ناظم الزهاوي.. شخصية فكرية وسياسية وادرية ناجحة

ناظم الزهاوي.. شخصية فكرية وسياسية وادرية ناجحة

زهير كاظم عبود

يمكن ان نتمسك بالنتيجة التي سجلها ناظم الزهاوي خلال سيرته الناصعة في النزاهة والوقوف مع القوى الديمقراطية سلوكا ونهجا وعقيدة ، ليعكس ذلك في تجربته العملية سواء في المراكز الوظيفية التي تنقل بها ، او في مواقفه السياسية مع حزب الاتحاد الوطني والذي كان احد مؤسسيه ،

والتزامه بسياسة الإصلاح منهجا ، ودخوله في معترك المعارك السياسية ضد الحكومات المتعاقبة التي كان الفساد ومعاداة الفكر الديمقراطي قاسمها المشترك ، يتبين ذلك من خلال كتاباته وميوله ومحاكماته بعد القبض عليه ، وموقفه من جماعة الأهالي ، وقبل هذا الدعم الذي تلقاه من الشخصية الوطنية والدينية جعفر ابو التمن ليكون مع عدد من رجالات العراق نواة الاصلاح والديمقراطية ومساندة الاحزاب الوطنية الفاعلة في الساحة العراقية ، بل ولعله كان من بين المثقفين القلائل الذين اتصلوا بحركة الفكر العالمي .

يقول الأعسم في مقدمة كتابة عن ناظم الزهاوي ((أن ناظم عبد الجليل الزهاوي لم يكن واعظا أخلاقيا للإصلاح، أو منتفعا من وراء الدعوة أليه ، فقد جعل من هذا المبدأ قضية حياتية ومفردة تطبيقية في نشاطه الوظيفي والسلوكي والاجتماعي ، وحمل معه الى تجربته في العمل السياسي المنظم في إطار حزب الاتحاد الوطني ، كما أنه لم يتوقف عند التأصيل الحركي لفكر الإصلاح ، إذ يمكن اعتبار حماسته الشديدة لتوحيد أحزاب وأطياف الفعاليات الديمقراطية واللبرالية ، غير الماركسية ، في حزب أو تنظيم واحد ، ضمانة لإصلاح الدولة ومكافحة الفساد والتخلف والعلل الإدارية والسياسية في المجتمع العراقي )) ، وهو بذلك يبسط منهجية الزهاوي ، وندرك معه كم نحن اليوم بحاجة لمثل هذا المنهج الفاعل .

ويتمتع الزهاوي بشخصية فكرية وسياسية وإدارية ناجحة ومرموقة ، التصق فترة غير قصيرة مع رفاقه كل من عبد الفتاح إبراهيم والشهيد عبد الرحيم شريف وعزيز شريف وعبد الوهاب محمود ومحمد حديد ، حتى يمكن ان نعد الزهاوي واحدا من ابناء الجيل الثاني ابناء الدولة العراقية الأوائل ، سواء منها ما يتعلق في مجال إدارة الدولة المبني على قاعدة النزاهة والغيرة والحرص على المال العام ، واعتماد السبل العلمية والمهنية في تطبيق المسارات الإدارية والقانونية ، أو ما يتعلق بتقديم المعارف ذات الصلة بمشكلات البناء وترصين أسس القواعد العصرية في بناء الدولة .

ولعل تنقل الزهاوي بين الوظائف الحكومية وممارسة العمل الحر في المحاماة كشف لنا صفحات من سيرته ومواقفه الإنسانية ، ومع انه أدار تلك المؤسسات بكفاءة ونزاهة عالية المستوى ، فأنه لم يتأثر بالمركز الوظيفي أو لم يكن يخشى رجالات الحكم ، فقد استقطب شخصيات يسارية معروفة ، واستقبل اعداد من المفصولين السياسيين ليعيد توظيفهم ، مما جعل الادارات التي ترأسها ناجحة ومتميزة .

ومن يطالع كتابات ناظم الزهاوي يدرك تلك النزعة اليسارية والاشتراكية والمعارضة الإصلاحية والتناغم الحاصل المنسجم مع أفكار وقيادات الحزب الشيوعي العراقي ، دون أن يرتبط بالحزب ، ولم تعيقه مشاغل الوظيفة العامة عن متابعة مجريات الأمور والتواصل مع رموز المعارضة والاصلاح ، ولعل مواقف الزهاوي مع الشخصيات اليسارية تنم عن شجاعة ، وحقق مالم يحققه اي موظف كبير في مرفق حساس في مجال اصطفاء الكادر النزيه المتمثل بطبقة الاصلاحيين واليساريين والشيوعيين امثال الفنان نوري الراوي وبدر شاكر السياب ورشيد ياسين وكاظم السماوي وعامر عبدالله وخالص محي الدين وزكي عبد الوهاب ونجيب المانع ومحمد شرارة وابراهيم اليتيم وطلعت الشيباني وعبد اللطيف الشواف وشكري صالح زكي وعبد الجبار وهبي ( ابو سعيد ) وغيرهم العديد من تلك الاسماء .

مثل العراق في العديد من المحافل الدولية ، كما أدار مؤسسة أموال القاصرين التي تحولت الى دائرة رعاية القاصرين ووظيفة المفتش العام المالي للبنك الصناعي والمدير العام لمجلس الحبوب والمدير العام لوزارة الاقتصاد وعضو مجلس ادارة شركة نفط العراق وممثلها في المملكة المتحدة مدافعا عن حقوق العراق ، بالإضافة الى تكليفه بعد قيام الجمهورية الاولى بإدارة شركة الزيوت النباتية خلفا للراحل محمد حديد الذي عين وزيرا للمالية ، وكانت هذه الشركة العقل المدبر لأنشائها ، ثم مديرا عاما لمديرية الاستيراد ، وبعد هذا لإدارة البنك المركزي حيث كان له الدور المتميز في خروج العراق من المنطقة الأسترلينية وفي إنهاء تجميد الأرصدة العراقية في البنوك البريطانية ، حتى حلول عام 1960 ليحل وزيرا للتجارة.

بعد انقلاب شباط 1963 كان الزهاوي في لندن يعالج زوجته فبقي فيها ، وفي بلد مضطرب لا يجعل للطاقات والكفاءات مكانا ، ويطارد المبدعين والذين تحلوا بالمواقف الإنسانية والوطنية ، ويحجز اموالهم ويمنع سفرهم لم يكن هناك مكانا فيه لناظم الزهاوي ، ولمكانته العلمية وتجربته ونجاحاته المرموقة استدعته السعودية من لندن لينشئ لهم البنك المركزي ، وخلال عمله في السادس من تشرين الثاني 1964 رحل الزهاوي بعيدا عن بلاده ممتلئا بالحسرة ، ومما زاد العراقيين عموما واهله حزنا أن يرفض عبد السلام عارف رئيس الجمهورية آنذاك استقبال جثمانه ليدفن في تراب اهله ، بما عرف عن عبد السلام من أمراض وأحقاد وطائفية دفينة احترقت معه ، فدفنته العائلة في مقابر مدينة الرياض ككل العراقيين المدفونين في الغربة .