مهلة المائة يوم..   بين التنظير والتنفيذ!

مهلة المائة يوم.. بين التنظير والتنفيذ!

تحقيق / صابرين علي
أثارت مهلة المئة يوم التي حددها رئيس الوزراء نوري المالكي لحكومته ردود افعال متباينة من قبل الخبراء والمراقبين والنخب الاقتصادية والسياسية فضلاً عن الاوساط الاجتماعية والإعلامية الاخرى.

(المدى الاقتصادي) استطلعت ردود الأفعال حول ماحققته الحكومة خلال المئة يوم من تغييرات على الواقع الخدمي ودورها بالكشف عن حالات الفساد المالي والاداري وابراز الادارات الكفوءة القادرة على التخطيط والاتيان برؤى وافكار من شأنها الارتقاء بمستويات الاداء.
إبراز جوانب الضعف والكفاءة:
وقال الدكتور مهدي صالح الدواي:هناك حقائق يكون التعامل فيها على أساس الوقت ولها مهام مرسومة ضمن وقت محدد،اما العملية الاقتصادية هي ذات ابعاد تراكمية قد تتكون من مشاريع يمكن انجازها من خلال الشروع بها والنتائج المتوخاة من تحقيقها وهذا الامر الذي يتعلق بما ترسمه الوزارة في تحقيق الخطوات التي يمكن تنفيذها، الامر الذي كان بحاجة الى منظومات وتعاقدات هي ليست من المعجزات التي يصعب تحقيقها، وهي بالنتيجة تحتاج الى جدية في التنفيذ ورصد ومتابعة ما تم انجازه خلال المدة المعطاة الى الوزارات، وضمن الخطوات للشروع بما انجزته من اعمال ووضع الاسس اللازمة في تحقيقها.
وأضاف الدواي: ان مدة المئة يوم يمكن من خلالها معرفة جوانب الضعف في الوزارات والادارات ومدى كفاءتها، حيث يمكن من خلالها تحديد مستويات الانتاج التي تم تحقيقها خلال هذه المدة، وتجدر الاشارة هنا الى ان الوزارات تختلف في المهام المعطاة اليها فهي تختلف من واحدة الى اخرى وحسب اعمالها التي تقوم بها فالبعض محطمة تماماً وتحتاج الى وقت اكبر في اعادة هيكلة مؤسساتها والبعض الاخر قد تكون مشاريعها قيد التنفيذ حيث ان هذه المدة تكون لصالحها في انجاز المشاريع وإتمامها.
وتابع الدواي: ان النتائج التي يعلن عليها من خلال الاعمال التي قامت بها الوزارات هي الاخرى بحاجة الى متابعة ورقابة، حيث ان اللجان التي تقوم بالمتابعة يجدر بها ان تكون ملمة وذات كفاءة في تقييم اعمال الوزارات والكشف عن مواطن الابداع والفشل فيها.
واشار الدواي الى ان المئة يوم قد تكون فرصة في الكشف عن حالات الفساد المالي والاداري ومن خلال الموازنة المقدمة لعمل تلك الوزارة وما أنجز من اعمال اعمار وتطورات خلال ما خصص لها من سقف زمني.
خدمات قليلة الكلفة:
من جهته قال رئيس الاتحاد الدولي لرجال الأعمال حميد العقابي: يمكن من خلال المئة يوم تقديم خدمات قليلة الكلفة والوقت ويمكن تنفيذ مشاريع صغيرة، في حين لا يمكن تحقيق مشاريع كبيرة وذات أثر كبير على صعيد النطاق الخدمي والتي كان من الصعب تحقيقها خلال الأعوام الماضية، حيث إن مشاريع البنى التحتية تحتاج الى وقت وكلفة عاليتين.
وأضاف العقابي: ان مهلة المئة يوم تعد عملية لاختيار الوزراء نتيجة لإطلاق عمل الوزارة حيث تمت الموافقة عليهم واختيارهم بصورة سريعة وخلال مدة قليلة نسبياً الامر الذي استوجب وضع مدة لاختبار اعمال هؤلاء الوزراء من خلال هذه المدة، والتي تعد من الامور التي يمكن تصنيفها ضمن عمليات الاختيار الادراي قبل ان يكون خدميا وذات نتائج مجدية.
وتابع العقابي: من خلال المتابعة لاعمال الوزارات يمكن معرفة ماتم تحقيقه من انجازات على الواقع العملي، فالبعض قد حققت انجازات واستفادة من هذه المدة في تشغيل المشاريع المعطلة واستثمار الاعمال من خلالها، في حين البعض الاخر لم تقدم شيئا يذكر حيث انها بحاجة الى مدة اطول في الانجاز والتنفيذ للاعمال الملقاة على عاتقها.
