من ذكريات الاستاذ سجاد الغازي..كيف كان قادة أيام زمان يكتبون مقالاتهم السياسية ؟

من ذكريات الاستاذ سجاد الغازي..كيف كان قادة أيام زمان يكتبون مقالاتهم السياسية ؟

زين احمد النقشبندي

الذي يتعرف او يعرف جيدا استاذنا سجاد الغازي عن قرب سوف يكتشف بسرعة ويدرك ويؤمن بمالايقبل الشك انه موسوعة صحفية توثيقية لكل مفردات وتقاليد العمل الصحفي الذي كان سائدا في اربعينيات القرن الماضي تلك الفترات التي كانت بداية عمل استاذنا الغازي بالصحافة والمدارس الصحفية التي كانت سائدة في ذلك الوقت مع اسماءاشهرالصحف التي كانت تصدر في تلك الفترة واوقاتها وانواعها سواء كانت يومية ام اسبوعية ،

صباحية ام مسائية واسماء الصحفيين ورؤساء الصحف ومؤسسيها وكتاب الاعمدة. والحديث يطول والوقت ينفد من بين ايدينا وهو يحدثنا عن تلك الايام، وهو بعد متابع وموثق ومؤرخ منذ تلك الفترة ولحد الان، اضافة الى كونه كان وراء صياغة وتشريع كل القوانين التي صدرت للصحفيين .

ان غزارة المعلومات وندرتها اضافة الى معرفة خبايا الاحداث التي حدثت في تلك الفترة من تاريخ العراق وشخصية الاستاذ الغازي المتميزة وذاكرته الوقادة العامرة وكلامه المقرون بالوثائق وبالدلائل، كل هذه الاشياء مع قلة الذين كتبوا وارخوا لتاريخ الصحافة في تلك الحقبة المهمة من تاريخ العراق تجعل القارئ والمستمع لحديثه الرائد ذامعنى وفائدة .وانا على يقين ان الكثيرمنها لم يسمع بها اويجدها عندغيره من المؤرخين وكتاب المذكرات والسير. وفي راينا ان الاستاذ سجاد الغازي يمثل حاليا بذاكرته القوية الوقادة كنزاكبيرا اوموسوعة صحفية تاريخية للكثير من الاحداث العراقية والعربية والاجنبية بحكم عمله الطويل في العديد من المنظمات ومشاركاته الكثيرة في اهم اللقاءات والمؤتمرات لمدة تجاوزت السبعين عاما واكثروهو قبل هذا وذاك كان مشاركا في الكثيرمن هذه الاحداث اواحد صانعيها اوالمساهمين فيها. واستطيع ان اقول من خلال معرفتي بالاستاذ الغازي “ اطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية لما افادنا واستفدنا من ذكرياته وارشاداته التي جعلناها نبراسا يضئ طريق عملنا في الصحافة وخلال لقائتنا العديدة بالاستاذ الغازي في بيته العامر روى لنا واطلعنا على بعض ما دون من ذكريات سليط الضوءعلى عمله الوطني ومسيرته الصحفية التي ابتدأها في اربعينيات القرن الماضي ومما ذكر لنا عن قادة ايام زمان وكيف كانوا يكتبون مقالاتهم السياسية قال:-

في تشرين الثاني من عام 1952 انطلقت مظاهرات شعبية اثر مطالبة احزاب المعارضة بالاخذ بنظام الانتخاب المباشر بدلا النظام السائد بالانتخاب على مرحلتين ، وخشية من الامير عبدالاله الوصي على العرش من ان تتطور المظاهرات متاثرة بقيام ثورة 23يوليو(تموز)في مصر فكلف الامير عبدالاله رئيس اركان الجيش الفريق نور الدين محمود بتشكيل الوزارة واعلان الاحكام العرفية وكان من اجراءات الوزارة تسعير معروضات الاسواق الغذائية ، وانتشرت بين الناس برقية ارسلها احد المواطنين الى رئيس الوزراء للسخرية من التسعيرة قال فيها ( تسعيرتكم الشلغم اثلج صدورنا) والمعلوم ان الشلغم من الاغذية الساخنة في الشتاء :؟ ومن الاجراءات التي اتخذتها وزارة الفريق نور الدين محمود حل الاحزاب السياسية وتعطيل صحفها .

