الدكتور محمد حسين آل ياسين محققا لغويا

الدكتور محمد حسين آل ياسين محققا لغويا

سامرة عدنان محمد

بذل الدكتور آل ياسين جهوداً مهمة في مجال التحقيق ، و كان له فضل في تحقيق ثلاثة كتب في الأضداد و هي: أضداد أبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224هـ ، و الأضداد لأبي محمد عبد الله بن محمد التوزي المتوفى سنة 233هـ و أضداد جمال الدين بن بدر الدين المنشي ، و شرح القصائد السبع لأبي الحسن بن كيسان المتوفى سنة 299 هـ أو ما بقي منها .

وتحقيق النصوص يُظهر جهد العالم ومكانته استناداً إلى ما يتلمسه المختصون من مستوى المحقق في تجلية النصّ وتقويم ما اعتراه من وهن وما أبرزه من موازنة ونقد بالنصوص المماثلة ...، و مراحل تحقيق النصوص هي :-

أولاً : إختيار المخطوط

ثانياً : جمع النسخ ( الأصول )

ثالثاً : فحص النسخ

رابعاً : النسخ و المقابلة

خامساً : الدراسة

سادساً : الفهارس

سابعاً : الإخراج الطباعي

و لا يخفى على الدارسين و الباحثين الصعوبات التي يواجهها العلماء المحققون من الأساتذة الأفاضل من الذين بذلوا الجهود العظيمة لإخراج تراثنا العربي الإسلامي إلى الوجود من جديد إخراجاً رائعاً تليق بمكانته.

وقد التزم الدكتور آل ياسين بالخطوط الرئيسة في عمل المحقق منها :

1 – تخريج الشاهد الشعري من الدواوين أو المجموعات الشعرية في أدق ما يمكن أن يكون.

2 – التعريف بالأعلام بوجازة ودقة متناهية تحيل القارئ على المراجع والمصادر المناسبة.

3 – تخريج الشواهد القرآنية و الحديثية بعد تدارك ما فيها من خطأ النساخ.

4 – ضبط النص بالشكل و إكمال ما نقص منه بالطمس و الخرم بما يقتضيهِ السياق فضلا عن جعل النص في أفضل ما يمكن أن يكون.

فإن للدكتور آل ياسين همة و طول نفس في متابعة الموضوعات . ولا سيما فيما تابع كتاب الأضداد للتوزي ، باحثاً عنه لعدم عثوره عليه في فهارس المخطوطات المتوافرة و قام بجمع آرائه و نظراته في الأضداد من كتب الأضداد خاصة و كتب اللغة العامة ، و قد استطاع بهذا الجمع أن يصل إلى صورة قريبة من الكتاب المفقود إلى أنْ وَجَدَه و قد سَلِمَ من عوادي الزمن لذلك أُقرر أن الدكتور ضليع و متابع و لذلك جاءت تحقيقاته في كتب الأضداد دقيقة تدل على طول باعه وتميزه بل تفرده في سعيه لإتمام هذا الباب.

ومن جهوده انه توصل بنظره الثاقب ، و دقته في البحث و علمه بالمصادر

و قدرته على قراءة ما بين السطور استطاع أن يعيد حقاً قد غُمِط و إعادة الأمور إلى نصابها نصل منها ((إلى أن الأخفش تتلمذ في العروض لسيبويه لا للخليل و أنه تتلمذ في النحو و اللغة كذلك . فسيبويه هو أستاذهِ المباشر و هو الطريق إلى الخليل أو بعبارة أخرى هو الحلقة المفقودة بين الخليل- مستنبط العروض ببحوره الستة عشر جميعاً- و بين الأخفش طريق الدارسين إلى هذا العروض)).

لقد أثبت الدكتور بالأدلة القاطعة و الشواهد التاريخية و بمقارنة كتاب العروض للأخفش بكتاب سيبويه بأن الكتاب الذي نسبه الأخفش لنفسه إنما هو كتاب يعود بالأصل إلى تأليف الخليل بن أحمد هذا العبقري الذي استطاع استنباط علم العروض الذي لم يسبقه سابق إليه ، هذا العالم صاحب القدح المعلى في اللغة و النحو

و علمه الواسع في الرواية و اللهجات و بما يمتلكه من عقلية علمية مستنبطة ، و من خلال ما أوضح لنا الدكتور و بجهوده و دأبه على التواصل إلى الحقائق ، نستطيع الآن أن نجزم أن الكتاب هو للخليل بن أحمد الفراهيدي، وقد قيل كتاب سيبويه علم الخليل.

