كامل الدبّاغ ... مستمر في ثمار غرسه الجميل

كامل الدبّاغ ... مستمر في ثمار غرسه الجميل

قاسم عبد الأمير عجام

ولسنا هنا في مجال تحية الاستاذ كامل الدبّاغ وصبره ومثابرته وداعا لذلك الجهد النبيل لاننا نراه ماثلا يستحق التحية فيما بلغته البرامج العلمية في تلفزيون العراق، إذ لم يطو برنامج "العلم للجميع" صفحة حلقته الاخيرة إلا بعد ان تطور تأثيره واتسع حتى قام في التلفزيون قسم كبير للبرامج العلمية انبثقت عنه برامج علمية مرموقة كـ"مجلة العلوم والتكنولوجيا" الذي كتبنا عنه في صفحة ثقافة ( الثورة – 17/11/85 )

ثم برنامج "التراث العلمي العربي"، الذي عاد معدّه ومقدمه الاستاذ الدكتور حميد مجول النعيمي، عاد الينا ببرنامج "الطيف" الذي يستمر الآن كما يستمر الاستاذ الدكتور صباح ناصر العلوجي الذي قدم لنا "مجلة العلوم والتكنولوجيا" ليقدم برنامج "العلوم والحياة" ومابين ذلك قدم القسم العلمي بتألق الاستاذ الدكتور قدامة الملاح برنامجي "2000" ثم " الغد"، اما سلسلة الافلام العلمية المختلفة كتلك التي مثلتها "أسرار البحار" وغيرها فتلك اطلالة كبرى على علوم العالم وفنون تقديمها الى الجمهور العريض، مما لم يسعنا إلا الوقوف عندها بتأمل وإكبار كما في فعلنا في دراستنا "عن البرامج العلمية في التلفزيون وحقائقها – آفاق عربية العدد 11- تموز 1984 " وكل اولئك ثمار طيبة لغرس "العلم للجميع" والخبرات المتراكمة في إعداده وتقديمه فأصبحت المادة العلمية في تلفزيون العراق من عناصره الاكثر بهاء حيثما حضرت فهي لم تعد مقصورة على برامجها المتخصصة بل تجدها في برامج الاطفال وبرامج التنمية وبرامج المسابقات ... ولذا يحق لنا ان نرى ما بدأه كامل الدبّاغ في كل فروع هذه الشجرة العلمية الزاخرة بالعطاء ... نراه مستمرا فيها يذكرنا بما يمكن لحب العمل والمثابرة فيه من ان يفعل مثلها فعل الحب والمثابرة في عمل مؤيد البدري ببرنامج الرياضة في اسبوع الذي ودعنا بعد ان اصبح للتلفزيون قسمه الرياضي وبرامجه العديدة وصولا الى قناة للرياضة.

ومثلما ترك لنا مؤيد البدري دروسا، يترك الاستاذ كامل الدبّاغ لنا دروسا اخرى في إعداد المادة العلمية للتلفزيون والتخطيط لها، ولعل اكبر دروسه، التطور النوعي الذي حققه البرنامج مقارنة ببداياته ومنهجها، وإذا كان التطور سُنة الحياة كما نقول، فانه في عمل كامل الدبّاغ لم يكن مجرد تراكم عفوي او تغير يحمله المؤمن وما يأتي به من جديد، بل كان تخطيطا يستفيد من الخبرات السابقة ومن الانجازات العلمية الجديدة ومن مقترحات جمهوره ومن التطور الاجتماعي ككل وما يطرحه من مهام امام الهيئات العلمية ومراكز البحث والتخطيط العلميين ويكفي ان نشير الى الفارق النوعي بين اعتماد البرنامج على الاخبار العلمية أو اضاءاته لها وبين وصوله الى تقديم صورة بانورامية عن موضوعات متكاملة الابعاد فيما كان يسميه البرنامج، المسلسلات العلمية، حيث يسهم متخصصون عديدون في علوم الحياة، الفيزياء، الكيمياء والفلك وغيرها في احاطة الجمهور بحقائق علمية عن موضوعات كالصحاري أو البيئة أو الزلازل أو..أو.. وبما يساعد على تكوين صورة متحررة من الاوهام أو الصورة المتوارثة عن تلك الموضوعات.

ولقد كان اقتراب البرنامج من البعد العملي للعلم في حياة أناس ومتابعته، أكبر انجازاته مما شجّع التلفزيون على ان يخصص لذلك برامجا مستقلة كبرنامج "العلم في العمل"، او تلك البرامج الخاصة بالاجهزة المنزلية وادامتها وهي ما تزال برامج لها جمهورها رغم الحاجة الى تطويرها. وفي أفياء شجرة القسم العلمي للتلفزيون ازداد وتعمق حضور الكادر العلمي الاكاديمي على شاشته وفي وعي جمهوره، وهذه بحد ذاتها قيمة ثقافية واجتماعية من حق التلفزيون ان يفخر بها ومن حقنا ان نتطلع لاستمرارها من خلال البرامج التي تواصل شوطها وريثة لأفضل تقاليد "العلم للجميع".

ان تحيتنا لكامل الدبّاغ وبرنامجه الرائد هي احتضان وتطوير افضل انجازاته، وهكذا لنا أن نأمل ان يستمر برنامجا "الطيف" و "العلم للحياة" بمتابعة الاصدارات العلمية التي تقع في دائرتي اهتمامهما وحبذا لو خصص كل منهما حلقة شهرية للاصدارات العلمية لتسمح بما هو اكثر من مجرد التنويه بعناوينها، كما ان التعريف بالاعلام عن العلماء الاحياء والراحلين في هذين البرنامجين والتعريف بالنظريات العلمية والمفاهيم العلمية، مسائل ضرورية لا تقل اهمية عن ملاحقة الجديد والتعريف به خبريا ... لتزداد الحصيلة الثقافية للبرامج العلمية وتتسع دائرة تأثيرها، ومما يساعد على ذلك الاتساع ان يبادر المخرجون الى تطوير هذه البرامج وطرق تقديمها وليس سرا انها تكاد تكون احاديثا إذاعية مصورة لولا الافلام العلمية التي ترافقها ... بل ان الموسيقى مازالت غائبة عنها حتى ولو كفواصل بين فقراتها وهو ما سبق ان لاحظته على البرنامج الرائد نفسه.

هي فرصة إذن لتحية عمل ريادي وصاحبه، وفرصة للحديث في مهام استمراره واحتضانها مع اسرة برنامج "الطيف" و"العلم للحياة" وكل اسرة القسم العلمي في التلفزيون, وعمرا مديدا أستاذ كامل وتحية الصبر الجميل ......

* مقالة مكتوبة في 7/6/1994