عزيز شريف يُدافع عن ناظم الزهاوي ورفاقه

عزيز شريف يُدافع عن ناظم الزهاوي ورفاقه

د . وسام هادي عكار

قدّمت محكمة جزاء بغداد الأولى عدداً من قادة حزب الاتحاد الوطني للمحاكمة منهم ناظم الزهاوي، المدير المسؤول لصحيفة السياسة ، لنشره مقالاً بعنوان ( مذبحة كاوور باغي )، هاجم فيه وزارة أرشد العمري لضرب الشرطة العمال المضربين بالرصاص، أما موسى الشيخ راضي، وشريف الشيخ ،

حيث نشرا مقالات هاجموا فيها سياسة الحكومة ، وكانت التهم الموجهة إليهم أن مقالاتهم تشجع على كراهية الحكومة ، بأقامت المحكمة دعوى أخرى على ناظم الزهاوي، وعبد الله مسعود، بسبب نشر الأخير مقالاً في صحيفة السياسة أثار الرآي العام بعنوان :( تحرج الحالة وأسبابها وموقف الأحزاب منها).

بدأت محاكمة هؤلاء المتهمين في ( 11 آب 1946) ، فتكفل للدفاع عنهم تسعة عشر محامياً يتقدمهم عزيز شريف ، واقتصر دفاع عزيز شريف، أولاً على موسى الشيخ راضي ، وناظم الزهاوي ، متوجهاً بمجموعة من الأسئلة إلى هيئة المحكمة منها : لماذا يقف موسى الشيخ راضي، وناظم الزهاوي، في قفص الاتهام ؟ ألأنهما سرقا أموالاً من الناس ؟ أم لأنهما أرتشيا ؟ أم لأنهما قتلا نفساً بريئة ؟ أم اعتديا على أحد ؟ فأجاب: بالطبع لا، وفي دفاعه عن موسى الشيخ راضي، أشار إلى أنه عضو في حزب الاتحاد الوطني ، ورغب هذا الحزب أن يقف على حقيقة إضراب عمال شركة النفط في كركوك ، فأنتدبته لجنة الحزب ، وكلفته بالتحري عن الحقائق من مصدرها ، فسافر إلى هناك ووضع تقريراً تضَّمنه الحقائق التي توصل إليها من خلال شهود عيان ومن مراجعته لدوائر الحكومة ، وقدّم هذا التقرير إلى لجنة الحزب الذي أنتدبه ، فنشرته صحيفة السياسة التي أصبحت جريدة السياسة لسان حال حزب الاتحاد الوطني ، بعد تعطيل صحيفة الرأي العام ، فصدر العدد الأول منها في 7 تموز 1946 ، أما ناظم الزهاوي ، فقد ذكر عزيز شريف ، أن سبب مثوله أمام المحكمة هو أن الحقائق التي وردت في تقرير موسى الشيخ ، لم تحظَ بقبول بعض الجهات السياسية وبما أن ناظم الزهاوي، هو المدير المسؤول عن صحيفة السياسة ، فأن الحكومة وجدت من وجهة نظرها ، ما قام به جريمة يعاقب عليها .

رأى عزيز شريف ، إن موكليه لو كانا يقفان أمام هذه المحكمة بسبب ارتكابهما عملاً مضراً متفق على ضرره لكان هناك بحثاً آخر ، ولكن قيام موسى الشيخ، بواجبه الوطني والحزبي ، برفعه هذا التقرير الذي وصفته الحكومة بالمنشور، فإن هذا يخالف القانون ، وأردف قائلاً « لا يخفى على هيئة المحكمة إن قضايا النشر من القضايا التقديرية ، وعلى هذا فمن الجائر أن ينال أحد الناس عقاباً شديداً بدخوله السجن لنشره مقالاً معيناً ، ويبقى شخص آخر طليق مع أنه نشر مثل هذا المقال ، لا لسبب وجود فارق بين المقالين ؛ بل بسبب الاختلاف في ذهنية الذين قيّموا المقال الأول والثاني» .

استطرد عزيز شريف دفاعه، مضيفاً إن القضاء النزيه هو الذي يحمي الناس من جَورِ السلطة التنفيذية والإدارية ، وهو الذي يحقق العدل والحرية ، ويوحد بين حظوظ المتهمين الذين تجري بحقهم التعقبات القانونية ، مبيناً ليس القضاة وحدهم هم الذين يحمون الناس بهذه الصورة ، بل إن المبادئ القانونية أيضاً تفرض عليهم هذه الحماية ، وقد أوضح عزيز شريف إلى وجود فرق مهم بين الغاية التي تنبعث لنشر الأخبار الاصطلاحية ، والغايات لنشر أخبار يعاقب عليها القانون ، ففي كلا الحالتين يتهم المتهمون بجرائم النشر، ولاسيّما ما يتعلق منها بانتقاد الحكومة ، مؤكداً أن منشأ اتهامهم على ما نشروه ، هو الاختلاف بينهم وبين الحكومة في وجهة النظر وفي طرق إصلاح المجتمع وتأمين حاجياته .

أما في دفاع عزيز شريف،عن شريف الشيخ، الذي نشر مقالاً تطرق فيه إلى ما قامت به الشرطة في مديرية الميناء في البصرة ، واضطهادها لعمال الميناء بعنوان: ( اضطهاد نقابة عمال الميناء ) ، وعن عبد الله مسعود القريني الذي نشر مقالاً عن الثورة العراقية الكبرى عام 1920 بعنوان :( الثورة المنسية ) ، تسائل عزيز شريف ، ما هو القصد الذي يقصد بهما نشر المقالين المذكورين ، فمقال شريف الشيخ كان بهدف الدفاع عن نقابـة العمال والتنديد بما قامت به الشرطة في هذه النقابة ؛ أما مقال عبد الله مسعود القريني ، فكان هدفه التمجيد لرجال ثورة العشرين ، الذين كانت دماؤهم وأرواحهم الطاهرة ثمناً لقيام حكماً وطنياً ، وختم عزيز شريف دفاعه مطالباً المحكمة بإلغاء التهم وتبرئة موكليه .

على أثر دفاع عزيز شريف ، أعادت المحكمة الحكم مرة ثانية ، فقررت الإفراج عن ناظم الزهاوي ، وعبد الله مسعود ، وتخفيف العقوبة على موسى الشيخ راضي ، وشريف الشيخ ، وتعطيل صحيفة السياسة إلى أربعة أشهر ابتداءً من (21 آب 1946)، علماً أن العقوبة السابقة كانت تقضي بحبس عبد الله مسعود وشريف الشيخ وموسى الشيخ راضي شهرين ، وحبس ناظم الزهاوي لمدة شهر واحد ، فضلاً عن تعطيل صحيفة السياسة لمدة سنة واحدة .

عن رسالة : عزيز شريف ودوره