جامعة بغداد.. وكيف شيدت بنايتها في الجادرية؟

جامعة بغداد.. وكيف شيدت بنايتها في الجادرية؟

د. سعدي ابراهيم الدراجي

صدر قانون جامعة بغداد رقم ( 60 ) لسنة 1956 الذي تأسست بموجبه أول جامعة في بغداد ثم الاستعاضة عنه بقانون أخر هو رقم ( 28 ) لسنة 1958 وعلى الرغم من تأسيس الجامعة وتوحيد إدارتها وتكوين مجلسها إلا أن كلياتها بقيت محتفظة بكيانها القديم في بنايات متفرقة متباعدة مدة من الزمن. حتى كرست الجهود لرسم الخطط ورصدت الاموال لإنشاء البنايات اللازمة لجمع شتات الكليات والمعاهد على صعيد واحد.

بعد أن قررت وزارة المعارف تأسيس جامعة بغداد سعت إلى اختيار موقع ملائم لها تتوافر فيه لمستلزمات الضرورية كافة، وقد رشحت لذلك مواقع عدة هي :

1ـــ موقع باب المعظم: الأراضي التابعة الى مديرية الأوقاف والمؤلفة من ثكنة الخيالة وحديقة المعرض ومحطة قطار كركوك آنذاك بوصف الموقع المذكور مناسبا لانه يقع بالقرب من معظم الكليات. بيد ان الحكومة رفضت هذا المقترح وفضلت ان تشيد الجامعة في منطقة نائية أو في محيط المدينة.

-2 موقع الزعفرانية: ايد مجلس الوزراء المقترح المقدم منوزارة المعارف في عام 1953 والقاضي بإنشاء الجامعة في مزرعة الزعفرانية وبررت الوزارة رغبتها لهذا الاختيار، بان مباني الكليات القديمة لا تتوافر فيها الشروط الواجبة وأنها تقع في اماكن مزدحمة بالسكان، كما انها تساعد على تحريض الطلبة والتظاهر ضد النظام.

-3 وفي أوائل سنة 1955 رفع وزير المعارف مقترحا جديدا الى رئيس الوزراء رشح فيه موقعين صالحين لهذا الغرض،الأول شمال بغداد في منطقة الصليخ، والثاني جنوب بغداد على نهر دجلة قرب مزرعة الترجمانية.

-4 موقع الجادرية: وافق مجلس الوزراء في 24 / 4 / 1955 على اقتراح وزير المعارف لاختيار موقع جامعة بغداد. وتشكلت لجنة لدراسة اقتراح وزير المعارف من الدكتور عبد العزيز الدوري عن وزارة المعارف، وحازم نامق عن المواصلات والاشغال،وعبد الهادي الزوائدي عن وزارة المالية، والمستر سيسا عن مجلس الإعمار . وتوصلت اللجنة إلى اصلح الاماكن هي منطقة الجادرية وذلك لبعدها عن مركز المدينة والاسواق، وموقعها الصحي المتميز بالهدوء، فضلا عن رخص سعر المتر المربع من الأرض فيها. ومن المفيد ذكره ان هذا الموقع هو من ضمن المقترحات التي قدمها المستر (مورغن) رئيس قسم التربية في المعهد البريطاني في لندن وكان قد استقدم من وزارة المعارف العراقية في عام 1947 بوصفه خبيراً، ليشارك في تطوير مستوى التعليم في العراق وتاسيس أول جامعة في بغداد. ومما ساعد على تحقيق اقتراح وزارة المعارف هو تأييد أمانة العاصمة التي طلبت من مجلس الإعمار الموافقة على استملاك اراضي الجادرية لصالح الجامعة بوصف الموقع المذكور فريد من نوعه وانها حرصت على الأحتفاظ به كمتنزه في التصميم الأساسي لمدينة بغداد. وبعد جهود مضنية صدر قرار مجلس إلاعمار باستملاك ما لا يزيدعلى مليوني متر مربع من ا رضي الجادرية لإنشاء جامعة بغداد

