إرنستو كاردينال شاعر نيكاراجوا الوثائقي

إرنستو كاردينال شاعر نيكاراجوا الوثائقي

إعداد وترجمة: أحمد مرسي
إرنستو كاردينال لا أدري ما الذي ذكرني بالشاعر النيكاراجوي إرنستو كاردينال علي أثر تسليط الأضواء على دانييل أورتيجا بعد فوزه في انتخابات الرئاسة مؤخرا. فقد تذكرت أني ترجمت له قصيدة نشرت في مجلة الأقلام العراقية في عدد ابريل 1980،

وبرغم أني في كثير من الأحيان أفضل أن اشتري كتابا ما أحتاج إلي الرجوع إليه في أقرب وقت ممكن، مع تأكدي أن هذا الكتاب قد اشتريته من قبل وهو موجود في مكتبي إلا أنني أعلم علم اليقين أن شراء نسخة ثانية من أي مكتبة قريبة أسهل من العثور عليه بين كتبي المرصوصة والمكدسة بلا ضابط أو رابط.ولأني لا أحتفظ بالمجلات وأكتفي بالاحتفاظ بمخطوطاتي أو نصي المنشور وخاصة في عصر ما قبل الفاكس، عثرت بمحض الصدفة علي الصفحات المنتزعة من المجلة، وقد اكتشفت دهشتي أني لم أترجم القصيدة بأكملها، ويبدو أن مارتن بول، المترجم الأمريكي، لم يترجم القصيدة كاملة. وبعد قراءة الجزء المترجم، شعرت برغبة في أن أعود إلي القصيدة الكاملة لأعيد قراءتها. ولحسن الحظ، كانت ابنتي تحتفظ بمجموعته (ساعة الصفر وقصائد وثائقية أخرى) في مكتبتها المنظمة منهجيا. وفي الحال، شرعت في ترجمة نصف القصيدة الأول الذي لم أترجمه لكي تنشر القصيدة كاملة.

