بندر عبد الحميد وردة أدباء سورية

بندر عبد الحميد وردة أدباء سورية

حسن عبد الرحمن
سيتحدثون كثيراً عن بندر عبد الحميد، سيقولون نثراً وشعراً وأحاديثاً وحباً، ولكن أحداً لن يكون بمنزلة قريبة من هذا الشاعر والأديب والفنان والمثقف والصحفي والنبيل والروائي، حين كان يحكي عن أي شيء ويتحدث عن أي شيء.

بندر عبد الحميد عالماً ومجمعاً ثقافياً مستقلاً زاهياً وملوناً لهواة الحب والأمل والمعرفة، لم يكن أكثر تواضعاً ولا أقل كبرياءً من وطنه سورية.
رحل وتركنا جميعاً أكثر ندماً لاعتبارنا بغباء لا يحد أننا يمكن أن نراه كل يوم وساعة نشاء، نؤجل رؤيته وكأنه متاح دائماً كما عودنا، دون أن نحسب حساباً بأننا يمكن أن نفقده في أي لحظة.
من أكثر مايحزن ويحرق القلب أنه كان يعيش آخر أيامه يائساً فاقد الأمل منهزماً وهو يشهد حال الوطن وما حل به.
صديق عمره الأديب والباحث محمد كامل الخطيب، كتب عنه فقال:” لو أن بإمكاني أن أكتب أو أن أقرأ بالدموع لكتبت وقرأت عن رحيل صديق العمر والقلب والمسافات البعيدة والرقيقة. بندر عبد الحميد الذي أهداني وردةً يوم التقينا، فتصادقنا منذ اللقاء الأول عام 1968 في حديقة جامعة دمشق.
يقول محمد كامل الخطيب:" مرة ومنذ زمن بعيد كتبت، خرجت الثقافة السورية من بيت بندر عبد الحميد، مثلما خرجت القصة الروسية من معطف غوغول، ربما بإغلاق بيت بندر عبد الحميد، هذا البيت الذي كان مفتوحاً لكل الناس، كقلبه ومخيلته مطلقة السراح، تعلن ثقافة جيل ومرحلة سوريَّة عن انتهائها."
بندر عبد الحميد الذي كان يعيش الحياة دائماً بوجهه الصافي وابتسامته البريئة، سيبقى رمزاً للثقافة السورية وسيبقى بطيفه حاضراً بخفة الخيال والمخيلة والموهبة.
عند كل محطة للأصدقاء كان بندر مقصداً، بكل بساطة، كان يكفي أي اقتراح من أي صديق "تعالو نزور بندر حتى يتم الأمر، كانت رغبة الأصدقاء قبل رغبته التي كان يجهزها سريعاً دافئة وطرية ووادعة لطيفة مع الطرقة الأولى على الباب الأليف الحنون.
لن أنسى ذات ليلة من شتاء الثمانينيات وكنت قد أرسلت قصيدة إلى مجلة الآداب اللبنانية ونستيها كعادتي في نسيان ما أحب لنفسي، لأفاجأ بعد صدور المجلة ببندر عبد الحميد وقد قرأها بإعجاب ومحبة لبعض الأصدقاء، الذين تداولوها بدورهم. اتصل بي الصديق محمد كامل الخطيب يومها ليخبرني بفرحة بندر عبد الحميد بالقصيدة. وما أزال إلى اليوم فرحاً بفرحته تلك.
كانت أولى أيام معرفتي به التي توطدت عن بعد وعن قرب كغيري ممن أحبوه وأحبهم عندما كتب مقالاً عظيماً لا أزال أذكره إلى اليوم، كان بمثابة صفعة للتكاذب والتبجح في وقته منتقداً شلة من الأدباء والصحفيين السوريين من أبناء جيله ممن كانوا يتفاخرون أمامه بقتل الغزلان ورحلات صيد الغزلان الجميلة وهم يقتحمون عزلتها البريئة ويطاردونها ليلاً في البادية السورية، بينما يزاودون ليل نهار بالشهامة والنبل والإنسانية والرومانسية والحب.
مع أنه عايش وعاصر أجيالاً مختلفة من أدباء ومثقفي سورية والوطن العربي بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية، إلا أنه حافظ على مسافة منهم جميعاً، أحب من يستحق ومن لم يستحق منهم وأحبوه بدورهم.
بندر عبد الحميد ذهب منكسراً تائهاً زاهداً كما سنذهب منكسرين تائهين زاهدين ونحن نعيش أحلامنا المنكسرة. بسؤال لا جواب عليه هل "سورية وردة أم قنبلة."؟ اسم الكتاب الجميل الرائع لصاحب الرؤيا محمد كامل الخطيب.
بعد ثماني سنوات حرب ما نزال نسأل وسنبقى ربما لفترة طويلة نسأل هل ستكون سورية وردة أم قنبلة؟.