شيء عن جعفر العسكري

شيء عن جعفر العسكري

اعداد : عراقيون

مذكراته

قال الاستاذ نجدة فتحي صفوة: خّلف جعفر العسكري مذكرات مخطوطة أعدها باللغتين العربية والإنكليزية، لكن الأجل لم يمتد به لانجازها ونشرها، تاركاً مرحلة طويلة ومهمة من سيرته من دون أن تدون، فقد توقف في الفصل الذي تحدث فيه عن تعيينه حاكماً لحلب بعد احتلال سورية في سنة 1919. وكانت المذكرات ركاماً هائلاً من الأوراق باللغتين العربية والإنكليزية، وبقيت عند نجله الأكبر طارق الذي كان ينوي اكمالها ونشرها، فلم يمهله الأجل ايضاً. فتفضل حفيده جعفر طارق العسكري، باطلاعي عليها، فعنيت بتحقيقها تمهيداً لنشرها. وقد رأيت من المفيد أن ألحقها بسرد موجز لسيرة جعفر العسكري من الفترة التي توقفت عندها المذكرات حتى مصرعه الأليم في سنة 1936، وهي فترة عمله في العراق. وقد نشرت المذكرات باللغة العربية في سنة 1988. وفي السنة الماضية رأى أحفاد جعفر العسكري نشر مذكرات جدهم باللغة الإنكليزية أيضاً، تحقيقاً لرغبته، وحرصاً على اطلاع القراء بتلك اللغة على نطاق أوسع. وعني حفيده مصطفى طارق العسكري بترجمتها إلى اللغة الإنكليزية مع الملحق الذي أضفته اليها، وأسهمت مرة أخرى في تحقيق الطبعة الإنكليزية مع الباحث والناشر البريطاني وليام فيسي، وصدرت الطبعة الإنكليزية بعنوان: "قصة عسكري: من الحكم العثماني إلى العراق المستقل". وذكر الكتاب بالتقدير بين أهم الكتب الصادرة عن الشرق الأوسط خلال السنة الماضية. وكان ذلك تخليداً لذكرى شخصية مهمة بل فريدة في تاريخ العراق الحديث، ورجل قدّم لأمته وبلاده خدمات جليلة.

العسكري في ليبيا في الحرب العظمى

تقرر إرسال جعفر في غواصة ألمانية من الدردنيل إلى برقة. وهو يصف في مذكراته هذه السفرة المحفوفة بالمخاطر، ووصوله إلى مضارب السنوسي، ثم يتحدث عن السنوسيين وعاداتهم، وموقف السنوسي من الحرب، واصراره على تزويده بالمال والسلاح لمواصلة عملياته ضد الإنكليز. ويروي كيف تطوّع للعودة إلى مصر متخفياً بزيّ أحد الاخوان السنوسيين، متظاهراً بالسفر إلى الحج، ثم يصف بقاءه في الإسكندرية لمدة عشرة ايام، واتصالاته بالإنكليز خلال هذه المدة من دون ان يعرفوا هويته الحقيقية، ثم مغادرته على ظهر باخرة ايطالية إلى المياه العثمانية في يافا، ثم إلى القدس لمقابلة جمال باشا، قائد الجيش الرابع، ثم تحميله الاسلحة إلى السنوسي على سفينة شراعية، واقلاعه من بيروت مستصحباً معه ثمانية جنود من أبناء العرب في هذه الرحلة المحفوفة بالأهوال، ووصوله سالماً إلى ميناء بورت سليمان، ومحاولاته لاثارة السنوسي على البريطانيين، وبدء المعارك والحركات العسكرية في ليبيا، بينها "واقعة وادي ماجد"، و"واقعة بئر تونس" واخيراً "واقعة العقاقير" التي سقط فيها جريحاً، فأسره الإنكليز. واعتقل جعفر العسكري في معتقل الاسرى في المعادي، وهناك فكر في طريقة للهرب من المعتقل، فتمكن من اقتلاع قضبان الحديد من أحد شبابيك القلعة، ثم عقد "بطانيات" عدة ببعضها بعضاً، متخذاً منها حبلاً تدلى به ليلاً من الشباك ولكن "البطانيات" لم تحتمل ثقل جسمه لضخامته، فانفرط عقد احداها، وسقط جعفر على الارض واصيب برضوض وجروح، والقي القبض عليه في منتصف الليل، وأعيد إلى المعتقل .

