متابعة الاحتجاج
تعرض الناشط البارز حسين رحم، لاعتداء وطعنات في ساحة التحرير، وسط بغداد، من قبل عناصر تدعي الانتماء إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
وقال شقيق الناشط، حسن رحم، في تدوينة له، "تعرض أخي حسين رحم للاعتداء بالسكاكين في ساحة التحرير من قبل جهة سياسية معروفة"، مؤكداً "امتلاك أدلة تثبيت تحريض أفراد ينتمون إلى تلك الجهة" ضده وضد شقيقه. وأضاف رحم، "بيننا وبينكم القضاء والإعلام والسكاكين لن تثنيا"، موضحاً أن "شقيقه تعرض للضرب بالهروات أيضاً".
كما بين في تدوينة أخرى، أن من هاجموا شقيقه وطعنه كانوا يقولون إن الهجوم "هو ثأر لمقتدى الصدر"، مشدداً بالقول "الذي نعرفه أن المنازلة رجل لرجل، وليس مجموعة على شخص، وهذه ليس من شرف المعركة".
وتابع، "نضع مظلوميتنا أمام أعينكم، وأمام الأمم المتحدة ومرجعية النجف".
من جانبها، قالت صفحة "الخوة النظيفة"، إن "جهة التي سيطرت على الساحات مؤخراً هي المتورطة بالاعتداء على مراسلها حسين رحم".
وذكر فريق الصفحة في بيان، أن "مراسلها الناشط حسين رحم تعرض لهجومٍ بالسكاكين والأسلحة البيضاء والآلات الجارحة في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد من قبل مجموعة مسلحة عُرفت بسيطرتها على ساحة الإحتجاج مؤخراً". واستنكر فريق الصفحة البارزة، الهجوم ووصفه بـ "الفعل السافر والمشين"، محملاً الجهة المعنية مسؤولية حياة الناشط.
وشهدت الأسابيع القليلة الماضية هجمات مشابهة طالت ناشطين ومتظاهرين، وفوراً، توعد حساب صالح العراقي الناطق باسم الصدر، الجهات المعتدية بـ"العقاب".
وقال العراقي في رسالة وجهها إلى الناشط حسين رحم، "سلامتك.. وتبت تلك اليد التي اعتدت عليك.. والاعتداء ضدك لن يمر مهما كان الفاعل".
والتوأم حسن وحسين رحم (27 عاماً)، من المتظاهرين النشطين في نقل وقائع الاحتجاجات في بغداد ومحيطها، بالكلمة والصورة والفيديو، على مدى الشهور الأربعة الماضية، ويتابعهما عشرات الآلاف في مواقع التواصل الاجتماعي.
ولعب التطابق الشكلي بين حسن وحسين، بالإضافة لارتدائهما نفس الملابس في كثير من الأحيان، وتواجدهما المستمر في ساحات التظاهر، دوراً في لفت الأنظار إليهما والفضول لمعرفة المزيد عنهما.
يقول حسن "ولدنا في منطقة ريفية جداً جنوب مدينة الكوت مركز محافظة واسط، جنوب بغداد، وترعرعنا في بيئة زراعية ورعوية، حتى إنهاء المرحلة الثانوية".
وحين أصبح عمرهما 10 سنوات، فقدت العائلة الأب. لينشأ التوأم مع أختين هما إيمان وزينب في كنف الأم. وأتمّوا الدراسة الجامعية، متوزعين بين العلوم والطب والإعلام.
"الحياة لم تكن سهلة دوماً، عشنا ظروفاً صعبة، عانينا من الفقر الحاد، لكن من يملك الإصرار فإن السماء تكون معه والظروف المحيطة تذعن لرغبته" يقول حسن.
