من ذكريات ثورة 14 تموز 1958 .. محمد حديد والثورة

من ذكريات ثورة 14 تموز 1958 .. محمد حديد والثورة

يذكر الاستاذ محمد حديد :

تم اخباري بالثورة مساء يوم الجمعة الموافق 11/7/1958 وكنت موجوداً في الموصل بسبب وفاة والدي واقامة مجلس الفاتحة هناك. تلقيت برقية رمزية من قبل السيد (رشيد مطلك)”بتوقيع رشيد”يقول فيها:

بأن صاحب الارض وافق على أن يكون سعر المتر بـ14 ديناراً.

ففهمت بأن هناك امراً مهما سيحدث يوم 14 تموز.. وفي صبيحة يوم الرابع عشر من تموز علمت عن طريق الراديو بأن الثورة قد اندلعت، فخرجت الى الشارع وخطبت بالجماهير في الموصل. وبعد الظهر اتصل بي امر الموقع المرحوم (ناظم الطبقجلي) واخبرني بأن قادة الثورة في بغداد يطلبون حضوري الى بغداد، ووضعت سيارة عسكرية تحت تصرفي وتم الاتصال بالاستاذ المرحوم (عبد الجبار الجومرد) ايضا، فتركنا الموصل بعد الظهر، ولكن الاستاذ الجومرد تخلف في كركوك لإصابته بمرض طارىء فيما اعتقد، فتخلف في كركوك وواصلت أنا السفر الى بغداد التي وصلتها فجر يوم الخامس عشر من تموز.

وذهبت الى دار المرحوم (كامل الچادرچي) للتداول معه ومعرفة التفاصيل، وما جرى بيني يوم الجمعة المصادف 11/7 الى يوم 14/7 وكان في الدار جماعة من الحزب الوطني الديمقراطي وغيرهم، وكذلك كان السيد (محمد مهدي كبة) والسيد (ابراهيم كبة) وغيرهم كثيرون، ولقد تداولنا في أمر الثورة والأوضاع السائدة فأتفقنا على ضرورة المشاركة الفعالة والتأييد والدعم بكل قوة لنجاح الثورة وضمان بقائها، وقد اثير موضوع تدخل القوات الخارجية، سواءً كانت من الاردن او غيرها وكذلك بعض الاشاعات حول عدم ولاء بعض قطاعات الجيش للثورة، وقد لاحظت في هذا اليوم بأن الاستاذ ابراهيم كبة كان مرتبكا وقلقا لهذه الاشاعات لاسيما ان مصير نوري السعيد لايزال مجهولا ولم يلق القبض عليه بعد.

نصير: هل كان هناك اتصال بينكم وبين مصر والجمهورية السورية؟ (الجمهورية العربية المتحدة فيما بعد)؟!.

محمد حديد -كان هناك اتصال بيننا وبين السوريين، فمثلا كان يزور بغداد شخص ينتحل صفة تاجر، وقد عرفني عليه المرحوم عزيز أبو التمن”إبن المرحوم جعفر ابو التمن”وهذا الشخص هو السيد طلعت النابلسي”عسكري”وقد عين بعد الثورة مُساعداً للملحق العسكري في سفارة الجمهورية العربية المتحدة”مساعدا لعبد المجيد فريد”وقد التقيت به عدة مرات، وكان الحديث يدور حول التنسيق والتعاون بين جبهة الاتحاد الوطني والحركة الوطنية والجمهورية السورية والجمهورية العربية المتحدة”فيما بعد”وحول تأييد الثورة اذا حدثت بشكل سريع وفعال.

وكذلك اتصلت بالملحق العسكري المصري في الجمهورية العربية السورية في دمشق وهو السيد عبد الرحمن زغلول حول الموضوع نفسه.

