يوميات ساحة التحرير..نساء ينشرن الخير والصمود بين المتظاهرين

يوميات ساحة التحرير..نساء ينشرن الخير والصمود بين المتظاهرين

 متابعة الاحتجاج
على رغم عنف القوات الامنية ورصاص قوات الشغب، وتحريض بعض الجماعات المسلحة، وعمليات الخطف والقتل إلا أن ذلك لم يمنع النساء من التظاهر والتواجد في ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، وبعد مرور اكثر من خمسة اشهر، نجد هناك قصصا عن نساء ساهمن بشكل كبير في دعم الاحتجاجات.

شيماء طبيبة في إحدى المفارز الطبية في ساحة التحرير تكرس وقتها وجهدها لخدمة المتظاهرين، فتسعف المصابين وتقدم لهم ما تيسّر من أجل البقاء والصمود، من الطعام والشراب والدواء، إضافة إلى الدعم والتشجيع المعنوي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها شخصية اجتماعية معروفة في الشارع العراقي.
وعلى رغم التهديدات التي تعرضت لها شيماء إلا أنها صامدة في ساحات التظاهر حتى الآن، تقول: "إصراري على البقاء في الشارع مع المتظاهرين لا يأتي من كوني مواطنة ناشطة أو متظاهرة فقط، إنما بصفتي طبيبة عراقية تؤدي واجبها تجاه أبناء بلدها فالطب مهنة إنسانية تسمو فوق كل شيء".
قرب جسر الجمهورية عند شارع أبو نواس على ضفاف نهر دجلة سقط المتظاهر ذو الـ16 عاماً مصاباً بقنبلة مسيلة للدموع في رأسهِ، سارعت المسعفة الجوالة إسراء إلى إنقاذه، حملتهُ ووضعتهُ في حضنها محاولةً إسعافه وهي تتوسلهُ: "أرجوك لا تمت سأنقذك"، فيبدد خوفها ردّ فعله وعدم خشيته من الموت، ثم يفارق الحياة بين أحضانها، تلك اللحظات كانت وقوداً دفعها لملازمة ساحات التظاهر حتى هذهِ اللحظة .
خرجت إسراء إلى ساحة التحرير تلبية لنداء الحاجة لمتبرعي الدم مع بداية تظاهرات تشرين الأول، بسبب كثرة الجرحى والمصابين، ثم واصلت الاحتجاج رداً على حجم القمع الذي يتعرض لهُ المتظاهرون بحسب قولها.
إسراء شاركت في دورة إسعافات أولية وعملت مسعفة جوالة بعدما مات اثنان من أصدقائها المقربين في تظاهرات العراق، ولا تزال مرابطة في شوارع الاحتجاجات منذ 105 أيام، إذ أسعفت الكثير من المصابين وأنقذت حياة كثر منهم.
مروة وزوجها يجلسان في ساحة التظاهر، يفترشان عجين الخبز ويرصّانه إلى التنور الذي اشترياه بـ56 ألف دينارٍ عراقي.
زوجان وثلاثة أطفال لا يمتلكون سوى بيت صغير في إحدى عشوائيات بغداد، وسيارة أجرة أشبه بالمُعطّلة يعمل عليها زوجُ مروة ليحصل على قوتِ يومه الذي لا يصل إلى 10 آلاف دينار عراقي. وقد اشترى الزوجان التنور الذي يفوق سعره قُدرتهما الشرائية، تقول مروة: "يذهب زوجي إلى العمل بسيارة أجرته خلال ساعات النهار، ويعود بمبلغٍ زهيد نشتري به الطحين والغاز ونقوم بالخَبزِ لتقديم رغيف الخبز إلى المتظاهرين".
يضع الزوجان تنور الخبز عند إحدى الخيم التي نُصبت على مقربة من ساتر جسر الجمهورية، تضيف مروة: "خرجتُ إلى التظاهرات بعد 25 تشرين الثاني عام 2019 بعدما أصيب زوجي بطلقٍ ناريّ في يده، خشيت أن تكون هذه نهايته لهذا خرجت إلى ساحة التظاهر".
تستدركُ مروة سبب خروجها جنباً إلى جنب مع زوجها وتقول، "حسناً لم يكُن زوجي السبب الوحيد لوقوفي هنا، فأنا أعيش في بيتِ تجاوز، حاولت أمانة بغداد مصادرته أكثر من مرة، يكفي أن يكون مستقبل أبنائي عبارة عن بيت تجاوز، يحق للحكومة هدمه ومصادرته بأي لحظة، كما أننا عاجزون عن توفير أي شيء يضمن لأطفالنا مستقبلهم، هذا سببٌ آخر لبقائنا حتى هذه اللحظة، على رغم ما واجهناه من خطر البقاء". لا تكاد تشق طريقك في ساحة التحرير حتى تسمع صوتها يناديك كي تساعدها في طهو الطعام أو تقشير البطاطا، امرأة خمسينية تنصب خيمتها في ساحة التظاهر وتعد الطعام للمتظاهرين ويساعدونها بطيبة خاطر. أم علي، أم لأربعة أبناء استشهدوا في معارك العراق ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، خرجت منذ انطلاق الاحتجاجات وشدّت عود خيمتها في ساحة التحرير بعدما تركتها الحكومة العراقية من دون دعم مادي أو تعويض عن فقدان أبنائها الشهداء، إلا أنها تؤكد "أرفض أن يقال إنني خرجت للمطالبة بتعويض عن أبنائي الشهداء، أنا خرجت من أجل مستقبل أجيال مقبلة، أما بالنسبة إلي فلم يتبقَ من العمر شيء".
متظاهرون شباب كثيرون يعتبرون أم علي أماً لهم، فهي تنصحهم حين يحتاجون إلى النُصح، وتحتويهم بحنان الأم ورأفتها.