حركة الدفاع عن الشعب العراقي سنة 1963

حركة الدفاع عن الشعب العراقي سنة 1963

موفق خلف العلياوي

في صبيحة الثامن من شباط 1963, أطيح بحكومة ثورة 14 تموز 1958, بانقلاب عسكري قاده عدد من البعثيين والقوميين, وطوردت عناصر الحزب الشيوعي العراقي بقسوة بالغة, ففي السادس من آذار 1963, أُعدم سكرتير اللجنة المركزية للحزب سلام عادل في قصر النهاية ببغداد, فضلاً عن إعدام عددٍ من قادة الحزب منهم محمد حسين أبو العيس, وحسن عوينه, وجمال الحيدري, وجورج تللو, وحمزة سلمان الجبوري.

ساهمت الدكتورة نزيهة الدليمي في لفت نظر الرأي العام العالمي على ما يحدث في العراق من تجاوزات ضد القوى السياسية والمنظمات الديمقراطية, على يد الانقلابين وجهازهم المسمى الحرس القومي, ففي بداية حزيران من العام 1963, عقد في موسكو مؤتمر عالمي للنساء, أدى فيه وفد رابطة المرأة العراقية التي كانت تترأسها الدكتورة نزيهة الدليمي دوراً مشهوداً, إذ أثمرت تلك الجهود عن إرسال الرئيس السوفيتي نيكيتا خروشوف (Nikita Khrushchev ) برقية إلى عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية في العراق, طالبه فيها بالكف عن اضطهاد النساء العراقيات,واصفاً صدور حكم الإعدام بحق عدد منهن بالمفجع, كما أسهمت تلك البرقية في إنقاذ ثلاث نساء من حكم الإعدام هن سافرة جميل حافظ وزكيه شاكر وليلى الرومي.

في الأسبوع الأول بعد الانقلاب, كتبت جريدة النداء التي تصدر في بيروت مقالاً بقلم أمين الأعور تحت عنوان ( لقد سلمت دجلة والفرات إذ سلمت يا أبا فرات), وكان يقصد نجاة الشاعر محمد مهدي الجواهري من أيدي الانقلابيين كونه كان موجوداً في براغ آنذاك, ويقول الجواهري عن ذلك المقال : « كان هذا المقال مدخلاً شريفاً وهاماً بدأت به أول خطوة جماهيرية في حركة الدفاع عن الشعب العراقي, وذلك بالإعلان عن تجمع في مركز فسيح جداً في براغ يضم كل العراقيين للاستجابة إلى تلك الدعوة وفعلاً فقد اكتظت القاعة كلها وكان عدد الواقفين يفوق الجالسين».

كانت استجابة القوى والشخصيات الديمقراطية الموجودة خارج العراق كبيرة لتلك الدعوة, وهي تأسيس لجنة الدفاع عن حقوق الشعب العراقي, وبدأت نشاطها بعقد أول مؤتمر صحفي حضره أكثر من مندوب من الصحف الشرقية والغربية, وتم انتخاب الجواهري لرئاستها, فضلاً عن لجنة عليا لقيادتها تكونت من الدكتورة نزيهة الدليمي وفيصل السامر ومحمود صبري ورحيم عجينة وعبد المجيد الونداوي وكمال فؤاد ونوري شاويس ومراد عزيز, وكانت تلك اللجنة تدعى إلى المؤتمرات الدولية بصفتها حركة ديمقراطية عامة, وتألفت في بلدان عديدة لجان فرعية عنها نشطت في تعبئة المنظمات والصحف والإذاعات المحلية لمساندة الشعب العراقي.

