللبنة الاساسية لنهضة العراق التمثيلية ومن ثم قوموها بالتضحيات الغالية وذللوا الكثير من المصاعب لتصل النهضة التمثيلية الى مكانتها المرموقة آنذاك، ولقد تخرج الاستاذ يحيى فائق من معهد انطاكيا للتمثيل وحاز فيها على شهادة راقية جاء بها الى العراق ليريها باعتداد الى والده الذي أرسله الى انطاكيا ليدرس الطب. فكانت مفاجأة لا ينتظرها الاب الذي صرف على ابنه مبالغ كثيرة لا ليدرس الفن والتمثيل فأثرت تلك الحادثة في نفسيته وجعلته يحقد على ممثلنا البارع يحيى فائق.
ادواره الخالدة على المسرح دور (عنتر) فهو الممثل العراقي الوحيد الذي يصلح لذلك الدور ويتمكن من ان يعطي حقه فيه كممثل بارع ولا يقل نجاحه في دور الاب من رواية المساكين عن دوره السابق وله ادوار عديدة اخرى قام بها على المسرح في مناسبات وطنية فأبدع فيها ومثل باحساس وهتفت له الجماهير من الاعماق وصاحت بملء صوتها: ليعش يحيى فائق ممثل الجماهير الاول. اما دور (ذياب) الذي قام به في الفلم العراقي الاول (عليا وعصام) فقد سجل له فيه نصرا رائعا واثبت انه ممثل سينمائي لا يشق له غبار وله تلك الشخصية الخاصة به الذي يحسده عليه كثير من الفنانين،وقام بمهمة مساعد مخرج اضافة الى دوره السابق في ذلك الفلم، فكان نشطا وذكيا يراقب كل حركات المخرج الفرنسي وسكناته ويتفهم اصول الصناعة السينمائية.
اما اليوم فالاستاذ يحيى فائق ينتظر نجاح باكورة عمله كمخرج لفلم عراقي قصير ملون. ولقد عقد الاستاذ يحيى فائق الامال الجسام لنتيجة عرض ذلك الفلم ونجاحة.. وسينجح الاستاذ يحيى فائق في اخراجه لمثل هذه الافلام بالذات ولكني اود ان اهمس في اذن مخرجنا الجديد الذي اخذ على عاتقه مهمة اخراج افلام عراقية واقول: اذا كان نجاح الممثل يعتمد على الموهبة الكامنة مع الصقل والتمرين المستمر فان النجاح في الاخراج السينمائي يعتمد قبل كل شيء على البحث والتعمق والدراسة العلمية لفنون السينما في معاهد سينمائية خاصة ومن ثم يستوجب بعدها التطبيق لتلك الدراسات في استوديوهات انشئت خصيصا للتمرين على الاخراج الذي يؤهل المخرج الناشئ المجال لكي يصل الى مرتبة يتمكن بها من ان يخرج فلما ناجحا. ولكن الاستاذ يحيى فائق قد اختصر تلك المراحل ولم يهتم بتلك الحقائق التي ذكرتها الان، فشرع في اخراج فلم عراقي قصير وملون ايضا وبالتأكيد كما قلت سابقا سينجح الاستاذ فائق في اخراجه لهذا الفلم وذلك لاسباب عديدة تتعلق بموضوع الفلم الذي سنشاهد فيه العتبات الاسلامية المقدسة في العراق، هذا السبب مع غيره من الاسباب الفنية كموهبة الاستاذ يحيى فائق في الاخراج ومقدرة المصور كريم مجيد في اجادة التصوير والتمثيل الطبيعي الذي قام به بقية الممثلين في الفلم وشهرة المطربة الايرانية (فروخ خانم) كل هذه العوامل ستجعل الفلم ناجحا في العالم الاسلامي الى درجة عظيمة وحتى في العالم الاوروبي ايضا الذي سيشاهدون فيه للمرة الاولى مناظر العتبات الاسلامية المقدسة، ولكن كيف الحال بالنسبة الى اخراج الاستاذ يحيى فائق لافلامه القادمة؟ هل سيخرج فلما آخر عن العتبات الاسلامية المقدسة لكي يضمن له النجاح مرة اخرى؟ ام انه يعتمد على فنه وتجاربه الخاصة التي تلقنها من استديو بغداد عند قيام المسيو (شوتان) في اخراج فلم (عليا وعصام) عندما كان له مساعداً للاخراج؟ ام انه يعتمد على دراساته العديدة في كتب السينما والابحاث الفنية الاخرى؟ اذا كان هذا كل ما في جعبة الاستاذ فائق من فن ومعرفة بشؤون الاخراج السينمائي فهذا غير كفيل له مهما كانت قابلية الاستاذ يحيى فائق ومواهبه بأن يكون مخرجا ناجحا دائما لافلام مواضيعها غير موضوع العتبات الاسلامية المقدسة.
ولعلي لا اكون متشائما في قولي بأن الاستاذ يحيى فائق اذا لم يصقل مواهبه الفذة بالدراسة النظرية مع التطبيقات العملية في استديوهات تفسح له المجال على التمرين الكافي فانه سوف لا يحقق له النجاح المنشود وبالتالي سيطلق السينما ويرجع الى امه الحنون المسرح الشعبي مرة اخرى.
عن: رسالة (هديب الحاج حمود ودوره السياسي...)