الناصرية.. أيقونة تظاهرات العراق، وبيضة القبان في خطوات التصعيد لساحات الاحتجاج

الناصرية.. أيقونة تظاهرات العراق، وبيضة القبان في خطوات التصعيد لساحات الاحتجاج

 امير العلي
بعد أكثر من خمسة أشهر على الاحتجاجات باتت مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار بيضة القبان وعقرب ساعة الحراك الشعبي والناطق الرسمي باسم محافظات العراق المنتفضة كما يعبر المتظاهرون.

خطوات التصعيد في احتجاجات الناصرية بدأت في السادس تشرين الأول الماضي ، إذ اقدم آلاف المحتجين على حرق مقار ومكاتب الأحزاب السياسية في خطوة لم تعهدها أي محافظة عراقية أخرى آنذاك، لتتسارع أحداثها الأمنية بعد ذاك وصولاً الى صدام مباشر مع القوات الأمنية خلفت عدد من الضحايا بلغت حصيلتهم أكثر من عشرين قتيلاً وأكثر من ثلاثين جريحاً.
أمير دوشي المراقب للشأن السياسي في ذي قار يرى أن تصدّر مدينة الناصرية لمشهد الاحتجاجات في عموم العراق لم يأتِ من فراغ بل كان وليد تراكمات كبيرة وخزين تاريخي وموروث واسع.
لم تحظَ مدينة الناصرية وضواحيها بأية رعاية طوال سنوات التغيير السياسي التي أعقبت 2003 فضلاً عن الكم الهائل من العاطلين المتخرجين من جامعاتها وبمختلف الاختصاصات.
هدوء حذر استمر لأسابيع قليلة بعد حوادث الحرق ثم عادت التظاهرات الشعبية من جديد في الخامس والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي حتى أكملت الناصرية ما بدأته في أوائل الشهر من خطوة متقدمة على بقية المحافظات الأخرى وأنهت حرق مقار الفصائل المسلحة التابعة للأحزاب السياسية.
وعمد المحتجون آنذاك الى استهداف منازل المسؤولين المحليين في المحافظة والبرلمانيين بالحرق فهم يرونهم جزءاً من منظومة الفساد الإداري والمالي في البلاد والمحافظة وتراجع مستوى الخدمات.
موقع الناصرية جغرافياً أعطاها ميزة مختلفة عن بقية المحافظات فهي تقع في خط ستراتيجي يربط جنوبي العراق ومحافظة البصرة بالمحافظات الوسطى وصولاً الى العاصمة بغداد، فالبصرة تضم موانئ العراق المائية وأكبر حقولها النفطية والبوابة الرئيسة للبلاد على دول الخليج فضلاً عن موقعها الاقتصادي المحرك للمنظومة السياسية في البلاد.
يقول دوشي المراقب للشأن السياسي إن ذي قار عرفت منذ التأريخ كملجأ للثوار والمقاتلين منذ حرب الآشوريين ضد السومريين ولجوئهم الى الأهوار كملاذ آمن وتلتها الحكومات المتعاقبة في الفترة الإسلامية حتى التاريخ المعاصر إذ قام نظام صدام حسين في تسعينيات القرن الماضي بتجفيف الأهوار لأنها ضمت الثوار والمعارضين لنظامه، أما الآن فيرى المحتجون أن وجودهم في هذه المحافظة بات مرهوناً بقدرتهم على تحقيق الإصلاحات المطلوبة.
وفي ظل تصاعد الاحتجاجات أقدمت الناصرية على خطوة تصعيدية أخرى اذ أعلنت في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي عن العصيان المدني وقطع الجسور لتعطيل حركة المؤسسات الحكومية. ونجحت في ذلك بالفعل وتبعتها بقية المحافظات الأخرى في الوسط والجنوب، وعمد البعض منهم الى تشكيل ما يسمى “فوج مكافحة الدوام” الذي يأخذ على عاتقه يومياً متابعة الدوائر الحكومية ومنع انتظام الدوام فيها ووضع لافتة كتب عليها ” مغلق بأمر الشعب”.
خطواتها المتسارعة للتصعيد دفعت حكومة عبد المهدي رئيس الوزراء المستقيل الى إصدار قرار جريء لتقويض حالة الفوران في المدينة، اذ نفذت عملية أمنية في الثامن والعشرون من تشرين الثاني باستخدام قوة عسكرية استقدمتها من بغداد لإنهاء حركة الاحتجاجات في الناصرية.
تلك العملية قادها رجل أمن يحمل رتبة عسكرية رفيعة يمتلك أوامر مركزية بفتح الجسور ومجابهة المعارضين لقراراتها من المحتجين، اذ أسفرت العملية الأمنية تلك وما أعقبها من أحداث خلال يومين فقط عن مقتل اكثر من (45) متظاهراً وجرح أكثر من (320) آخرين.
معظم ساحات التظاهر في العراق أعلنت الحداد على أرواح القتلى وتوجه محتجون من مدن عراقية مختلفة الى الناصرية لإعلان حالة التضامن والتعزية بعضهم رفع لافتات كتب عليها “الناصرية تمثلنا”، وعرفت هذه الحادثة بـ ” مجزرة الناصرية”.
زهراء عامر واكبت الاحتجاجات منذ اليوم الأول ، إذ تعمل على إسعاف الجرحى ونقلهم عبر وسائط نقل مختلفة الى المستشفيات القريبة تعرضت الى كسر في عظم الترقوة والكتف نتيجة دهسها بسيارة تابعة للقوات الأمنية في المحافظة أثناء المواجهات تقول “رغم كل ما حدث لن نتراجع”.
أعمال العنف المتكررة التي جوبهت بها الناصرية ولشهرين خلفت ورائها أكثر من مائة قتيل و(2650) جريحاً وعشرات المعتقلين الذي أفرج عنهم بكفالات مالية ويعد هذا العدد كبيراً قياسا الى عدد سكانها والبالغ مليوني نسمة.
وقد أقدم محتجو الناصرية وفي الثالث عشر من كانون الثاني الماضي على قطع الطريق الدولي السريع وهو الخط البري الناقل لشاحنات البضائع وصهاريج الوقود من الموانئ جنوباً باتجاه بغداد، وبهذا القطع تم إمهال الحكومة سبعة أيام لاختيار رئيس وزراء مستقل والمصادقة على قانون الانتخابات والعمل على إجراء انتخابات مبكرة.
وما لبثت هذه المهلة أن انتهت لتتسع رقعة الحراك والقطع للطرق البرية الى بقية المحافظات ولم تنفع عملية وصف المهلة من قبل الحكومة بأنها “غير قانونية” في ثني المحتجين في باقي المدن عن اعتمادها إذ علّق معتصمو ساحة التحرير وسط بغداد ساعة كبيرة تعمل بالعد التنازلي للمهلة وكتب عليها “مهلة وطن – مهلة الناصرية”.
حكاية الناصرية مع الاحتجاجات تبدو مختلفة عن باقي حكايات المدن فهي بيضة القبان في ميزان الاحتجاجات العراقية التي مازالت تجتاح المدن حتى بعد حرق خيّم المحتجين في الناصرية ومدن عراقية أخرى، بل إن محتجي الناصرية استبدلوا الخيّم المحروقة ببناء من البلوك الأسمنتي ليثبوا مرة أخرى إنهم يتعاملون بشكل مختلف مع الأحداث.