وأكد العقابي ضرورة محاسبة الوزارة بما فيها من مدراء ووكلاء وموظفين واكادميين حيث ان الامر لاينطبق فقط على الوزراء للقيام بتنفيذ الاعمال لأن كل فرد في الوزارات مسؤول عنها، الامر الذي يمكن من خلاله الكشف عن مواطن القوة والضعف فيها وحالات الفساد المالي والاداري التي تسترعي الاهتمام وخصوصاً ان الاقتصاد العراقي يقوم على اساس المحاصصة الطائفية وليس على مدى الكفاءة والامكانات المتاحة.
رسم المناهج:
من جهته قال الخبير الاقتصادي سالم البياتي: أن اطلاق الرقم 100 يوم لا يبنى على قياسات صحيحة وخاطئة حيث ان هذه اللفظة هي اداة للانتظار، وأراد من خلالها مجلس الوزراء رسم المناهج او اعادة النظر فيها من جديد، حيث ان كل وزارة تعاني من مشاكل جمة في مؤسساتها الامر الذي يحتم على المراقبين عدم ربط المئة يوم كمقياس للنجاح والفشل حيث انها تحتاج الى معايير للحكم عليها من خلالها.
واضاف البياتي:ان القياسات العملية لمدة المئة يوم لا يمكنها ان تصل بنا الى نتائج مجدية حيث ان الايام السابقة شبيهة بالأيام اللاحقة بما فيها هذه المئة يوم، ويمكن القول انها قد تشكل عاملا حافزا لأنشطة الوزارات وعلى الرغم من الاكتفاء بوصفها كحافز الا انها لم تحقق من خلالها اية نتائج ملموسة على الواقع الفعلي او وجود خطوات ارتقائية للايام التي تليها.
وتابع البياتي: ان حالات الفساد تعد من المنظومات الاساسية التي يساعد عليها الروتين الموجود في الدولة حيث ان هذه المدة لايمكن من خلالها الكشف عن حالات الفساد الموجودة داخلها، ويمكن ان تكون اداة لردع الفساد لان المعاقبة سوف تكون امام الجمهور في الكشف عنها ما يخلق عامل الابتعاد عنها حتى وأن شكل جزءا قليلا فهو بالنتيجة قد يكون افضل من عدمه.
نتيجة للمطالب الجماهيرية:
من جهتها قالت الخبيرة الاقتصادية عامرة البلداوي: ان مدة المئة يوم اذا ما اردنا ان نأخذها من خلال ماحققته من اصلاحات والخدمات وإبراز اهم نتائحها واعمالها التي انجزتها فهي سوف يكون الاعلان عنها امام الجمهور من قبل الوزارات كافة، الامر الذي جاء نتيجة للمطالب الجماهيرية من قبل الوزارات كافة، وابراز ماتم انجازه خلال هذه المدة.
واضافت البلداوي: ان الجوانب الخدمية لم يحصل فيها تطور يذكر، فالكهرباء على حالها وهنا تنصب المسؤولية على عاتق الجهات المسؤولة عن ملف الطاقة، اما قطاع التعليم فهو الاخر لم يشهد اية تغييرات مثمرة في جوانب التعيينات عدا التعليم المهني الذي أعلن عن الدرجات الوظيفية فيه، و لم تعلن الجهات الاخرى عنها ويعد هذا الامر خللاً واضحا ًفي توفير فرص للعاطلين عن العمل، اما قطاع الاسكان الذي يشكل ازمة والتي تعد من القضايا المستعجلة التي لم يجر فيها اي نتائج ملموسة حتى على مستوى التخطيط.
وتابعت البلداوي:أن مدة المئة يوم لايمكن من خلالها القيام بأي اعمال تنعكس ايجابياً وسريعاً على مستوى الخدمات.
من جانبه قال الخبير الاقتصادي باسم جميل انطون: من المعلوم ان مدة المئة يوم شهدت تقديم بعض الانجازات والتقدم في ما يتعلق بالجوانب الخدمية ذات المساس المباشر بحياة الناس،الا ان المشاريع الاستراتيجية في القطاعات الاقتصادية الاخرى التي تحتمل سقوفاً زمنية طويلة او متوسطة المدى فهي لايمكن اخذها بنظر الاعتبار ضمن مدة المئة يوم التي وضعها رئيس الوزراء لطاقمه الوزاري.
واضاف انطون: ان الانجازات الخدمية تكتنفها بعض الصعوبات ولاسيما التي تتعلق بالكفاءات الادارية التنفذية واكد انطون ضرورة اختيار الكفاءات المناسبة والقادرة على انجاز بشكل عالي المستوى انطلاقاً وتساوقاً مع متطلبات المرحلة الراهنة في الخدمات والاعمار.
ودعا انطون الوزارات والاجهزة التنفيذية كافة الى اعتماد خطط من شأنها تحقيق مستويات انجاز عالية مع التركيز في الوقت ذاته على معالجة حالات الفساد المالي والاداري في اجهزة الدولة ومؤسساتها.
من جانبه قال الاكاديمي الدكتور هادي المالكي: ان السبب وراء اطلاق مبادرة المئة يوم من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي هو امتصاص الغضب الجماهيري، حيث ان هذا السقف الزمني لايكفي لمعالجة حالات الفساد المالي والاداري وتقديم الخدمات المطلوبة ويمكن معرفة النتائج المتوخات من خلال اعطاء هذه المدة والانجازات التي لايمكن تحقيقها من خلالها.
