حكاية شهيد..أمير عبد الكريم الجلبي.. عاش أميراً بروحه الناصعة ورحل أميراً بغدر العبيد

حكاية شهيد..أمير عبد الكريم الجلبي.. عاش أميراً بروحه الناصعة ورحل أميراً بغدر العبيد

 ماس القيسي
" ضلعي، هو شباقي بعمرنة؟!"، آخر كلمات عبر عنها امير في نهاية رحلة حياته، التي شارفت على غلق ابوابها وهو على علم بذلك، اذ ان الروح حين تحيا تدرك تماما أي طريق سوف تسلك والى اين المصير، هنا توقف الكوكب عن دورانه وقفة اجلال مودعا أحد نجومه.

امير عبد الكريم الجلبي، ولد في 14/4/1997، في مدينة بعقوبة من محافظة ديالى، مقيم في بغداد، أكمل دراسته الثانوية والتحق بكلية هندسة تقنيات الحاسوب من جامعة دجلة الاهلية وتخرج منها هذه السنة، شخص هادئ مرح محب للحياة، يجد في مواساة الاخرين وإدخال البهجة والسرور إلى قلبوهم متعته الخاصة، عمل في مشتل لبيع الحيوانات وكان على علاقة طيبة ودودة بزبائنه من مربي الحيوانات الاليفة.
" تربينا سويا ونحن صغار، نقضي اغلب الأوقات معا في منزلي او منزله"، ويعقب مؤمن عباس خالد (صديق الشهيد) قائلا: "حتى كبرنا، وانتقلت للسكن في بغداد من اجل الدراسة في الجامعة التي التحقت بها، فاقمت في منزل امير، كنت ابيت معه في حجرة نومه الخاصة، تشاركت معه كل شيء، كان فراشي بجوار فراشه، حتى احتياجاتي من الألبسة كنت اطلبها منه، نخرج معا للتنزه او السفر خارج بغداد".
ذاكرة مؤمن لم تغادر امير ليأتي موقف يجعله ماثلا امامه، لأنه عاش معه الحياة برمتها، ويضيف مؤمن بقوله: "ليس هناك موقف محدد يذكرني بأمير، رافقته طيلة حياتي حتى تخرج قبلي بسنة من الجامعة"، ثم رحل امير تاركا مؤمن اسير ذكريات جميلة تأبى ان ترحل هي الاخرى.
شارك امير البطل بروحه الثائرة في الدفاع عن هوية وطن نهبت منذ عقد ونصف، حين التحق بركب ثورة تشرين المجيدة منذ اندلاعها حتى قدم نفسه قربانا لعراقه ضريبة لحريته، ويقول احمد عبد الكريم (أخو الشهيد) فيما يخص تفاصيل واقعة استشهاده: "اخترقت مقذوفة دخانية جمجمة امير قرب جسر الجمهورية بتاريخ 30/10/2019، ونقل على إثرها الى مستشفى الجملة العصبية، ورقد في العناية المركزة لمدة 56 يوما حيث أجريت له 6 عمليات وهو في حالة غيبوبة، حتى فارق الحياة بتاريخ 25/12/2019". قاوم الأمير امير بكل بسالة اصابته الخطيرة على مدار أيام نضاله في المشفى ما يشهد على ذلك كل من رافقه آنذاك حتى رحل حاملا وساما لا يقدر بثمن نفخر به نحن من بعده.
في موقف مهيب ينعي رامي الجلبي (ابن عم الشهيد) اميرنا على صفحته قائلا: "أفكر بتضحيات الشهداء ومدى شجاعتهم، الذين ضحوا بأنفسهم لأجل الوطن والشعب" مع كل هذا الفخر الذي كان يشعر به، كان هناك امرا ينقصه وهو ان عائلته تفتقر لشهيد!، وبهذا يستطرد قائلا : "لكي افخر وأقول لكل الناس لدينا شهيد، بغض النظر عن مستوى ادراكي حينذاك"، حتى جاء اليوم الذي يدرك فيه رامي تماما من هو الشهيد من خلال تضحية البطل امير، فيقول: "في يوم 25 كانون الأول 2019، أصبحت انادي بأعلى صوتي نعم لقد اصبح لدينا شهيد، علينا الفخر به جميعا".
أي دناءة تلك التي سمحت لنفسها ان تخترق جمجمة امير؟!، امير متوج بألق عظيم يأبى الرضوخ لعبيد الطاغوت متنازلا عن نرجسية الانا، جابه تلك الضربة الغادرة مرفوع الهامة بكل صدر رحب، فما كان منه الى ان يبتسم كعادته حين يواجه قبح الآخر ليترك في نفسه اثرا طيب، مخاطبا خصمه: "لا تبتئس، ابتسم يا جندي الوطن، قاذفتك لم تصب الوطن بل اصابتني، لكنك لا تعلم باني والوطن كيان واحد!".