صاحب الأداء الاحترافي

صاحب الأداء الاحترافي

محمد حبوشة

هو واحد من هؤلاء الفنانين الذين لم يكتفون بالموهبة والثقافة الفطرية والدراسة الأكاديمية، وإنما أضافوا إلى جانب إبداعات حرفيتهم، الجانب الأخلاقي والإنساني، ولهذا استحقوا النجومية وتميزهم بإبداعات وتألق حرفيتهم الفنية، وهو أيضا واحد من النجوم الذين اختاروا “الصدق والالتزام واحترام الذات”

رفقاء مشواره في عالم الفن الذي قدم خلاله مجموعة من الأعمال المتميزة التي مست قضايا وطنه وأمته العربية بجانب مشاركته في بطولة أهم ما قدم من دراما عسكرية واجتماعية ودينية، سواء على شاشة السينما التي قدم لها أفلاما مثل “الأرض – السقا مات – أهل القمة – القادسية – المواطن مصري – الطريق إلى إيلات”، أو على شاشة التلفزيون في مسلسلات مثل “الطبري – عبدالله النديم – أبو عبيدة الجراح – أخيراً حرس سلاح – خان القناديل”.

إنه صاحب الأداء الاحترافي الذي تشعر من خلاله أنه كالسهل الممتنع، مما أهله للاستحواذ على حب وتقدير الجماهير الفنان القدير “عزت العلايلي” الذي عاش لأكثر من 60 عاما على خشبة المسرح والسينما والتليفزيون، وهو قابض على جمر عشقه لتراب هذا الوطن، لإنه ممثل حقيقي – بحسب رؤية المخرج الروسي قسطنطين ستانسلافسكي – ذلك الممثل الذي يندمج في دوره، فيعيشه بكل جوارحه الشعورية واللاشعورية، ويؤدي دوره عن طريق المعايشة الحقيقية القائمة على الصدق الفني، والإيمان بالدور الذي يؤديه.

ومن ثم، يعتمد هذا النوع من الممثلين على قدراته الداخلية التي تتمثل في العقل، والإرادة، والشعور، والتخيل، والتخييل، وكلها صفات تؤهله للبحث عن الهدف الأعلى للعمل الدرامي، ومن ثم فهو يستخدم العقل الواعي والعقل الباطن معا من أجل الوصول إلى الفكرة الرئيسة للموضوع، مع خلق فلسفة العمل اعتمادا على قواه الداخلية الإبداعية، والتكيف مع الظروف بغية تحقيق التواصل مع الآخرين، والاشتباك معهم ذهنيا، ووجدانيا، واجتماعيا ،وحركيا.

اختار الصدق والالتزام

وإذا كان التمثيل يقترن – عند ستانسلافسكي – بمجموعة من المبادئ النظرية والتقنيات التطبيقية التي تسعف الممثل في أداء دوره أداء جيدا، وتساعده على استيعاب دوره، وفهمه فهما دقيقا من أجل ترجمته مسرحيا وسينمائيا وتليفزيونيا، وتشخيصه بشكل احترافي ودقيقي بحيث يرضي الجمهور، ويقنعه إقناعا جيدا، فإننا يمكننا اعتبار “عزت العلايلي” واحدا من النجوم الذين اختاروا الصدق والالتزام واحترام الذات منذ مولده في حي باب الشعرية بالقاهرة، فقد ولد “عزت حسن العلايلي”، والذي عرف بعد دخوله مجال التمثيل بإسم​ “عزت العلايلي​”، لأب يعمل محاسبا، بينما كانت والدته ربة منزل ولديه خمس شقيقات إناث هن “عصمت وعفت وعنايات ونجوات وفاطمة”، وفي طفولته كان يقوم ببناء مسرح بداخل الشقة التي يسكنها، بعد خروج والديه ويسمح للجيران بمشاهدة ما يقوم به من عروض ومونولوجات مقابل “قرش”، وكان وقتها حريصاً على الفن والسينما والمسرح، وكان يشاهد أعمال ​يوسف وهبي​ و​نجيب الريحاني​.

لعبت الصدفة دورها في أن تدفع به للانخراط في أول عمل الوطني، ففي عام 1950 قرأ عزت العلايلي، إعلانا أمام مكتب أحد المحامين في حي السيدة زينب، يطلب من الراغبين بالتطوع مع الفدائيين بالإسماعيلية تسجيل أسمائهم للمشاركة، ووقتها قرر المشاركة وذهب إلى الإسماعيلية، وساهم بالفعل في نقل السلاح إلى الفدائيين هناك، ولكن بعد محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في منطقة المنشية بالإسكندرية في عام 1954، تم إلقاء القبض عليه وإيداعه السجن لمدة 3 أشهر، وذلك بعدما تبين أن المحامي الذي سجل اسمه عنده ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، لكن تم الإفراج عنه لاحقاً واعتبر فترة السجن مهمة في حياته حيث تعرف على كبار المفكرين والمثقفين في هذا الوقت.