كان من نشاطات الحركة ضم عددٍ من أعضاء مجلس النواب البريطاني في عضويتها, كما تمكنت من كسب الفيلسوف البريطاني برتراند رسل) Britrand Russel ) إلى رئاستها, فضلاً عن نجاحها في إرسال لجنة تحقيقيه إلى العراق برئاسة النائب العمالي ويلي غريفيتس ( Welly Grivets ), إذ نجح في تقديم تقرير مهم عن الأوضاع في العراق, ساهم في تعبئة الرأي العام البريطاني ضد ما كان يرتكب من انتهاكات فيه, وتمكنت الحركة من كسب عدد من الشخصيات العالمية الكبيرة, فعلى سبيل المثال في فرنسا ترأس اللجنة هناك جاك كولان (Jacques Colan ), الأستاذ في جامعة السوربون, فضلاً عن مساهمة شخصيات كبيرة في مساندة الحركة كرئيس وزراء ألمانيا الديمقراطية, ورؤساء وزراء جمهوريات تشيكوسلوفاكيا, وبلغاريا, ورئيسة وزراء الهند, والرئيس الكوبي فيدل كاسترو(Feidal Castrow ) والرئيس الغاني نكروما (Nigrowma ).

في السادس عشر من تشرين الأول 1963, أصدرت مديرية الأمن العامة التابعة إلى وزارة الداخلية كتابها المرقم 1589 الذي نص على سحب الجنسية العراقية عن الدكتورة نزيهة الدليمي ورفاقها ومنهم : محمد مهدي الجواهري وفيصل السامر وصلاح خالص وهاشم عبد الجبار و نوري عبد الرزاق حسين وعبد الوهاب البياتي وذو النون أيوب وغائب طعمه فرمان ومحمود صبري واخرين , وأغلبهم من المؤسسين والناشطين في الحركة,استناداً إلى الشق الأول من الفقرة الثانية من المادة عشرين من قانون الجنسية العراقية رقم 43 لسنة 1963. وكان الحاكم العام العسكري قد اصدر أمراً بحجز أموالها المنقولة وغير المنقولة حسب ما جاء في كتابه المرقم 8/ 27 في الرابع عشر من شباط 1963.

في السابع والعشرين من تشرين الثاني 1963, عقدت الحركة مؤتمراً صحفياً بحضور الدكتورة نزيهة الدليمي لعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي صالح مهدي دكلة, وكان الناجي الوحيد من قبضة الحرس القومي بعد هروبه من معتقله في قصر الرحاب,وعقد المؤتمر في إحدى القاعات التابعة لنقابة الصحفيين التشيكوسلوفاكيين, وعد في حينها ضربة إعلامية قوية وجهت إلى القائمين على الحكم في العراق آنذاك, نتيجة الانتشار الواسع لأصدائه في الصحافة الغربية ووسائل أعلام الدول الشرقية المقروءة والمكتوبة.

كان رد الحكومة الجديدة في بغداد على تلك المواقف هو الحكم بتجريم الدكتورة نزيهة الدليمي وإحالتها إلى محكمة الثورة, بعد أن نشرة هروبها في جريدة الجمهورية بتاريخ الرابع عشر من شباط 1964, ولعدم حضورها أمام المحكمة, وبعد انتهاء مدة ثلاثين يوماً على نشر هروبها, جرت محاكمتها غيابياً في الرابع من نيسان 1964, من قبل محكمة الثورة برئاسة عبد الرحمن التكريتي وعضوية خالد رشيد الشيخلي وأحمد محمود النعيمي, وفق الفقرة (ب) من المادة الرابعة بدلالة الفقرة (ب) من المادة الثانية والفقرة ( و ) و( ز) من قانون معاقبة المتآمرين على سلامة الوطن ومفسدي نظام الحكم رقم 7 لسنة 1958 والفقرة ( أ ) من المادة العاشرة من الباب الثاني عشر المعدل من قانون العقوبات البغدادي والمادة ( 43 ) بدلالة المادة (32 ) من قانون الجمعيات والأحزاب بالرقم ( 1 ) لسنة 1960.

عن رسالة (نزيهة الدليمي ودورها في الحركة الوطنية والسياسية العراقية)