المرأة في أغاني انتفاضة تشرين.. ثائرة ومسعفة ومهدِدة لعروش الفساد

المرأة في أغاني انتفاضة تشرين.. ثائرة ومسعفة ومهدِدة لعروش الفساد

 رحمة حجة
رافقت عشرات الأعمال الغنائية التظاهرات العراقية منذ بدايتها في تشرين الأول الماضي، وتنوعت موضوعاتها حسب تطوّر الأحداث، ولا تزال موضوعاتها تتجدّد مع استمرار التظاهرات.

وتمحورت أغاني الأسبوع الأول من تشين الأول 2019، بين التعبير عن الأسى والحزن الذي يعيشه العراقي، لحناً وكلمات، ومطالب المتظاهرين البسيطة، الذين تعرضّوا للقتل جرّاء خروجهم لأجلها، مثل أغنية "العراق النا" لحسام الرسّام و"راجع آخذ حقي" لرحمة رياض.
وقبيل انتهاء الموجة الأولى، في 5 تشرين الأول، كانت أولى الأغاني الحماسية التي تتغنّى بالعراق ورجاله وشيوخ العشائر و"ثورة العشرين"، وهي "عراق الهيبة" لمحمد السالم وأحمد السّلطان.
وبعد إعلان المتظاهرين تجديد التظاهر والاعتصام يوم 25 تشرين الأول، برزت أغانٍ حماسيّة أخرى، قبل وبعد هذا التاريخ، مثلت الحماسة بموسيقاها وكلماتها، مثل أغنية "احنا البيكيسي" لجلال الزين وغزوان الفهد.
وراجت أغاني الراب، بكلماتها الجريئة والمضادة للسلطة والفساد والقمع المستمر للمتظاهرين، وتسليط الضوء على التبعيّة السياسية لإيران.
وفي هذه المرحلة أيضاً، لفت تفاني سائقي التكتك في خدمة المتظاهرين، العراقيين في الداخل ودول المهجر، إذ كان لهم دور بارز في إنقاذ الجرحى والمصابين ونقلهم للمستشفيات، أو نقل المتظاهرين مجاناً بين ساحات الاعتصام ومن شارع إلى آخر، للمشاركة في التظاهرات، ليصبحوا الثيمة الرئيسة للعديد من الأغاني.
وفي 27 تشرين الأول، أي بعد يومين من بدء الموجة الثانية، كانت أغنية "اليوم الكذله اتسولف خلي عكالك للدكات" للمنشد أحمد الشمري، أغنيته على نمط "هوسة".
وعنوان الأغنية الذي يردده الشمري، كان من أول الشعارات والأهازيج في ساحات التظاهر.
ومثلت أغنيته إعلاناً غير مباشر، لانتقال ثيمة المرأة من الصور والمشاهد المختارة في الفيديو، إلى الكلمات.
وإن كانت رحمة رياض أول صوت نسائي غنّى للتظاهرات، رأينا نساء أخريات يغنّين، منهن إسراء الأصيل (10 تشرين الأول 2019) وأغنيتها "سلاماً على العراق"، التي أخذت طابع اللطميات، وجوان حسين (7 تشرين الثاني 2019) في أغنيتها "يا كاع ترابك كافوري"، التي اقتبستها من أغنية قديمة من زمن النظام البعثي ظهرت في الحرب الإيرانية العراقية، مع تغيير في الكلمات يناسب ما يجري في التظاهرات.
والأغاني الثلاث المذكورة، كان موضوعها الحالة العامة للتظاهرات من دون ذكر للمشاركة النسائية.
بينما الصوت النسائي الوحيد -ربّما- من قلب التظاهرات، كان للشابة غيد (16 كانون الأول 2019)، التي غنّت بأسلوب قريب من الرّاب "أنت وين" من أعلى مبنى المطعم التركي قرب ساحة التحرير.
وأبرزت غيد عبر ظهورها، المشاركة النسوية، والتكلم بصيغة الـ"أنا وأنتَ"، وذكرت اسمي امرأتين قتلتا في التظاهرات كما تطرقت للأرامل (نتيجة الحروب) والسبايا (داعش)، باعتبار أن التظاهرات "ثورة ضد كل شيء".
وفي 31 تشرين الأول كانت أول أغنية عراقية خاصّة بالمشاركة النسوية، إلا أنها لم تحظَ برواج كبير مقارنة بغيرها من أغاني التظاهرات.
اسم الأغنية "رفعة راس" لحازم فارس. وأعرب كاتبها صفاء فارس، عن مشاعر الفخر والاعتزاز بمشاركة المرأة، من مختلف المدن وأساليب المشاركة من خلال الكلمات والمشاهد المختارة من ساحات التظاهرات، التي عكست التنوع الثقافي والاجتماعي والفئات العمرية للنساء المشاركات.
من كلماتها: "حيّالله امهاتي رفعة الرّاس.. عنوان الفخر النا وانتو نوماس (مرادفة للفخر والنخوة).. هلهلن خواتي وشدّن الرّاس.. نذرن للوطن يبقون حرّاس.. شمعة للوطن خواتي نبراس.. إيد بإيد مثل أذان وقدّاس.. ويّا اخوانهن حد قطع الانفاس.. غيرتهن أصيلة تحشّم الناس".
وفي هذه الكلمات جميعها توصيف للشراكة والمساواة بين المرأة والرجل في ساحات التظاهر، واكتفى الكاتب بالتعبير عن قوة المرأة النابعة من ذاتها دون الاستناد إلى مقارنتها بالرجال.