وفي صيف عام 1957 ذهبت الى بيروت ومنها الى دمشق للاتصال بالسيد عبد الحميد السراج وكان مديرا للمخابرات السورية في ذلك الوقت بناءً على تكليف من السيد عبد الكريم قاسم رئيس تنظيم الضباط الاحرار بواسطة السيد (رشيد مطلك) حول احتمال تدخل حلف بغداد في سوريا عسكريا، ولكن السيد السراج كان غير موجود في دمشق، فقد اتصلت بالسيد ميشيل عفلق وتم الاجتماع بيني وبينه في أوتيل (سميراميس) لوجود اتصال سابق به فأخبرته بذلك وتعهد السيد ميشيل بمسؤولية إخباره.

وبعد ذلك ذهبت الى القاهرة واتصلت بالسيد المرحوم (محمد فؤاد جلال) الذي كان رابطة الاتصال بيننا وبين السلطات المصرية، فنظم اجتماعا بيني وبين المرحوم السيد جمال عبد الناصر وقد اخبرته فيه بأن اجتماعي هذا بناءً على طلب من الضباط الاحرار حول معرفة تأييد مصر ودعمها للثورة عند قيامها، وقد شرحت للسيد عبد الناصر الاهداف التي سوف تتبناها الثورة عند قيامها ونوع الحكم الذي ستقوم عليه.

فأكد لي السيد (جمال عبد الناصر) بأنهم سوف يدعمون الثورة بكل قواهم، وكذلك ان الكتلة الاشتراكية سوف تؤيدها حالا بكل أنواع الدعم مضيفا بأنه يعتقد بأن الاتحاد السوفيتي سوف يدعم الثورة بأعتبارها ثورة تحررية ويتدخل لحمايتها عندئذ من الدول الاستعمارية –حلف بغداد- وأنه اعطاني انطباعا بأنه سوف يسعى بهذا المجال.

وفي نهاية العام 1957 وعند انعقاد مؤتمر التضامن الاسيوي الافريقي في القاهرة اتصلت بالسيد (محمد فؤاد جلال) وجمعني بالسيد كمال رفعة الذي كان حينذاك رئيسا للمخابرات المصرية وأخبرته عن الثورة والمرحلة التي وصلت اليها فأبدى السيد كمال رغبة ملحة في الاستعجال بالتنفيذ وضرورة القيام بالثورة بأسرع مايمكن لانقاذ سوريا من مؤامرات حلف بغداد.

نصير : لقد كان سائدا بأن النظام الملكي لايمكن اسقاطه الا بأستعمال العنف، فما هو موقف الحزب الوطني الديمقراطي؟

محمد حديد -لقد وافق الحزب من حيث المبدأ، بعد دراسة الوضع ومساوىء النظام وضرر بقائه فترة قد تكون طويلة، على تغيير النظام بواسطة الثورة، لأن الاساليب الديمقراطية والدستورية قد انعدمت تماما في العراق ولم يبقَ أي مجال لتغيير النظام المرتبط بالاستعمار الا بهذه الطريقة.

نصير: هل تستطيع أن تعتبر عبد الكريم قاسم من مؤيدي الحزب الوطني الديمقراطي وبأي شكل؟

محمد حديد -أعتقد أن السيد عبد الكريم قاسم كان من مؤيدي الحزب الوطني الديمقراطي قبل الثورة بمدة طويلة جدا، وعندما قرر الاتصال بالمدنيين كان مع الحزب الوطني الديمقراطي واراد التعاون معنا بشكل قوي جدا كان يطلب المشورة منا قبل الثورة وهو يؤيد منهاج الحزب الوطني الديمقراطي وسياسة (الأهالي) منذ القدم، ومشبع بآرائها ومعجب بمواقفها، وكان يصرح بأنه لن يقوم بالثورة الا بمساندة ومشاركة الحزب. وبعد الثورة وقف عبد الكريم قاسم عدة مواقف لمناصرة الحزب ووقف موقفا حاسماً تجاه عبد السلام عارف في معارضته بمنح امتياز –جريدة (الأهالي) -وأعطى أمراً قطعيا الى عبد السلام عارف بضرورة منح الامتياز الى (الأهالي) وكانت له الكثير من المواقف لحماية أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي من الهجوم والاعتداء من بعض العناصر المتطرفة.

(من لقاء حديد مع الاستاذ نصير الجادرجي في 10 حزيران1977)