واضاف المالكي: ان الاختلالات الموجودة في بنية الخدمات والاعمار لايمكن معالجتها بهذه المدة الوجيزة حيث أنها تتطلب سقفاً زمنياً اكبر وارادة سياسية ووطنية قادرة على تجاوز معضلات الخدمات بوقت قياسي وعلى وفق رؤى وعلاجات شافية وبأولويات محددة.
فبركة إعلامية:
من جانبه قال الاكاديمي من جامعة البصرة احمد جاسم: أن مهلة المئة يوم تعد فبركة اعلامية ساعية الى كسب الوقت حيث ان جميع المحافظات لم تشهد اي تقدم ملحوض في الخدمات والانجازات.
واضاف جاسم:ان هذه المهلة تعد مقياسا ًزمنياً لوضع الخطط فقط من دون التنفيذ، ما يجعل هناك حرجاً قد وضعت الحكومة نفسها فيه انسجاماً مع معطيات الواقع والتي لم تتحدث عن مستويات انجاز معينة.
ولفت جاسم الى وجود تشابك في جميع الملفات الاقتصادية ما يتطلب سعياً لوضع حلول سوية نظراً لتلازمها وتداخلها.
وبين جاسم:ان هناك قصوراً في العمل التخطيطي والتنفيذي في ان واحد فالامر بحاجة الى جدية في التنفيذ والاداء.
من جانبه قال الخبير الاقتصادي في شؤون الطاقة محمود الزبيدي: لم تحدث اية تغييرات وتطورات حتى ولو كان بسيطاً في مجال الطاقة خلال هذه المهلة المعطاة من قبل رئاسة الوزراء في مجال الطاقة الكهربائية،حيث كانت الإجراءات ترقيعية من خلال زيادة اعداد المولدات في الازقة والشوارع وتجهيزها بمادة الديزل التي تسبب هدرا ًفي الاموال العامة مقابل ماتنجزه من مهام فضلاً عن حالات للفساد المالي والاداري الناتجة عن الاعمال المتداخلة معها من نقل وتوزيع لمادة الديزل.
واضاف الزيدي: ان مسالة التعاقد مع الشركات الاجنبية في زيادة الإنتاج النفطي، كان الاجدر بالوزارة المعنية القيام بالامور التي من شأنها العمل على زيادة الطاقة الكهربائية وتحسينها فهي بحاجة الى حلول جذرية وما زالت المعوقات التي تعمل على عرقلة سير عملها ووضع الحجر الاساس لموضوعة الكهرباء التي تعد من المطالب الخدمية الاولى للمتظاهرين والابتعاد عن تأجيل الحلول الخاصة بها وأن التركيز على الانتاج من خلال محطات السريعة ذات التكاليف الكبيرة يعد مؤشرات للفشل.
الكشف عن حالات الفساد:
من جهتها قالت الدكتورة إكرام عبد العزيز: ان مهلة المئة يوم خطوة ايجابية في طريق تكثيف الجهود من مسؤولين في الدولة و تقديم ماهو افضل في وقت قياسي والشعور بالمسؤولية في سرعة الانجاز على الرغم من وجود المعوقات والظروف التي تشكل عامل تحد امام تحقيق الاهداف المنشودة وهي حافز لتحد اخر التي يمكن تخطيها من خلال سرعة الانجاز.
واضافت عبد العزيز:ان هذه الفترة تعد امراً قياسياً بالنسبة لتحقيق الاهداف والانجازات، حيث لايمكن النهوض بها اضافة الى عدم وجود عوامل مساندة لها،ويمكن القول انها عنصر حافز ودافع لحشد الهمم وتكثيف الجهود للعمليات الخدمية.
وتابعت عبد العزيز: ان المئة يوم يمكن ان تكشف عن الادارات الكفوءة في ظل الظروف والعوامل الساندة لها حيث ان بعض الوزارات لم تتهيأ لها الفرص لعرض واتمام الاعمال والانجازات خلال هذه المدة الوجيزة.
ولفتت عبد العزيز الى ان يكون هناك اختيار مناسب الى الإدارات التي تم الكشف عن عدم قدراتها على التطور وتقديم الخدمات والانجازات المطلوبة وان يكون هناك دور للخبرات والكفاءات الموجودة في البلد وبما يتناسب مع التخصصات المطلوبة لكل مجال حيث ان الامر يستدعي ان يكون هناك تخصص في مجال العمل الذي يقوم به كل مسؤول.
وقالت عبد العزيز: ان هذه المدة يمكن من خلالها الكشف عن حالات الفساد، الامر الذي يستدعي المتابعة من قبل اللجان المتخصصة في هذا الجانب، حيث انها يجب ان تسترعي حالات التلكؤ وتحديد النقاط الايجابية التي قد تشكل عاملا حافزا لديهم لدفع المسؤولين على السير بالعمل نحو الافضل.

ذات صلة