"عنصر أساس في الحياة والثورة"
الأغنية التي تلتها وحازت شهرة كبيبرة، كتبها وغنّاها أمير شامي (30 كانون الاول 2019)، اسمها "آلبو أكتوبر"، تناول فيها مشاركة المرأة من الميدان مشهدياً.
فيما كانت الكلمات "بنت اكتوبر حياج.. يالهزتهم عيناج إنتي ثورة مو عورة ثوري ويانا وكلنا وياج.. يا حلوة انتي بكد بغداد نظرات عيونج حرية لاهلج لكن للحكام نظرات عيونج قمعية".
يقول أمير الشامي: "كتبت عن المرأة في الأغنيتين، لأنها عنصر أساس في هذه الثورة وفي الحياة كلها، ولا أعتقد أنني وفيتها حقها، وكما يقول الشاعر الكبير كريم العراقي (من نحن من غير النساء؟)".
وكمؤلف أغانٍ ومغنٍ، لا يرى الشامي أن هناك تغييراً حول تناول دور المرأة في بناء المجتمع إلى جانب الرجل بين "قبل وبعد ثورة أكتوبر"، مضيفاً "وشخصياً لم تتغيّر نظرتي نحوها، لكن البعض من أفراد المجتمع بدأوا يدركون أن المرأة ليست كائناً مختلفاً عن الرجل وتستحق العيش".
وبالاطلاع على أغانٍ عراقية وطنيّة سابقة، في مراحل شهدت تغيرات سياسية حادّة في العراق: قبل 2003 (زمن النظام البعثي)، وبعد 2003- فترة الحرب مع الولايات المتحدة، وبعد 2003- الحرب الطائفية، وبعد 2013- الحرب مع داعش"، كانت عدة ملاحظات.

