مستشفى العزل في التويثة.. هكذا كانت البداية

مستشفى العزل في التويثة.. هكذا كانت البداية

بدأت القصة في عام1944 بعد ان وصلت ارقام المصابين بمرض السل في العراق ارقاما مخيفة حيث قرر مجموعة من وجهاء واخيار هذا البلد تشكيل جمعية لمكافحة السل لغرض العناية بالمصابين بهذا المرض والحد من انتشاره .

وبالفعل تم تشكيل هذه الجمعيه والتي كان عدد المؤسسين لها اربعة عشر شخصا وتم اختيار تحسين علي رئيس الديوان الملكي رئيسا لها والدكتور سامي شوكت نائبا للرئيس والدكتور ابراهيم عاكف الالوسي معتمدا والدكتور نجيب محمود مفتشا عاما.
وتم الاتفاق على ان تكون الجمعية تحت رعاية الوصي على العرش عبد الاله.. كما تم الاتفاق ان تكون باكورة اعمال الجمعيه هو تأسيس مستشفى في بغداد لمعالجة المصابين بدلا من ارسالهم الى مصحات لبنان لذا تم منح الجمعية قطعة ارض مساحتها خمسة عشر دونما عند اطراف العاصمة في مزرعة الزعفرانية التابعة للحكومة ولكنها غرقت في احد الفيضانات و كان لابد من صرف النظر عن انشاء المستشفى على هذه الارض خوفا من حدوث فيضانات اخرى تسبب غرق المستشفى. لذا تم اختيار قطعة ارض اميرية في الجهة اليسرى من نهر ديالى في منطقة التويثة مساحتها حوالي الثمانية دونمات وتم تمليكها الى الجمعية وصدرت الارادة الملكية بذلك. كانت مساحة القطعة لا تكفي للمشروع وكانت هذه القطعة متصلة مباشرة بالاراضي الزراعية التي يملكها السيد عبد المنعم الخضيري والذي قام بالتبرع الى الجمعية بخمسة وعشرون دونما منها تقع على شاطئ نهر دجلة مباشرة وبلا مقابل.. وضعت الخرائط لانشاء عشرة ردهات في بادئ الامر كل ردهة تحتوي على الادارة وصالة كبيرة للسينما والترفيه وجناح للاشعة مع صالة للعمليات الجراحية واحدى عشرة غرفة للمرضى الخصوصين وجناح خاص للاطباء المقيمين وجناح خاص للممرضات. وجناح خاص للمطابخ والمخازن مع غرف خاصة للمرضين والخدم. وطرحت المناقصة فرست على المقاول المهندس علي رأفت.
مشروع الماء تم انشاءه من قبل الجمعيه حيث تم تجهيز المكائن واحواض التصفية والتعقيم اما مشروع الكهرباء فقد وافق مدير مشروع كهرباء بغداد ان يمد المستشفى بالكهرباء من مدخل معسكر الرشيد حيث تم نصب محولة في مدخل المعسكر وتم مد حوالي المائة والثمانين عمودا كهربائيا على حساب الجمعية ..
في اوائل سنة 1948 بوشر بانشاء المستشفى وكانت المقاولة تتضمن ان تقوم الجمعية بتهيئة المواد فيما يقوم المقاول بالتنفيذ فقط .. هنا تبدأ قصة الايثار.. فقد قام السيد سيمون كريبيان التاجر الارمني ببيع الاسمنت بسعر احد عشر دينارا ونصف للطن الواحد فيما كانت قيمته العالمية سبعة عشر دينارا للطن الواحد .. كما قام بجلب الشيلمان لتسقيف الردهات والمرافق التي يحتاجه المستشفى من بلجيكا على حساب الجمعية بدون ربح ..
المئات من الشبابيك الحديدية تم شرائها من شركة داود ساسون الانكليزية والذي قام ببيعهم الشبابيك وبسعر اقل من سعر الجملة ب اربعة عشر بالمئة كما تبرع اصحاب معامل الطابوق بحوالي الخمسة ملايين طابوقة مجانا.
اخذت التبرعات تنهال على الجمعية واظهر بعض المحسنين رغبتهم بانشاء ردهة ذات ثلاثين سريرا على حساب كل واحد منهم. حيث تبرع كل من ناجي الخضيري ونوري فتاح باشا وعبد الهادي الدامرجي بستة الاف دينار وتبرعت مديرية السكك الحديدية العامة بمبلغ سبعة الاف دينار لانشاء ردهة خاصة لعمالها فيما تبرع كل من الحاج صبيح الخضيري والسيد عبد الرحمن رؤوف بخمسة الاف دينار لانشاء ردهة باسم المرحوم والديهما كما انشأ السيد عبد الحميد الدهان ردهة للاطفال المسلولين على حسابه الخاص تتكون من اثنين وثلاثين سريرا.وتم انجاز العمل واكمال المستشفى مع جميع ملحقاته خلال ثلاثة سنوات وتم افتتاحه في اوائل سنة 1951 بأسم مستشفى الامير عبد الآله للامراض الصدرية وعين له الاطباء من جراحين وغيرهم وكذلك الممرضات والممرضين والخدم والطباخين والموظفين الاداريين من كتبة ومحاسبين.
كان عدد المرضى كبيرا جدا لذا قررت ادارة المستشفى قبول المرضى حسب قدم تسجيلهم. واصبحت الضرورة ماسة لانشاء ردهات اضافية علاوة على الردهات العشرة التي تم افتتاحها . لذا تم انشاء ست ردهات اخرى كل ردهة تتسع لاربعة وثلاثين سريرا .. وبعدها تم انشاء سبع ردهات في وسط الحدائق. لتصبح المستشفى ذات اربعة وعشرين ردهة ويتسع لالف سرير .
الكلفة النهائية التي تحملتها الجمعية لانشاء هذه المستشفى مع جميع ملحقاتها كانت حوالي ثلاثمائة الف دينار وذلك بفضل اخلاص متعهد البناء والمساعدات والتسهيلات التي كان يقدمها التجار الذين تعاملت معهم الجمعية رغم ان الكلفة الحقيقية كانت تقدر باكثر من مليون ونصف مليون دينار عراقي .
مالية الجمعية والتبرعات التي تصلها لم تكن تكفي لادارة هذا المستشفى اضافة الى رواتب الاطباء والجراحين والموظفين و اطعام المرضى لذا تم ايجار المستشفى الى وزارة الصحة مع الاحتفاظ بملكيتها على ان تأخذ على نفسها جميع الاصلاحات والترميمات التي يحتاجها المستشفى من حين لاخر..
الفنانون من جانبهم قاموا بزيارة المرضى وذلك لرفع حالة المرضى المعنوية .. بل واصطحبوا ضيوفهم اليه .. حيث يبدو في احد الصور المرفقه قيام فاتنة بغداد .. قامت الفنانة عفيفة اسكندر بزيارة المستشفى مصطحبة ضيفتها الفنانة المصرية تحية كاريوكا وذلك عام 1957..
عن: مذكرات تحسين علي 1890 ــ1970