رشدي العامل.. سوناتا للوحدة!

رشدي العامل.. سوناتا للوحدة!

ميثم الحربي

رشدي العمل "1934 - 1990م"، شاعرًا وشِعرًا: تجربة إنسانية وأدبية مُتميزة؛ ومَوردُ تميُّزها في مسيرة الثقافة العراقية بين الخمسينيات والستينيات أنها اختارت لنفسها سلوك الطريق الثالثة في ارتياد الحياة المجازية.

"طريق ثالثة"

وأقصدُ بالطريق الثالثة ذلك الاتجاه الشعري الذي سار عليه العامل عبر ثمانية دواوين نُشرت بين عام 1951م، وعام 1991م حيث صدر ديوان "الطريق الحجري" بعد وفاته.. إذ بقي مُصغيا ومجذوبا لأصالة التجربة الفردية، نائيا بنفسه عن خطرين كانا يُهيمنان على الفعالية الشعرية الكلية لمُجايليه من الشعراء الرواد وما بعدهم أيامئذ، وهُما: خطر التاريخ الأيديولوجي من جهة، وخطر التاريخي البلاغي من جهة أخرى.

"في البسالة الفردية"

ويمثل المُنجز الشعر لرشدي العامل مرآةً تعكسُ صروفَ الدهر والمرائر والمحطات التي دهمت حياة الشاعر؛ فقد كان أمينا أمانةً صمدية في تصعيد صوت البسالة الفردية داخل النسيج الشعري. وعلى الرغم من أنّ للشاعر تصريحات ثقافية تصفُ أعماله الفنية بأنه "شاعر رومانسي"، مع تأشيرات نقدية بأنه "شاعر غنائيّ"، إلّا أنّ الحال يحتمل توجيها مُغايرا أحددهُ عبر النقاط الآتية:

إنّ المرحلة التي وُجِدَ فيها العامل – مرحلة ما بعد الرواد – كانت تضغط بمهيمنات لا مناص للشاعر إلّا أنْ يستجيب لها حتى كأنّ الأيديولوجيا باتت كما لو أنها منحة وجدانية وجد فيها مجايلو العامل ضالتهم الفنية ورئتهم المجازية، بينما الشاعر منذُ ديوان "همسات عشتروت" عام 1951م قد وضع نفسه في مُناوئة دائمة ضد القوى الموقفية الضاغطة، وانتهج سبيل الطيران خارج السرب.

إنّ توصيف شعر العامل بأنه "رومانسي" أو "غنائي" لهو توصيفٌ يسقطُ من مزاج المرحلة النقدية السياسية. وهذا التوصيف ينطوي على شُحنة نبز مستورة بأنّ الشاعر ضعيف في وعيه السياسي ولا يستطيع مُحاورة قضايا الشأن العام التي يرتادها أو يُغطيها أغلب مجايليه. وأرى في هذا الجانب أنّ الغنائية لا تعني هنا سوى "الفردية" وهذه نزعة مُضادة واحتجاجية لا يُمكن أنْ تتقبلها صالونات الشعر والنقد في مراحل العراق الايديولوجية.

إنّ الإصغاء للتجربة الشخصية، يعني في ما يعنيه توجيه أيديولوجيا الفرد مقابل أيديولوجيا الجماعة. وهذا ما كان في شعر رشدي العامل في كل دواوينه؛ فهو - برأيي- ابن للدولة الاجتماعية وليس ابنا للدولة السياسية التي نشأت بعد عام 1958م. إذ إنّ الدولة الاجتماعية لم تفرض على المجتمع صبغة أيديولوجية كما فعلت الدولة السياسية في ما بعد وفرّقت اتجاهات الشعر إلى حقول سياسية مختلفة ومتناحرة.

"مدرسة الذات"

لقد كانت مسيرة الشاعر رشدي العامل شاقة حياةً وفنا؛ فهو – عندي – امتدادٌ لتجربة الشاعر علي الشرقي "1890م – 1964م"، ويُشكل مع حسين مردان محطة مهمة لتمثيلات الشعر الذاتي، نجدُ حضورها واضحا لدى الشاعر فوزي كريم على أتمّ صورة. ومن خصائص شعر العامل، يُمكن القول: إنّ الكائن الشعري الذي يرسمه فؤاده الإنساني يبدو بطلا سرديا، تُحاول الأداة الشعرية صياغة ملامحه، والكشف عن حكايته الفردية التي تتحرك بين عواطف، وأفكار من خلال الاستعانة بطرق بناء مُختلفة.

من قصيدة له بعنوان "سوناتا للوحدة" يُنشد الشاعر:

"وأنا ضوءُ الفانوس

وحارسُ نصف الليل

وقاع النهر اليابس

وطفل ضيّع طعم الثدي

والكأسُ يُغادرُها الشارب".