من نحن؟ وما هويتنا؟

من نحن؟ وما هويتنا؟

لطفية الدليمي
عن معضلة الهوية في القرن الحادي والعشرين، يطرح أمين معلوف في كتابه ( الهويات القاتلة ) سؤال الكينونة عبر تعدد الهويات في بلدان الهجرة او بلداننا ذاتها، هل الهوية هي ما نكونه في قرارة أنفسنا اي ما نرثه من انتماء قوي وعميق لمنطقة جغرافية وشعبها ولغتها وتاريخها؟

أم نحن -إضافة الى ذلك- نمثل مجموع ما اكتسبناه من تجربة العيش والثقافات والانتماء الى العصر والتحولات التي طرأت على شخصياتنا خلال عبورنا للأزمنة والأمكنة؟ نسأل انفسنا مرات من نحن؟ويسألنا آخرون من انتم؟ يقول أمين معلوف: - يجب ان يضطلع كل منا بتنوعه الخاص واعتبار هويته محصلة لانتماءاته العديدة بدلا من حصرها في انتماء واحد يرفعه الى مستوى الانتماء الأسمى، ويصبح أداة للاستعباد وأحيانا أداة للحرب (....) وعلى هذا النحو يجب على المجتمعات الاضطلاع بالانتماءات المتعددة التي صنعت هويتها، عبر التاريخ وكي يستطيع كل إنسان أن يتعرف إلى ذاته في صورة البلد الذي يعيش فيه مواطنا بكيان انساني متطور.. يشير أمين معلوف إلى أن حصر الهوية في موقف متحيز ومتعصب، متشدد ومهيمن، وحتى انتحاري في بعض الأحيان، غالبا ما يحول البشر الى قتلة أو أتباع قتلة، فتتشوه رؤيتهم للعالم وتنحرف، ويصبح الاستبداد وسيلتهم الوحيدة للتعامل مع الآخرين. في طرح أمين معلوف تبدو كلمة هوية مفردة مضللة، فهي توحي اولا بحق مشروع في الانتماء لجهة ما ثم تتحول الى أداة قتال، وهذا الانزياح الدلالي للمفردة يبدو طبيعيا، فينخدع به البعض ويقوم بشجب ظلم يمارس على اقلية ويدافع عن حقوق شعب يعاني ثم يتواطأ مع مجزرة ترتكب في حق اخرين.
يبدو لي ان هشاشة الفرد وعزلته إزاء التحولات المتسارعة في العالم الراهن وعدم قدرته على استيعاب المستجدات بسبب من تأطير وجوده ضمن محددات ومحظورات معينة او في مواجهة ما يعده مهددا لحياته يدفع به الى التشبث بجماعة او طائفة او حزب او عرق ينضوي تحت راياته ليواجه ما يعتبره عدائية العالم المحيط، وتنمو في أعماقه عقدة الضحية التي ستضخم له بمرور الوقت ضرورة المجابهة القتالية لأنه يحس بعجزه عن المشاركة في صنع الأحداث، وبالتالي يتعمق لديه الشعور بالتهميش ، ويعزل; مصيره عن المصير العام ويعجز عن المشاركة في المغامرة البشرية، مما يعزز تعصبه وعداءه لكل من حوله بدعوى الحفاظ على الهوية التي تحولت بالانغلاق الى اداة تدمير للذات والاخرين
. يتساءل امين معلوف: لماذا يبدومن الصعب جدا على المرء الاعتراف بجميع انتماءاته بحرية تامة؟ ولماذا يجب أن يترافق تأكيد الذات هذه مع إلغاء الآخرين في أغلب الأحيان؟لماذا تكون مجتمعاتنا عرضة للتوتر والعنف لأن أناسها لا ينتمون للديانة او الطائفة أو الثقافة ذاتها؟أهو قانون الطبيعة أم قانون التاريخ هو الذي يحكم على البشر بالتناحر باسم الهوية؟ يدرج أمين معلوف مقولة أساسيةللمؤرخ مارك بلوخ عن هشاشة الانتماء للماضي ولامنطقية مع تدفق التغير في حياتنا ، يقول بلوخ ( الرجال هم ابناء عصرهم اكثر من كونهم ابناء آبائهم ) هذه هي العلل في مجتمعاتنا التي لاتحيا حاضرها ولاترنو لمستقبل ,اذا عاشت حاضرها تداولته مستعبدا لاشباح الاسلاف وتقاليد الامس ، مجتمعنا المنهك شغوف حد الموت بالماضي وبتقليد الاباء والاجداد فيما اختطوا وفيما فعلوا دون مناقشة جدوى ذلك او علاقته بصنع المستقبل ، إن وجودنا في العصر يجعل المشتركات بيننا وبين اناس من شعوب اخرى اكثر مما يربطنا باسلافنا فالملبس والمأكل والعادات والمفاهيم وطرق العيش والتفكير انما هي مشتركة بين الناس راهنا ولاتقف الهويا ت عائقا دون ادراك هذه المشتركات.
يرى معلوف أن (الهوية يجب ان لاتعالج بالاضطهاد والتواطؤ بل يجب فهمها وتفحصها ودراستها وفهمها ثم السيطرة عليها وترويضها إذا اردنا ان لايتحول العالم إلى غابة واذا اردنا ان لايشبه المستقبل الماضي حتى لايعاني اطفالنا المجازر والمآسي بعد خمسين عاما ) ، ويختتم معلوف كتابه بهذا الأمل: أن يجد الانسان لغته الانتمائية وبعضا من رموز ثقافته الخاصة، وان يتماهى ولو قليلا مع مستجدات العالم المحيط بدلا من الالتجاء الى ماض يعتبره مثاليا ويركن اليه وحده، فيتقاطع مع سيرورة التحولات الانسانية والتراكم المعرفي ..