"الرجولة ليست معيار شجاعة"
"بنت بلادي يا حرّة.. يا كحل بعينچ چواهم.. يا قدسية هاي الثورة زلزتي الكاع الـ جواهم.. يا نظرة الـ بعينچ تجدح (تقدح شرارة) نزلتي رجولتهم سالب.. لو ردنا نعدد وكفاتچ حطّيح من الزلم (الرجال) شوارب".
مقطع من أغنية "كفو" (27 شباط) وهي أحدث إصدارات الرابر العراقي أنهَر، يتغنّى فيه بشجاعة المرأة في التظاهرات.
وليست الكلمات نصيرة فقط، حيث ظهرت الشابات إلى جانب الشبّان في العمل المصوّر بمشهديّة حماسية تؤكد الثنائية والمساواة في المشهد الثوري العام.
وهذه الأغنية هي الوحيدة المصورة على أرض التظاهر في العراق بين الثمانية، كتب عنها في يوتيوب "طبعاً ميحتاج اكوللكم شكد تعبنا عالعمل هذا بالذات حتى يكون عراقي بحت من توزيع و إخراج وتصوير حتى يطلعلنا بهذي الصورة. طبعاً الأغلبية اتابعني لكن العمل كان بالأساس لكل الشباب الي اشتغلو عليه واني كنت جزء صغير من هذا العمل الكبير".
وقدّم الشاب العشريني المندائي، منذ أكتوبر الماضي، ثماني أغاني راب، يدعم فيها أبناء بلده في نضالهم من أجل التغيير، وهو الذي خرج طفلاً من العراقي ويعيش حالياً في السويد.
يقول أنهَر: "حين أرى السويديات يتمتعن بحقوقهن كاملة هنا، أشعر بالقهر على النساء العراقيات، اللواتي يفتقدن أبسط الحقوق، ويتعرضن للتعنيف بأشكال متعددة، أقساها القتل على خلفية ما يسمى جرائم الشرف".
ويستنكر المديح المتكرر للمرأة على أنها "بـ100 رجل" مضيفاً "الرجولة ليست معياراً للشجاعة، فالمرأة قويّة باسمها وأفعالها، لا بإسناد شجاعتها لرجل".
ويرى أنهَر أن "الرجال في المجتمع الشرقي يخشون المرأة القوية، وحين تفكر وتتظاهر وتطالب بحقها يخافونها أكثر، وهو ما أردت إيصاله من المقطع الخاص بها في الأغنية، إنها حقيقة".
ويتابع القول: "المرأة العراقية صبرت وتحملت كثيراً على الرغم من الظلم الذي تتعرّض له يومياً، حيث ذاقت مختلف أشكال التعنيف والسخرية والكلام البذيء، وهي قوية جداً لتستمر بعد كل ذلك، ففي مجتمعات أخرى تنتحر العديد من النساء إذا واجهن نظير ذلك".
ويعتقد أنهر أن الأغاني تسهم في تشكيل الوعي، لذلك يسعى عبر أغانيه لاستخدام كلمات بسيطة "يمكنها الوصول بسهولة للفئة العمرية بين 12 و16، وحتى لو لم يفهم أفكار الثورة وحب الوطن ورفض الظلم والفخر بالمرأة الآ،، إلا أنه يرددها ال، وتبقى في وعيه حين يكبر".