وصف بريطاني للعسكري

جاء في التقرير السري الذي كانت السفارة البريطانية في بغداد تعده سنوياً عن الشخصيات الرئيسية في العراق، لسنة 1935 والمحفوظ في دار الوثائق البريطانية الوصف الآتي لجعفر العسكري: "... يتكلم العربية والتركية والكردية والأرمنية والفارسية والألمانية والفرنسية والإنكليزية. ضخم الجسم، متقلب المزاج بطبيعته. نزيه. حسن النية ولطيف المعشر، وان كان خاملاً بدرجة لا يواجه معها الحقيقة حينما تكون مزعجة. ميال إلى تبني موقف أقل مقاومة، منتظراً ما فيه الخير. ليست له قدرة على الدسائس، ويخدع بسهولة. متكلم جيد، وتكتيكي ممتاز، لكنه ليس استراتيجياً. شجاع ويقظ في المعارك.

تشرشل يتحدث عن العسكري

بتاريخ 14 حزيران 1921م وقف وينستن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا امام مجلس العموم البريطاني وعلى مسامع البريطانيين والقى خطابا ذكر فيه تفاصيل مهمة عن جعفر العسكري قال فيه:

لقد تم تأسيس الجيش العربي بادارة جعفر باشا العسكري وزير الدفاع الحالي في العراق،ولا أعلم فيما اذا كانت اللجنة تتذكر السيرة الرومانتيكية لهذا الرجل ،ولاشك عندي ان زميلي الشهم عضو مجلس العموم السر سي تاونسند على معرفة جيدة بها ، لقد بدأ الحرب يقاتل ضدنا فى الدردنيل وحصل على الصليب الحديدي الالماني ، ثم جاء الى الصحراء الغربية حيث تولى قيادة جيش السنوسي ضدنا ، وخاض فيما اعتقد ، ثلاث معارك انتصر في اثنتين منها ، ولكن الثالثة لم تكن موفقة من وجهة نظره فجرح في المعركة ولاحقته كتيبة دوستشاير يومانري ، واخيرا قبض عليه في ساحة المعركة. ونقل الى القاهرة اسيرا وأحتجز في القلعة ، وقد حاول ان يهرب ولكن نظرا لضخامة جسمه نوعا ما انقطع به الحبل الذي كان يتدلى به من جدار القلعة ، فوقع في حفرة وكسرت رجله، وبينما كانت جروحه تلتئم في المستشفى قرأ في الصحف ان الملك حسين شريف مكة قد اعلن الحرب على الاتراك ، ووجد نفسه فورا في الجانب المعاكس للجانب الذي كان يحارب معه حتى الان ولذلك اجرى اتصالات بزعماء العرب في مكة ، وبعد شيء من التردد انيطت به قيادة الجيش ، وسرعان ما حصل على ثقة عالية ، وبرز كثيرا فى القتال الذي دار خلال السنتين التاليتين،وأخيرا منح وسام القديسين مايكل وجوج من قبل اللورد اللنبي محاطا بدائرة من القوات البريطانية التي كان معظمها ينتمي الى كتيبة دو ستشاير يومانري التي اسرته ، هذه هي شخصية وزير الدفاع العراقي ، وهو بطبيعة الحال من رجال شريف مكة المخلصين.

رثاه الشاعر معروف الرصافي فقال:

للجعفريين شهادة الأبرار
هذا قضى بيد اللئام مضرجاً
هذا لموطنه وذاك لربه
يبكي العراق لفقد سائس حكمه
يزهو محياه الوضيئ كأنه
يبكي بكاء المتقين تضرعاً
وتراه يعمل في المقر معبساً
وتراه بين مجالسيه ممازحاً
هذا هو البطل فجعت به
للعسكري وجعفر الطيار
بدم وذاك بأنصل الكفار
وقفا أجلّ مواقف الأبرار
شجواً وقائد جيشه الجرار
قمر يشــــــــــع إليك بالأنوار
طوراً ويضحك ضحكه الفجار
ويهش مبتسماً الى الزوار
وتراه مصطبخاً بيوم شجار
صيد البلاد وسادة الأمصار