وتنوعت جهود الدكتور آل ياسين من دراسة وبحث وتأليف في اللغة والصرف والنحو والتحقيق ودراسة المصادر العربية إلى نقد التحقيق .. ومن المؤكد أنَّ جهودهُ في نقد التحقيق هي محصلة ناتجة من سعة اطلاعه وخبرتهِ وعلميتهِ فتجمعت هذه المواد لتظهر ملكة إضافية من ملكاتهِ فهو قادر على تتبع الغفلات والزلات والهنات، لينبه عليها تنبيه العالم المتواضع. وليس وراء ذلك إلا إغناء المكتبة العربية وإفادة طلاب العلم ودارسيها.

لقد حظيت المكتبة اللغوية بمجموعة طيبة من مؤلفاته وقد نالت هذه المؤلفات الإعجاب والتقدير ، ومنها كتاب (الأضداد) الذي نال به شهادة الماجستير الذي حَظِيَ بالاهتمام الكبير وكتابه الدراسات اللغوية عند العرب حتى نهاية القرن الثالث الهجري والذي نال به شهادة الدكتوراه وهذا الانسجام بين الدراستين قد هداه إلى تلمس أصالة العربية وأصالة العرب في دراستهم ،وحسن تناولهم موضوعات العربية بالدرس والبحث وقد استطاع الدكتور محمد حسين آل ياسين بجده ومثابرته وألمعيته أن يقدم أصول الدراسات اللغوية واتجاهاتها المختلفة للدارسين صورة واضحة عن الدرس اللغوي من بداياته الأولى إلى أن صار درسا ناضجاً رصيناً , كما قد رسخ دراسته للأضداد بتحقيق ثلاثة نصوص فيها ، وقد نوع من بحوثه ودراساته اللغوية فمنها دراسات مقارنة بين العربية والعبرية وأبحاث في تاريخ العربية وبعض ظواهرها المشتركة ، وأبحاث في مصادر العربية ، وقد نهج في هذه الدراسات و البحوث نهجاً قويماً في لغةٍ عاليةٍ وعبارة منتقاة وأسلوب عربي رصين .وأن من أهم الدواعي التي دفعتني لدراسة جهود الدكتور آل ياسين هي محاولة التعرف على النتاج العلمي المهم ودراسته وتقديمه , وهو أيضا بعض من رد الجميل إلى أهله من خلال الدكتور آل ياسين .

ومن آراؤه في تحقيق كتب التراث، قوله : ((على إننا يجب أن نفرق بين نوعين من الكتب المنسوبة إلى المؤلفين من الصفحة العنوان دون أن يعضد ذلك السند القديم ضمن هذه الكتب ما نستطيع معه الجزم بان نسبة خطأ؛ وإنها من وهم الناسخ أو إضافة المتأخرين، وذلك بما نعثر عليه مما يفند هذه النسبة من السند التاريخي أو العلمي ،ومنها ما لا نجد مانعا يمنع من هذه النسبة وان لم يتوفر الدليل القاطع عليها ككتاب ((متشابه القرآن)) للكسائي هذا على الرغم من التصريح بنسبته إلى الكسائي لدى السيوطي)) .

ومن مكتشفاته في التحقيق مناقشته مسألة تلمذة الأخفش للخليل وليس هناك ما يؤيد وقوعها في أي شكل من الإشكال ولا في أي علم من العلوم ، لا في العروض ولا في غيره من علوم العربية .

إنَّ الأخفش لم يكن من تلامذة الخليل ولم يأخذ عنه شيئاً سواء أكانّ نحواً أو لغة أو عروضاً، ويشير الدكتور إلى بعض الباحثين المحدثين الذين حاولوا التوفيق بين الأخبار التي نفت التلمذة عنه صراحة وتلك التي تقول أخذ عمن أخذ عنه سيبويه بأنَّ الأخفش قد أخذ العروض عن الخليل ولم يأخذ هذا النحو( ) ويعلل الدكتور السبب بكونها محاولة علمية لتفسير وصول (عروض الخليل عن طريق الأخفش ) إذن لابد أن يكون الأخفش قد أخذ العروض عن طريق آخر غير الخليل وهو الواسطة بين الخليل وبينه ولمعرفة ذلك ينبغي إن نعرف من هو أُستاذ الأخفش المهم الذي هو تلميذ الخليل المهم.

عن رسالة : الأستاذ الدكتور محمد حسين آل ياسين لغوّياً