إن إرنستو كاردينال، القس القديم والمتصوف، يعتبر واحدا من أهم شعراء جيله في أمريكا اللاتينية. وقد ولد في جرانادا 'غرناطة' بنيكاراجوا في .1925 ودرس في ليون وماناجوا ومدينة المكسيك ونيويورك بالولايات المتحدة. وبعد حصوله علي ليسانس الفلسفة في جامعة كولومبيا، نيويورك في 1949 عاد الي نيكاراجوا حيث مر في السنوات القليلة التالية بتحولين عميقين.
في 1954 تمرد كاردنيال علي مجرد الاحتجاج الشعري الذي كانت تفوح به قصائده، واشترك في محاولة لإسقاط حكم سوموزا الديكتاتوري. وقد اكتشفت الخطة عن طريق الخيانة. ولكن كاردينال تمكن من الهرب فتفادي بذلك مصير العديد ممن ألقي القبض عليهم وتعرضوا لعمليات التعذيب الوحشي والقتل في النهاية علي أيدي زبانية سوموزا. وفي عام 1956، عندما قتل سوموزا علي يدي شاعر، كما أتم إرنستو كاردينال قصيدته 'ساعة الصفر' مر الشاعر بأزمة روحية عميقة غيرت حياته. فقد نبذ الكاردينال العنف الثوري، وأعلن التزامه الدراسة للانخراط في سلك الكهنوت. وقد رسم بعد مرور 9 سنوات في ماناجوا، ولم يمض وقت طويل حتى نزح كاردينال إلي ملاذه الدائم بجزيرة في أرخبل سولينتينامي، علي بحيرة نيكاراجوا الكبرى.
وبرغم اعتراف كاردينال بتأثره ببعض الشعراء الأمريكيين، وبصفة خاصة ازراباوند، إلا أن الاختلاف بين شعره والشعر الأمريكي الحديث بصفة عامة، جد بين وجوهري، وكما يستدل من قصيدته 'ساعة الصفر'، يحاول ارنستو كاردينال دائما أن يكون واضحا ومفهوما. ومع ذلك فقد أخذ عن ازراباوند التكنيك الشعري، كما تعلم منه كرهه الشديد لشرور الرأسمالية.
وتشمل أعمال كاردينال: جوامع الكلم '1971'جيشيماني '1965' و 'صلاة إلي مارلين مونرو' '1966'، و'زامير' '1969'، و'الحب في الحياة' '1970' و'تحية إلي الهنود الأمريكيين' '1974'، و'في كوبا' '1974'.
إرنستو كاردينال يقول الناقد الانجليزي روبرت برينج ¬ ميل، الذي تربطه بالشاعر صداقة عمل وثيقة 'إن شعر إرنستو كاردينال يفضح زيف ويوثق ويسوي خلافات الواقع، ومبادؤه الجمالية أخلاقية بجلاء، ومعظم قصائده أكثر من مجرد قصائد دينية ب 'شكل غامض' ويعقد الناقد مقارنة بين 'الفيلم الوثائقي' كنوع خاص من أشكال الفن، وقصائد كاردينال الذي اعتبرها 'قصائد وثائقية'، وبصفة خاصة قصائد مجموعته 'ساعة الصفر' برغم أنه استبعد فكرة أو احتمال أن يكون كاردينال قد استلهم أسلوبه من السينما الوثائقية بشكل مباشر.
لكن استخدم في أعمال أخري من بينها علي سبيل المثال، 'أبوكاليبس وقصائد أخري' '1977' تشكيلة واسعة من الأساليب تراوحت في الطول بين الابجرامات الصقيلة والقصائد الطويلة المستلهمة من الثقافات الأمريهندية الفطرية مع استعمال كثير لتقنيات 'الكولاج الباوندي' والمجملة النابضة بالحياة. لكن جميع نصوص 'ساعة الصفر وقصائد وثائقية أخري' الثمانية ترمي إلي أن 'توثق' الواقع و'تحرره' بطريقة بصرية دياليكية أكثر، مصورا الأشياء والناس والأحداث في ضوء التزام اجتماعي¬ سياسي 'سوشيوبوليتيك' جلي، مع اختيار وتشكيل وفرض انساق تفسيرية عن العالم، باستخدام ليبرالي لتقنيات المونتاج السينمائي، أو الإطارات السينمائية، والسعي الي 'عتق الواقع الفيزيقي' عن طريق أعادتنا الي التواصل مع خشونته وجماله، ويستطيع الشعراء والكاميرات أن يؤثروا علي ما يسجلونه، لكن بينما تتحكم الكاميرات في 'الوضع المستمر' يرمي تسجيل كاردينال للحاضر أو الماضي إلي المساعدة في تشكيل المستقبل ¬ مشركا القارئ في العملية الشعرية من أجل حفزه علي التزام سياسي كامل، ومن ثم تبني تحويل ترجمة أكثر رؤى الشاعر نبوءة إلي حقيقة اجتماعية ¬ سياسية.
ويؤكد الناقد علي أن بطاقة 'القصائد الوثائقية' هي بطاقته وليست بطاقة الشاعر، لكن كاردينال فيما يبدو سعد بها عندما نحتها في 1972 لكي يبرز السمات المميزة 'لساعة الصفر' التي كتبها في المدة من 1954 ¬ 1956، و'أنشودة نيكاراجوية' '1970 ¬ 1972' و'رحلة إلي نيويورك' '1973' وقصائد أخري، ومع تأكيده علي البعد الوثائقي في قصائد معينة يحرص روبرت بينج ¬ ميل علي توضيح ان الشاعر لم يعن بتوثيق وفهم الواقع فحسب، لكنه عني أيضا بالمساعدة في تغيير هذا الواقع ¬ ولهذا سميت هذه القصائد 'شعر النبوءة المجدية' 'لكن البيانات ينبغي أن تسجل قبل أن يكون في الوسع إعادة صياغة الواقع، وأن إعادة الصياغة تكمن فيما وراء القصائد نفسها: إن التغييرات التي يتوق إليها الشاعر تكمن في المستقبل'.
عن: أخبار الأدب