في يومها المجيد..أمناء العاصمة في العشرينيات

في يومها المجيد..أمناء العاصمة في العشرينيات

إسراء عبد المنعم السعدي

في عام 1923 استبدل رئيس البلدية بأمين للعاصمة، وأصبح اسم رئيس البلدية ملغى، ثم صدر قانون البلديات رقم 84 لسنة 1931 حيث ألغى قانون الولايات العثماني المؤرخ في 27 رمضان 1294هـ 1877م مع جميع الأنظمة والتعليمات والبيانات المختصة بأمور البلدية الصادرة في عهد الحكومة العثمانية أو خلال الفترة التي سبقت تأسيس الحكومة العراقية.

صدرت الإرادة الملكية بتعيين السيد صبيح نشأت أول أمين عاصمة بتاريخ 6 شباط 1923، وجاء ترشيحه بإيعاز من رئيس الوزراء ووزير الداخلية وكالة السيد عبد المحسن السعدون، وتمت مصادقة مجلس الوزراء على ذلك. وكان صبيح نشأت على صلة بالسعدون ومن المؤيدين لسياسته حين اصطف مع مدرسته السياسية، وكان لهذا أثر فيما بعد في تعيينه وزيراً للدفاع سنة 1925 بعد عزله من منصب أمين العاصمة، واستمر لمدة سنة ونصف في إدارة الأمانة حتى 14 أيلول 1924. وبالاضافة إلى منصب الأمين.

اهتم بموظفي الأمانة الذين لهم اتصال دائم مع المواطنين وإن وظيفتهم لا تقتصر على وقت الدوام الرسمي، بل يمتد عملهم إلى خارج أوقات الدوام الرسمي، وغدا لكل موظف دفتر هوية يحتوي على صورته واسمه ووظيفته تمييزاً لهم عن غيرهم ويمكن استعماله عند الحاجة، وكذلك أستحدث أيضاً ورقة هوية مشابهة للمختارين لأنهم مسؤولون عن أوضاع المحلة وسكانها، وخصص للموظفين ملابس خاصة ذات قماش من نوع الازوردي وحذاء أسود وسدارة من نوع القماش نفسه مع لوحة من المعدن الأصفر مكتوب عليها اسم الموظف والدائرة ونوع الوظيفة.

واقترحت الأمانة إحداث شعار خاصة بها أسوة بعواصم الأمم الراقية. وعرض الأمر على الجمهور لإعطاء رأيهم وسألت الأمانة عدداً مـن الأدباء والمفكرين أن يبعثوا إليها باقتراحاتهم، لكن هذا الأمر لم يأخذ حيز التنفيذ إلا في عام 1936، حيث اتخذت الأمانة في البداية شارة لها على شكل نمر ونهر ونخلة، وذلك لأن النمر يعني في اللغة الانكليزية Tigersوهذا الاسم مطابق لاسم نهر دجلة. ولا يخفى أن العهد الاستعماري كان له تأثيره في اختيار هذا الشعار، واستمر العمل به لمدة خمس عشرة سنة حتى عام 1951م. ولاحظ قسم من المفكرين أن هذه الشارة لا تمت بصلة إلى بغداد لا في حاضرها ولا في ماضيها.

وبعد مداولات بين أمانة العاصمة ومديرية الآثار استقر الرأي على شارة جديدة تجمع في آن واحد ما يرمز إلى الماضي والحاضر، وهي على شكل مدينة تمثل مدينة السلام وهي المدينة المدورة التي بناها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور سنة 145-147 هــ وفي وسطها قصره المعروف بقصر الذهب. ومسجده وحولها ثلاثة أسوار مدورة الشكل بينها قطائع الأمراء، ودور كبار رجال الدولة وغيرهم، وفي كل سور اربعة أبواب متقابلة، تؤدي إلى أربعة جهات، طريق البصرة وطريق الشام وطريق الكوفة وطريق خراسان، واتخذ في أعلى الشعار ما يشير إلى شروق الشمس، وفي أسفله أرض العراق الخضراء ونهر دجلة الجاري وسط بغداد، واتضح فيما بعد أن الشارة هذه أقرب إلى تمثيل مجد بغداد التاريخي كما أنها قريبة إلى حاضرها.

وتولى بعد صبيح نشأت منصب أمين العاصمة السيد رشيد الخوجة للمدة من 15 أيلول 1924 لغاية 30 حزيران 1925، وتم ترشيحه لهذا المنصب بعد أن استقالت وزارة السعدون وتكليف جعفر العسكري بتأليف الوزارة الجديدة في 22 تشرين الثاني 1923، وأنيطت وزارة الأشغال والمواصلات إلى صبيح نشأت، فأصبح منصب الأمين شاغراً فأوعز وزير الداخلية علي جودت الأيوبي بإسناد رئاسة الأمانة إلى رشيد الخوجة بوصفه كان يتولى رئاسة بلدية الرصافة.