نساء ورجال: هذا رأينا في الأغاني
تقول الشابة رئم الغازي، التي شاركت منذ أول تشرين الاول في التظاهرات، لـ"الاحتجاج": "في الأغاني الوطنية كانت المرأة العراقية حاضرة بصورة فعّالة وصارت وسام فخر واعتزاز، بعكس السابق، خصوصاً أن المجتمع العراقي هو مجتمع محافظ لا يرضى لبناته التواجد بهذه الطريقة؛ خوفاً من التعرض للانتقادات، باعتباره منافياً للأعراف".
وتضيف أن "وجود المرأة العراقية بهذا الشكل وتشجيع المجتمع، هذا وحده بمثابة إنجاز كبير، ويسعدني رؤية هذا الحضور في الأغاني".
ومن بغداد، تقول نسرين (19 عاماً): "كفتاة يافعة مثلي، أرى بهذه الطريقة الغنائية في ظل بيئة ذكورية مُحدِدة لواجبات المرأة، أهمية كبيرة وتشجيعاً فعّالاً لصدّ بعض الأفكار الرجعية التي تُحدد إمكانيات المرأة".
وتضيف أن الحضور النسائي في الأغاني بالكلمة والصورة، يشجّع العراقيات للخروج جنباً إلى جنب مع الرجل، وإتمام ما عليهن من التزامات ومسؤولية مُحتمّة للوطن، على حد تعبيرها.
في ذات السياق، يعبر أمير عن فرحه بتسليط الضوء على المشاركة النسوية في أغاني التظاهرات، قائلاً "هذا يشجع بقيّة الفتيات اللواتي يخشين من المجتمع الذكوري، بسبب نظرة نمطية سيئة عن الاختلاط، وفي ذات الوقت تتيح للأهالي إدراك أن بناتهم على قدر المسؤولية ويعتمدن على أنفسهن باتخاذ القرار".
"وجود النساء في المظاهرات دليل على وجود الأمان، وحضورهن في الأغاني الثورية دليلٌ على قوتهن ووعيهن وتحررهن واهتمامهن بالبلد" يقول الشاب أحمد لـ"الاحتجاج".
من جانبها، تقول رقيّة "أنا فخورة جداً لأننا استطعنا المشاركة في هذه الثورة، لكنّ مآخذي على الأغاني تطرّقها لجمال المرأة كثيراً، كأنهم يرون المرأة مجرد شكل جميل في جميع الظروف".
"الأغاني التي صُوّرت عن الثورة ومشاركة المرأة، أظهرتها قوية، وأبرزت تواجدها القوي في ثورة تشرين" تقول الناشطة في التظاهرات صفاء داود، مضيفةً "هذه الأغاني أسعدتني وأنا فخورة بالأصدقاء الذين عملوا على أن إظهار بنات الثورة بأجمل صورة".
الناشطة في الحركة الطلابية المساندة للتظاهرات، مرح، تقول عن هذه الأغاني "العديد استخدم في أغانيه المصورة مشاهد حقيقية لمشاركة المرأة في الثورة، وهذا دليلٌ على واقعية تواجدها".
تضيف مرح "كان من المنصف و المشرّف لنا أن نسمع الرجال يتغنون بمواقفنا الداعمة للثورة".
ويقول مظفّر "تعني الأغاني لي أن الجيل الجديد تحرّر من قيود الموروث و عقدة النقص تجاه المرأة، وأن صنم المتدينين المتطرّفين سقط"، فيما يرى أودين أن هذه الأغاني تفرحه فهي "بشرى خير".
من جهته، يقول كاظم عطوان "شيء جيد أن تأخذ المرأة مساحتها، والموضوع أكبر من مجرد حرية أو حق، بل إن أي فكرة أو رأي أو خيار يبقى ناقصاً دون الاتفاق عليه من الجانبين، مثلاً عندما يختار الرجل شيئاً، يختاره بعقل ذكر، ويلائم الذكور فقط، وكذلك المرأة، لكن عندما يختار رجل وامرأة شيئاً، يكون متكاملاً ويلائم الجميع".
والغالبية العظمى من آراء النشطاء التي وصلتنا عبر "تويتر" إيجابية تجاه الأغاني المذكورة، فهذا أنس يقول "أنا بطبعي عابس الوجه، لكن حين أشاهد أي شيء يتعلق بالنساء المتظاهرات ، كهذه الأغاني مثلاً، أبتسم لا إرادياً، وهو ما يحدث تماماً حين أرى أمّي".
رأينا تغيّر بعد "الثورة" .

يقول سجّاد إن نظرته للمرأة تغيّرت "180 درجة بعد الثورة".
ويوضح "أنا واحد من الناس الذين كانوا يرون المرأة عورة، وأن اجتماع أي امرأة مع رجل سيكون غير مناسب (الشيطان بينهما)، لكن بعد أن رأيت أعمالهن التي لم نستطع نحن فعلها هالله هالله ورأيت أسلوبهن معنا في التظاهرات، أدركت أن حقهن مثل حقنا وحدودهن نفسها حدودنا".
ويعزو سجّاد نظرته السابقة للمرأة إلى "التفكير الذي زرعه الأهل وأغلبية رجال الدين في عقولهم (الذكور)، فكان تفكيرنا محصوراً، لكنّ الثورة جعلتنا نتخلص من جهلنا".
أمير حسن تغيّرت نظرته أيضاً، يقول لـ"الاحتجاج": "أشعر بالفخر حين أراها في الأغاني، وتعاملي اختلف مع النساء بعد أن شهدت وقفتهن في الثورة، لم أعد أنتقدهن أو أجرحهن كالسابق، حتى أنني أرفض أن يقوم أي شخص بذلك، ومهما قالوا عنهن، يبقين شامخات"