يوميات ساحة التحرير..مكتبة التحرير.. حياة جديدة في ظل الاحتجاجات

يوميات ساحة التحرير..مكتبة التحرير.. حياة جديدة في ظل الاحتجاجات

 متابعة الاحتجاج
قبالة ساحة التحرير وسط بغداد، وفي بداية شارع السعدون، أُنشئت مكتبة التحرير، في أوائل سبعينيات القرن الماضي، بعدما كانت كشكا (سرادقا) صغيرا على قارعة الطريق، تأسس بمنتصف الستينيات، لصاحبها بناي جار الله.

شكلت المكتبة مع مجموعة أخرى من المكتبات العريقة أهم مصادر الثقافة العراقية، حيث أثرت المكتباتِ المحليةَ بالكثير من العناوين المهمة من شتى البلدان، كما تعتبر أحد أهم مراجع الأدباء والمثقفين، وأسهمت بشكل مباشر بعملية تطور العراق، خصوصا في فترة السبعينيات، تلك الحقبة التي سميت بـ "الجيل الذهبي"، لما حفلت به من إنجازات ثقافية وفنية وإبداعية.
لم تقتصر المكتبة على ذلك النجاح بل كان لها شأن أكبر، حيث بدأت بتصدير منشوراتها لعديد من الدول المجاورة، ومن أهمها روايات "الوعد" لدانيل ستيل، و"أكتاف غضة" لجون وين، و"الساعة الخامسة والعشرون" لقسطنطين جورجيو، التي كان لها تأثير إيجابي كبير في حينها، ورواية "ألف ليلة وليلة" الشهيرة التي أصدرت عن طبعة بولاق غير المنقحة، وفي الجانب الديني كتاب دلائل الخيرات للجزولي (ت: 870هـ)، والرحمة في الطب والحكمة للسيوطي (ت: 911هـ)، وفي الجانب السياسي كتاب الأمير لميكافيلي، وكفاحي لهتلر.
وعلى الرغم من أن صاحبها بناي جار الله لم يكمل دراسته، فإن شغفه أهّله أن يكون أحد مؤسسي اتحاد ناشري العراق في التسعينيات حتى انتُخب أول رئيس له، إلا أنه قد تنازل عن المنصب لرفيقه عبد الرحمن حياوي صاحب مكتبة النهضة العريقة احتراما لكبر سنه، على حد قول وريثه سام بناي. ويضيف في حديثه، أن المكتبة لم تكن مصادفة فهي نتاج واقع اجتماعي متكامل كان يشهده العراق من تقدم اقتصادي وأمني، خلق بيئة مناسبة لارتقاء ثورة الكتاب في الوسط الشعبي لذا من الطبيعي أن يكون للمكتبات شأن كبير.

قِبلة ثقافية
تحتوي المكتبة على قرابة 15 ألف كتاب، منها نسخ نادرة وتاريخية مثل نسخة مذكرات لودندورف التي تعود طبعتها إلى عام 1923.
أصبحت المكتبة قبلة ثقافية حتى على مستوى شخصيات عربية رفيعة المستوى، ومن أهم روادها الشاعر نزار قباني والروائي يوسف الصائغ والممثل التراجيدي طعمة التميمي، ومن مفارقاتها أن عادل عبد المهدي رئيس وزراء العراق المستقيل أحد أسباب عودتها إلى الواجهة وأحد روادها أيضا. استمرت المكتبة مع نظيراتها أحد مشاهد الثقافة حتى مطلع عام 2000، إلا أنه بعد الحرب الأميركية العراقية في عام 2003 تراجعت حركة المكتبات حتى باتت شبه مهجورة لا يعرفها سوى روادها القدامى، بسبب تراجع الحركة الفكرية وانحسار الثقافة بفعل انعدام الأمن والتدهور الاقتصادي الذي خلفه التغير في النظام السياسي.
وفيما يتعلق بسبب تراجع المكتبة تقول الكاتبة الروائية إرادة الجبوري، إن للإنترنت أثرا كبيرا في ذلك لكن ليس هذا السبب وحده، فبعد 2003 ومع التطور لم تظهر مؤسسات داعمة للكُتّاب.
وتضيف الجبوري أستاذة كلية الإعلام في جامعة بغداد أن المكاتب وحتى دور النشر والمؤلفين لا يواكبون عمليات التسويق الحديثة، بل إنهم بقوا متمسكين بطرقهم الكلاسيكية، مما خلق فجوة بين الجيلين السابق والحالي في طريقة تلقي الكتاب، حيث كان الجيل السابق باحثا خلف الكتاب أما الآن قد اختلف الأمر.
عادت المكتبة إلى الواجهة من جديد بعد اندلاع احتجاجات الـ 25 من أكتوبر/تشرين الأول من خلال تنظيم ندوات ثقافية، سلطت الضوء بشكل كبير حول ضرورة الاهتمام بالإثراء الثقافي للفرد وأسهمت بانتشار اسم المكتبة بين الشباب وإعادة الحياة إليها. وفي هذا الجانب، أوضحت الجبوري للجزيرة أن موقع المكتبة المثالي بين نصب عبد المحسن السعدون وساحة التحرير أسهم بشكل كبير في عودة الروح إلى المكتبة، كون الشارع الذي تقع فيه أصبح شبه تجمع خاص بالمثقفين.
ولفتت إلى أن الاحتجاجات أتاحت الفرصة أمام القراء من الشباب بالتعرف أكثر إلى الكتاب، كون المكتبة أصبحت أقرب شيء إليهم، وبحكم أن أصحابها يتمتعون بعلاقات واسعة، خلقت فرصة أمام كل من يصدر شيئا جديدا حول الثورة، بأن يضعه في المكتبة ما جعل منها شبه ملتقى.
وفي السياق ذاته، يقول المتظاهر والشاعر علي مقداد "إن المكتبة لم تغب عن الجيل السابق ولكن جيلنا قد نضج على نظام سياسي لم يتحْ لنا التعرف إلا على الفساد والقتل، فلم يكن لنا نصيب منها، لكن بعد مخرجات ثورتنا التي كان للمكتبة نصيب منها، قد ثبت أن المشكلة سياسية وليست مجتمعية وأن الوعي قائدها".