عمل معدا للبرامج

وبعد ذلك ركز “العلايلي” على دراسته حتى تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية في عام 1960 إلى أن بدأ حياته من ماسبيرو بعمله معداً للبرامج، وذلك كي يتمكن من رعاية شقيقاته بعد وفاة والده، وكان أول برنامج يشارك في إعداده هو “رحلة اليوم”، والذي قام من خلاله بجولات في محافظات مختلفة في مصر، لكن ظل حلم التمثيل يراوده حتى حصل على فرصة بالظهور في مشاهد قليلة ضمن فيلم “رسالة من امرأة مجهولة”، والذي قدمه “فريد الأطرش و​لبنى عبد العزيز“، ​ولأنه لفت الأنظار إليه عبر تلك المشاهد القصيرة فبعدها بعام شارك في فيلم “القاهرة”، وهو إنتاج مصري – بريطاني مشترك، وقدم بعدها أفلام: “الجاسوس – الرجل المجهول – السيد البلطي – معسكر البنات – قنديل أم هاشم- 3 وجوه للحب”، ومسلسل “أبداً لن أموت”، حتى وصل إلى حقبة النجومية بفيلمه “​الأرض​” مع ​يوسف شاهين​.

كانت هذه هى الإنطلاقة الحقيقية لعزت العلايلي نحو النجومية والتفرد تحديدا في عام 1970 ، بعد أن شارك بشخصية “عبد الهادي” في فيلم “الأرض” أمام محمود المليجي ويحيى شاهين، وذلك باعتبار أن هذا الفيلم يعتبر علامة من علامات السينما المصرية وفي هذه المرحلة، أيضا قدم “العلايلي” العديد من البطولات سواء على مستوى السينما أو المسرح وحتى التليفزيون، فشارك في أفلام مثل: “شلة الأنس – خائفة من شيء ما – عيب يا لولو عيب – سأكتب اسمك على الرمال – زائر الفجر- الناس والنيل – الأبرياء – لا تتركني وحدي – على من نطلق الرصاص – السقا مات – شلة الأنس – والفيلم الجزائري “طاحونة السيد فابر”، ومسلسلي “وآه يا زمن – اللص والكلاب”، ومسرحية “أولادنا في لندن “

وهج فني في الثمانينيات

وكان ينافس في ذلك الوقت مجموعة من نجوم السينما الشباب وعلى رأسهم “محمود ياسين”​ على العمل مع كبار النجمات، فقد شارك في فيلم “الاختيار” أمام سعاد حسني ، و”ذات الوجهين” أمام “شادية”، وحصل على البطولة أمام” ​فاتن حمامة​” في فيلم “لا عزاء للسيدات”، وبالرغم من أدواره الرومانسية والشخصية الرصينة التي كان يقدمها طوال الوقت، لكنه قدم خلال مشواره فيلما عرف بجرأته بعنوان “​ذئاب لا تأكل اللحم​” والذي تم تصويره في عام 1973، ولظهور البطلة ​ناهد شريف ​في الفيلم تقريباً عارية تم منع عرضه وقتها، واعتبره البعض من الأفلام الإباحية.

في فترة الثمانينات استمر وهج “عزت العلايلي“، وظل القاسم المشترك للعديد من الأعمال الناجحة منها “الأقوياء – اللعبة القذرة – أهل القمة – وقيدت ضد مجهول – القادسية – المجهول – الإنس والجن – الطاغية – البنديرة – دقة زار – التوت والنبوت – المطاردة الأخيرة – الورثة – لا تدمرني معك – قفص الحريم – عذراء وثلاثة رجال – قفص الحريم – الصبر في الملاحات – بئر الخيانة – غابة الرجال”، ومن المسلسلات التي قدمها خلال نفس الفترة: “الباقي من الزمن ساعة – اللقاء الأخير – وقال البحر – بوابة المتولي – شذى الأندلس – الإمام الطبري”.

أما في فترة التسعينيات فقد ظل “العلايلي” على درب النجومية والتألق كما ظهر لنا في أعمال منها فيلم “انفجار – الحب أيضاً يموت – بلاغ للرأي العام – إعدام قاضي – ليلة عسل”، لكن تألقه بدا أكثر وأكثر بتجسيده التراجيدي الرائع في شخصيته التي قدمها في فيلم “المواطن مصري”، والذي تقاسم بطولته أمام عمر الشريف، وشارك أيضاً في أفلام مهمة تعكس قضايا اجتماعية شائكة مثل وتجسد بطولات من زمن الهزيمة ” فترة حرب الاستنزاف” مثل: “البريء والجلاد – دسوقي أفندي في المصيف – الطريق إلى إيلات – كلاب المدينة”، فضلا عن تجارب درامية على نفس النهج من معالجة قضايا الوطن التي تحتك بالشارع ومنها مسلسل “رياح الخوف – أيام الغضب – شيء في صدري – الشارع الجديد – أحلام مؤجلة” وقد توج هذه الفترة المهمة من حياته الإبداعية بمسرحية “وداعاً يا بكوات”.

عن موقع فنون