مصطفى صفوان.. إبن اللغة العربية الذى أقام فى فرنسا

مصطفى صفوان.. إبن اللغة العربية الذى أقام فى فرنسا

شيماء شناوى

ــ قال إنه لا مستقبل لعلم النفس فى العالم العربى إلا بوجود نهضة فكرية شاملة

ــ اهتم بالترجمة وانشغل بسؤال: لماذا العرب ليسوا أحرارًا؟

كانت اللغة بشكل عام طريقه الأساسى إلى علم النفس، إذ قال عنها: «نحن أبناء اللغة قبل أن نكون أبناء آبائنا وأمهاتنا». وأكد أنه لا مستقبل لعلم النفس فى العالم العربى إلا بوجود نهضة فكرية شاملة. وبرغم عشقة للغة لم يقف «صفوان» ضد الكتابة باللهجة العامية المصرية، بل دعمها وبادر بترجمة أجزاء من مسرحية «عطيل»، للأديب الإنجليزى وليم شكسبير مستخدمًا العامية.

إنه الفيلسوف والمحلل النفسى المصرى مصطفى صفوان «1921 ــ 2020»، الذى رحل عن عالمنا بمقر إقامته فى باريس، وهو يعد أحد أبرز علماء النفس المعاصرين، وشيخ علماء التحليل النفسى فى فرنسا، وواحدا من أشهر علماء النفس المصريين، صاحب العديد من المؤلفات المكتوبة بالفرنسية والتى تُرجمت بعضها إلى العربية.

ولد «صفوان» بمدينة الإسكندرية، وتخرج فى جامعة فاروق الأول «جامعة الإسكندرية»، عام 1934، ‬بعد أن درس الفلسفة على يد كبار الأساتذة منهم: الدكتور يوسف كرم، والدكتور أبو العلا عفيفى ومنهم أحب الفلسفة. فى عام 1945 قرر السفر لاستكمال دراسته العليا فى جامعة السوربون بباريس. عاد مرة أخرى للعمل فى الجامعة المصرية قبل أن يقرر الهجرة إلى فرنسا.

فى باريس ارتبط بعالم النفسى الفرنسى الشهير «جاك لاكان»، وأصبح من تلاميذه ومريديه. وعن حجم تأثره به يقول: «لفت انتباهى باهتمامه باللغة والكلمة ووظيفتها، ومن ثم تغير مجرى حياتى كله».

يقول الدكتور «صفوان»، إن أهم فرصة منحته إياها الحياة هو ميلاده فى عصر النهضة الثقافية المصرية، والحرية الفكرية التى تأسست مع أقلام كبار الكُتاب ابتدءًا من عبدالرحمن الرافعى، والعقاد، وطه حسين، والمازنى، وغيرهم. بالإضافة إلى انفتاح العالم العربى على الغرب وازدهار حركة الترجمة وإنشاء لجنة «التأليف والترجمة والنشر»، الأمر الذى جعل الكتب الأدبية والعلمية المترجمة تفوق النصوص الأصلية من حيث الجمال، حسبما صرح فى إحدى لقاءاته التلفزيونية المسجلة. ويرى شيخ علماء التحليل النفسى، أن أبرز المحطات الفارقة فى حياته، والتى شهدت أولى أزماته النفسية، كانت وهو بعمر 4 سنوات لحظة إلقاء القبض على والده الشيخ الأزهرى، واقتياده من المنزل مجبرًا بتهمة «الشيوعية». وأن هذه كانت صرخته الأولى ضد الظلم. فيما حاولت الجدة محو آثار هذه الأزمة النفسية خلال السنوات الثلاث اللاحقة وحتى خروج والده من السجن.

انشغل المفكر الراحل طوال حياته بالأدب والثقافة والترجمة، وأصدر العديد من المؤلفات نذكر منها: «الكلام أو الموت، عشر محاضرات فى التحليل النفسى، الكتابة والسلطة، اللغة بما هى نظام اجتماعى، ضيق فى التحليل النفسى، لماذا العرب ليسوا أحرارًا، نحو عالم عربى مختلف، دراسات فى الأوديب، البنيوية فى التحليل» وغير ذلك. ويرى صاحب كتاب «الكتابة والسلطة»، أن جريمة الطغاة فى العالم هى التشبه بالآله، وأن الحكام يتعاملون مع الشعوب بغير مسئول، بخاصةٍ الشعوب العربية التى أنشأت دولا ثم صارت عبيدًا لحكامها، مشيرًا إلى أن هذا هو أساس الخنوع الذى فُطّر عليه العرب، فضلًا عن أن حكام الدول لم يسمحوا بالتفكير والتعبير بالكتابة وتعاون الأفراد، وبالتالى أصبح لا يربط أفراد الشعب ببعضه إلا الزعيم فإذا توفى أسقط فى يديهم ولم يبق أمامهم غير انتظار الزعيم القادم.

وعن تزايد حالات العنف فى البيئة المصرية التى تميل بطبيعتها إلى المحبة والخير والسماحة، إلى حالات العنف المتزايدة خلال السنوات الأخيرة؟ يقول الدكتور مصطفى صفوان، أن السبب الرئيسي هو «الفردية» التى حدثت نتيجة التفكك الأسرى، وفشل النظام السياسى فى جميع وجباته الاقتصادية والسياسية والتعليمية والصحية والاجتماعية وغير ذلك من الأمور التى يشعر معها الفرد بالظلم فيفكر حينها بالسيطرة الفردية ومنها يلجأ إلى العنف كحل بديل.

ويرى صاحب كتاب «لماذا العرب ليسوا أحرارًا»، أن النهضة الحقيقة للدولة المصرية تحتاج إلى تغير النظام التعليمى بأكمله، مع إمكانية نشر الحقائق وإعلام الناس بها، والسماح للكُتاب والمثقفين والمؤرخين بكتابة الحقائق، والابتعاد عن المؤلفات التى يروج لها وهى مليئة بالجرائم والأكاذيب، حسبما قال.

يشير الدكتور مصطفى صفوان فى كتابه «الكتابة والسلطة» إلى الأسباب التى دعته إلى ترجمة كتاب «مقال فى العبودية المختارة» للكاتب الفرنسى آتين دى لابوسيه ومنها تخلفنا العقلي ــ على حد تعبيره ــ الذى يتجلى أوضح ما يتجلى فى فقر فلسفتنا السياسية التى انحصرت فى بضع قضايا صارت تجرى مجرى البديهيات، فلم نعد حتى نحلم بمراجعة أنفسنا، رغم شبهها الجوهرى بتلك التى سادت فى الغرب إبّان العصور الوسطى، التى لم يتوقف تعمقها هناك ونقدها حتى اليوم، مثال ذلك وقوفنا عند إبراز وحدة المجتمع المبنية على التاريخ واللغة والقصيدة مع إغفال انقساماته المبنية على استغلال الناس بعضهم بعضا إذا استطاعوا.

عن المصري اليوم