شغفهما بالمطالعة منذ الطفولة، دفعهما لإصدار جريدة مدرسية في الرابع الإعدادي، ما كان خارجاً عن المألوف بالنسبة للبيئة المحيطة. نجحت الجريدة ووصل صداها مديرية التربية في محافظة واسط، ووصل الأخوين شكرّ منها. "نحن توأم متطابق تماماً شكلياً وفكرياً حتى هوايتنا واهتماماتنا متشابهة، أحياناً أكتب شيئاً في تويتر أو فيسبوك، فيقول حسين (كنت سأنشره!)" يقول حسن، مضيفاً أنهما يميلان للمأكولات النباتية مثل "الدولمة والخبّاز والتمن" بالإضافة إلى "التشريب".
وفي جامعة واسط بمدينة الكوت، درس حسن علوم الكيمياء وحسين الطب. وبعد التخرج عمل حسين في مجاله كمساعد طبيب، فيما لم يجد حسن الفرصة المناسبة، ليقرر كل منهما الجري خلف الشغف الأساس: الصحافة والإعلام.
يقول حسن: "الانتقال من الريف للمدينة، أعطانا الفرصة لتقريبنا من أحلامنا وطموحاتنا. وفي العادة تشكل المدينة للريفي هذه الرغبة الجامحة للاستكشاف والمعرفة وسباق الزمن لتحقيق إنجازات عديدة والتفوق أيضاً على أبناء المدينة نفسها. وهو ما حدث معنا فعلاً".
شارع المتنبي.. البداية
إقامة التوأم في الكوت أثناء الدراسة، جعلتهما أقرب للعاصمة. يقول حسن "صرنا نزور بغداد كل جمعة تقريباً، وخصوصاً شارع المتنبي. ولخالي الشاعر أحمد عبدالحسين، معارف كثر من الأدباء والرسّامين والفنانين، ما أتاح لنا بناء علاقات جديدة ومتنوعة مع مجتمع المثقفين، ومن خلال هذا التواصل عملنا مع وكالة إخبارية، بالتالي زادت زياراتنا لبغداد".
يتابع حسن "فكرة أننا توأم متطابق وفي نفس الوقت نرتدي نفس الملابس، كان شيئاً محبباً بالنسبة لكل من يرانا، ما سهل علينا تشكيل علاقات واسعة مع الناس، ثم أصبحنا من مديري صفحة الخوة النظيفة ".
ما الذي ميّز هذه المرحلة؟ يقول حسن إن صفحة "الخوة النظيفة" في فيسبوك، انطلقت بالتزامن مع احتجاجات عام 2015، وشهد العام التالي 2016 دخول المحتجين للمنطقة الخضراء، وكانت صفحتنا الوحيدة التي نقلت الحدث مباشرة، خصوصاً أن القنوات العراقية بمجملها كانت تابعة للسلطة".
يتابع حسن: "في 2017 قمت مع حسين بتغطية عدد من المعارك في الموصل على أرضها، لصالح صفحة الخوة النظيفة".
مراسلان حربيّان
هذه التغطية كانت علامة فارقة في مسيرة التوأم العشريني، الذي طوّع التقنيات التكنولوجية البسيطة من أجل نقل الأحداث، ليس فقط للعراقيين بل للعالم، عبر شاشة دولية.
استخدم التوأم هاتفيهما في التصوير والمونتاج والبث المباشر من مواقع المعارك في الموصل بين القوات العراقية والتحالف الدولي من جهة وتنظيم داعش من جهة أخرى.
يقول حسن "لا سيارات بث ولا كاميرات خاصة، عدتّنا كانت الهاتف، نصوّر ونرسل مقاطع الفيديو للصفحة كما نصوّر مباشرة. وبسبب شهرتنا بعد شهر من التغطية، تواصلت معنا قناة NRT لنعمل معها، وغطينا المعارك بشكل مهني وكنت عن طريق التلفون أيضاً أحدثهم عبر تطبيق (سكايب) للبث المباشر وأرسل لهم الفيديوهات عبر تطبيق (تلغرام) بعد التصوير والمونتاج على الهاتف".