وكانت مدة رئاسته قصيرة لمدة تسعة أشهر ولم يقدم خلالها سوى قانون لتحسين مشروع المياه في بغداد، وفي المدة التي تولى فيها إدارة الأمانة كانت البلاد تمر بعدد من المشاكل، منها موضوع منح امتياز النفط، ومشكلة الموصل، حيث أرادت بريطانيا الحصول على الامتيازات النفطية قبل نشر القانون الأساسي، لأن المادة (93) تمنع بيع أموال الدولة أو تعويضها أو إيجارها إلا وفق القانون، وخشيت بريطانيا من معارضة البرلمان فوقعت امتياز النفط في 14 آذار 1925 قبل نشر القانون. أما مشكلة الموصل، فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 وإعلان الهدنة، احتلت بريطانيا الموصل فاعتبرت تركيا هذا العمل غير مشروع وأثارت المشكلة على أساس أن ولاية الموصل جزء من ممتلكات الدولة العثمانية السابقة وتأجيل الانتخابات للمجلس النيابي والأزمة التي أثيرت حوله واتخاذ القرار بنشر القانون الأساسي العراقي، وبعد أن انجزت جميع المهمات، رأى رئيس الوزراء ياسين الهاشمي ضرورة تقديم استقالة الوزارة، لحل بعض المشاكل العالقة مع بعض الوزراء، واستقالة الوزارة تعني رفع يد جميع المسؤولين من إدارة دوائر الدولة حتى يتم تعيين رؤساء جدد لها، وعليه فقد بقي الخوجة في إدارة الأمانة لمدة شهر بعد استقالة الوزارة حتى تم تشكيل الوزارة السعدونية الثانية في 26 حزيران 1925 وصدور الإرادة الملكية في 25 تموز 1925 بإسناد منصب وزير الداخلية إلى السيد حكمت سليمان بعد استقالة رشيد عالي الكيلاني الذي أصبح رئيساً لمجلس النواب.

وفي البداية عهدت الأمانة إلى مدير الشرطة العام (محمد سليم) بصفة وكالة لأنه كان يدير متصرفية بغداد وكالة، ورشح مجلس الأمانة العضو (اسماعيل كنة) لكن وزير الداخلية بدوره رشح السيد نشأت السنوي لرئاسة أمانة العاصمة، فصدرت الإرادة الملكية في 23 تموز 1925، واستمر في منصبه حتى حزيران 1926 فقد حدث تغيير في وزارة الداخلية بسبب استقالة حكمت سليمان من منصب وزير الداخلية وانتخابه رئيساً لمجلس النواب، فأسند منصب وزير الداخلية إلى السيد عبد العزيز القصاب الذي أيد بقاء السنوي في منصبه أميناً للعاصمة الذي استمر لمدة خمس سنوات حتى 8 نيسان 1930، ويبدو أن بقاءه هذه المدة في الأمانة يرجع إلى المكانة التي حضي بها نتيجة الخدمات التي قدمها رغم كثرة تغيير الوزارات وحدوث الأزمات الاقتصادية حيث أن له الفضل في إدخال تغييرات على جهاز الأمانة أثرت في وضعية العاصمة وتحسين خدماتها، ومنها استحداث منصب مهندس العاصمة ليكون مسؤولاً أمام أمين العاصمة لأجل صيانة الطرق وتحسينها. وألغى منصب معاون أمين العاصمة في جانب الكرخ وبقاء معاون واحد في جانب الرصافة وذلك للأزمة الاقتصادية التي كانت تمر بها الأمانة، والتي تنذر بالافلاس، فكان لا بد من الاستغناء عن هذا المنصب، كما اهتم بإنشاء بناية للأمانة تضم كافة دوائر الأمانة المركز والصحة والهندسة وفرقة الاطفاء، كما سعى إلى تحسين حالة العاصمة وحل أزمة المنازل فاقترح مشروع المنازل الجديدة مع إصدار قانون الأبنية في البلديات لسنة 1925، أي أن تخضع جميع الأبنية للقانون ضمن حدود البلديات.

وبسبب الأزمة الاقتصادية التي حلت في العالم وأثرت على أوضاع البلاد حاولت وزارة ناجي السويدي الثانية معالجة الأزمة، لكنها اصطدمت مع الاستشارة البريطانية التي استمرت تتدخل في شؤون العراق الداخلية، فاستقالت الوزارة في 9 آذار 1930، وعهد الملك فيصل الأول إلى نوري السعيد بتأليف الوزارة في 23 آذار 1930 وأصبحت وزارة الداخلية من ضمن مسؤولياته وذلك للسيطرة على انتخابات المجلس النيابي.وكان اختيار محمود صبحي الدفتري، لرئاسة الأمانة برغبة من رئيس الوزراء ووزير الداخلية نوري السعيد، وذلك لخبرة الدفتري وعائلته في العمل البلدي.

عن رسالة ( تاريخ أمانة العاصمة 1921 -1939 )