وبعد اشهر قليلة اصدر الراحل قاسم حمودي جريدة كان يحتفظ بامتيازها الذي كان باسمه وكان عنوانها ( صدى لواء الاستقلال ) لتكون بديلا عن جريدة (لواء الاستقلال) لسان حزب الاستقلال وتولى معلمي الراحل فيصل حسون سكرتارية تحريرها وتقرر استكتاب قادة احزاب المعارضة التي اغلقتها الوزارة وكلفت بمهمة الاستكتاب ، وكان اول من وقع الاختيار عليه لاستكتاب هو الراحل كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي المعروف عنه سياسيا صلابته وتزمته .. فقصدته في داره بشارع نجيب باشا فاستقبلني في مكتبه فماذا وجدت ؟ وجدت نفسي وكانني في محطة كهربائية حيث تمتدد الاسلاك الكهربائية من مكتبه وتتشابك مع بعضها وتتصل بعشرات (السويجات) يمينا” ويسارا” ومن امامه وخلفه واتضح ان هذه من هوايات القائد السياسي الجادرجي ......وسلمني مقالته وطلب ان اتلوها امامه وابلاغه بأية ملاحظة اجدها على فقراته فاعتذرت بانني وانا كصحفي شاب في عمر الثالثة والعشرين لست مؤهلا” للبت في مايكتبه سياسي وطني مارس العمل السياسي اعواما” هي ضعف عمري وله مكانته السياسية فيالمجتمع العراقي ... هكذا كان خلق قادة ايام زمان من التواضع ، وفي موقف مماثل حصل لي مع الاستاذ محمد حديد نائب رئيس الحزب الوطني الديمقراطي والاقتصادي المعروف وصاحب معامل الزيوت النباتية وطلب هو الآخر ان اقرأ ماكتبه لجريدتنا وابداء رأيي وملاحظاتي على ماكتب وهو الاقتصادي الضليع واعتذرت ايضا بان ادبي لايسمح لي بمثل هذه الجرأة وموضوعيا” لست مؤهلا” لمثل هذه المهمة ولكنه اصر على لمعرفة ما اذا هناك اية ملاحظة او رأي ما ؟ واضطررت الحاحه ان اقرأ الموضوع وعندما انتهيت قال دعني اسمع رأيك فقلت له : ان ما قرأته هو اشبه بجدار متراص لا تستطيع ان تنزع طابوقة منه او كمسألة رياضية دقيقة في حساباتها لا تستطيع ان تتلاعب بأي من ارقامها ، وفي العام التالي 1954 عادت (لواء الاستقلال) الى الصدور وعاد حزب الاستقلال الى ممارسة عمله الوطني بعد صدور قرار جهة قانونية بعدم صواب قرار السلطة التنفيذية باغلاق الاحزاب وفي هذه المرحلة تخلى فيصل حسون عن مهمة سكرتارية تحرير الجريدة وكلفت من قيادة الحزب بتولي هذه المهمة الصعبة التي اتاحت لي الاطلاع على اساليب قادة الحزب في الكتابة ..

كانت مقالات الراحل فائق السامرائي نائب رئيس الحزب تتميز بدقة وجمال العنون الذي يختاره فمثلا كتب عند عودة وزير الاقتصاد عبدالمجيد محمود وكان ضمن الوفد الذي ترأسه نوري السعيد وعضوية نديم الباجه جي المدير في وزارة الاقتصاد ، علق فائق السامرائي على ذلك بمقال عنوانه ( وعاد بخف واحد).

كما كان يختم مقاله بقول مأثور او ييت من الشعر يلخص الموضوع او هدف مقاله.

اما الرحل محمد صديق شنشل امين السر العام لحزب الاستقلال فكانت مقالاته تستنفذ عددة صفحات لانه يكتب الكلمات بحجوم كبيرة ولانه كان يميل في كتاباته الى الاطالة وربما تأثر في ذلك بالفرنسيين عندما كان يدرس في باريسوالمعروف عنهم ميلهمللاطالة في الكلام وفي الكتابة ، وهذا غض من فيض .