أصبح التوأم مراسلين حربيين، وكانا "أول من صوّر دخول جامع النوري" وفق حسن. وهذا الجامع الأكثر شهرة من بين الأماكن المرتبطة بالتنظيم، حيث أعلن منه أبو بكر البغدادي، انطلاق "الخلافة"، التي أعقبها زيادة هجمات التنظيم وتوسّع سيطرته في العراق.
يضيف حسن " انتهينا من الموصل ثم انتقلنا للتغطية في تلعفر والحويجة وقائم. أحبّنا أهالي الموصل، خصوصا أننا نقلنا الأحداث من دون أحكام مسبقة بشكل مهني حيث كانت هناك فكرة سلبية منتشرة عنهم. نقلنا الأحداث بصوتهم، محاولين إيصاله لباقي العراقيين والعالم".
ويتابع القول "عُدنا إلى بغداد. نزعنا الدروع الواقية من الرصاص، وانضممنا مجدداً للحراك الشبابي والثقافي في شارع المتنبي، ندعو للديمقراطية والسلم الأهلي".
شارك التوأم حسن وحسين بالاحتجاجات جنوبي العراق 2018، التي انطلقت من البصرة، مطالبين بتحسين الخدمات.
وفي أول تشرين الاول عام 2019، مع انطلاق الموجة الأولى من التظاهرات في ساحة التحرير ببغداد، شاركا كمتظاهرين.
يقول حسن "أكثر من 130 يوماً في الثورة، شهدنا الخطف والترويع وشيّعنا أصدقاءنا من المتظاهرين. كنّا شاهدين على الترويع والقتل بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، وعلى قمع السلطة".
ومطالبهما "نريد وطناً ذا سيادة وغير محكوم بالتدخلات الخارجية سواء من إيران أو أميركا. نريد دولة مدنية ليبرالية. أريد عراقاً حراً سيد نفسه يحكمه أبناؤه وخالياً من السلاح المنفلت، ودستوره وقوانينه تحمي حرية الاعتقاد ما لم يضر بالسلم الأهلي" يقول حسن.
ويوضح "يجب أن تحفظ القوانين حرية الاعتقاد للدينيين واللادينيين على حد سواء، فالدين حالة شخصية وفردية والمتدين ليس قيّماً بدينه على المجتمع كاملاً إنما على نفسه".
يقول حسن "نتعرض للتهديد بشكل يومي، وهو ما تعرض له غالبية النشطاء، ولاقى منهم حتفهم أو تم اعتقالهم".
ويضيف "الآن، بعد مرور أشهر من ثورة حافظت على سلميتها رغم كل شيء، لم نعد خائفين، فإن قتلوا حسن أو حسين سيخرج ألف غيرنا. رأيت شباباً لا يخشون شيئاً، ومن صمد هذه المدة دون الانجرار وراء العنف سيحقق الكثير لاحقاً".
ويأمل حسن في أن تؤتي "الثورة" نتائجها ولكن ليس الآن، قائلاً "نحن وكل المتظاهرين الآن وقود لمرحلة مستقلبية، فمن سيشهد وطناً حراً ليببرالياً هم أطفالنا. والأهم أن الكثير من الخوف والمخاوف ذهبت، فالعراقيون اليوم ليسوا أنفسهم قبل أكتوبر".
وعن قلق العائلة عليهما بسبب كل آليات القمع والتهديد التي يشهدها النشطاء في التظاهرات، يقول حسن "أمي نوعاً ما تعودّت، فتغطية معارك الموصل كانت تجعلها في حالة قلق دائم على حياتنا، والآن أهلي يحاولون قدر الإمكان بألا ترى الأخبار كي لا يتجدد خوفها، خصوصاً أنهم ما زالوا مقيمين في قريتنا".
ما الحلم الكبير للتوأم؟ يقول حسن "نحلم بأن نصبح ذا تأثير قوي وإيجابي في الصالح العام العراقي وندافع عن حريات الشعوب