وتبلغت به وزارة المالية ووزارة الإعمار بالكتاب المرقم 359 في 7 اب 1957 ومن مميزات موقع الجادرية الذي يشغل بقعة خضراء جميلة في الزوية الجنوبية من بغداد، أنه محاط من ثلاث جهات بنهر دجلة، إذ يستدير النهر ويلتوي في هذه الناحية ليرسم شبه جزيرة غناء بخضرتها وبساتينها . وقد استغل المصمم هذا الموقع لتوجيه الفضاءات نحو النهر من مختلف الاتجاهات وجعل انفتاح الأبنية نحو المحيط وتركيز الفعاليات الترفيهية والبيوت السكنية على الشريط الممتد على ضفة النهر. ونجح المصمم أيضاَ في استغلال مياه النهر عن طريق فتح قناة شبه دائرية تحمل ماءها من دجلة تحيط بالمنطقة الاكاديمية، والقناة تتوسع لتكون بحيرة داخل مجمع الاقسام الداخلية الجنوبي والمشغولة اليوم من كلية العلوم السياسية. ومن الطبيعي أن يُستغل النهر لسقي المساحات الخض ا رء التي تشكل نصف مساحة

الجامعة تقريبا.

صدرت سلسلة من القوانين والتعديلات عليها حتى انبثقت جامعة بغداد من مجموع كليات متناثرة ومعاهد علمية متفرقة سعيا للمباشرة بإنشاء بنايات موحدة في موقع واحد تجمع تحت سقوفها المؤسسات كافة. ومن هذه القوانين قانون الخطة الاقتصادية لإنشاء جامعة بغداد رقم 181 لسنة 1959 المنشور في العدد 281 من الوقائع العراقية 31 في كانون الاول 1959 وكرس لدراسة المشروع وتصميمة وانشائه والإشراف عليه مبلغ 25 مليون دينار بما في ذلك المبالغ المتطلبة للاستملاكات. علما أن الكلفة التخمينية الكلية لهذا المشروع كانت في الأصل أكثر من أربعين مليون دينار.

أما وصف المشروع ومراحل إنجازه فقد نص على تشييد أبنية في الجادرية وأبي غريب تشمل

متطلبات الجامعات الحديثة كافة، وتتسع لأثنى عشر ألف طالب وطالبةو تتألف من بناية رئيسية للادارة ومبانٍ للدراسة الاكاديمية لكليات الجامعة جميعها مع قاعات للاجتماعات ومكتبة وبرج الجامعة ومركز للطلبة ونادي للأساتذة ودار لتمريض الطلبة ومتحف ومسرح ومعرض فني وجامع ومخزن تبريد، وستكون هذه الأبنية جميعها مكيفة مركزيا وستضم كذلك أقساماَ داخلية مع صالات الطعام والمطابخ. وتضم قاعات للألعاب الرياضية وحوض للسباحة مغلق ودار لرئيس الجامعة وملعب رياضي يتسع ل ( 20000 ألف) متفرج، فضلاً عن تشييد مدخل رئيس وتنظيم الحدائق وتبليط الطرق الرئيسة في الموقع وبناية للصيانة وتجليد الكتب ومستودع.

ومن المفيد ذكره ان مشروع أبنية جامعة بغداد أدرج ضمن مشاريع الاعمار وعدته الحكومة وقتئذ من أهم مشاريعها وأعطته الأسبقية واختارت له معماراً يتمتع بشهرة عالمية واسعة هو الاستاذ والتر كروبيس Waltar Gropius الذي قام بوضع التصاميم اللازمة لها على وفق أحدث المعايير العالمية في تخطيط الجامعات الحديثة. على الرغم من إرسال وزير المعارف (توفيق وهبي) مذكرة لمجلس الوزا رء

للموافقة على إعلان مسابقة عالمية لوضع تصاميم لمدينة جامعية، كلفت الحكومة العراقية في عام 1958 م ( شركة تاك الاستشارية TAC : The Architects Collaborative International ( التي يتراسها المعمار العالمي والتر كروبيس المولود في برلين في عام 1883 بوضع تصاميم لجامعة بغداد على وفق أحدث الأساليب العصرية .

وقبل البدء بالعمل زار العراق وأطلع على الموقع مرات عدة، والتقىبالخبراء والمسؤولين وتدارس معهم سبل العمل وامكانية التنفيذ. وأستعان بخبرات المهندسين العراقيين ومنهم مكتب الاستشاري المعروف هشام منير للمساعدة في وضع تصاميم جانب منها يحاكي الموروث الحضاري لمدينة بغداد.

عن بحث ( التصاميم الاساسية لجامعة بغداد) م . التراث العلمي 2019