عندما تغلف الغرائبية الأيديولوجيا .. قراءة في رواية (الوباء) لشريف حتاته

عندما تغلف الغرائبية الأيديولوجيا .. قراءة في رواية (الوباء) لشريف حتاته

صادق الطائي

عندما يكون النص الروائي نصا مفتوحا، او كتابيا، وليس نصا مغلقا او قرائيا، حسب توصيف رولان بارت، فانه يتحمل عدد لامتناه من القراءات النقدية القائمة على حفريات معرفية في معطى النص، وأنا أرى أن رواية (الوباء) الصادرة عن دار ميريت 2010، للسياسي اليساري والروائي المصري شريف حتاته تمثل نصا مفتوحا ومشحونا بشفرات كثيرة جدا.

كما يمكن أن تصنف كرواية ايديولوجية بأمتياز، إلا اننا نحتاج لاثبات ذلك الى عمليات حفر معرفية لتفكيك هذه الاطروحة، وإن أفضل وسيلة لذلك ستكون عبر محاولة قراءة المسكوت عنه اوالمخفي من جبل الجليد في هذا العمل، وبالتأكيد إن آليات التفكيك التي سنشتغل عليها لا تقوم على تقويل النص ما لا يقوله، او التعسف في محاولة قولبته في قوالب ايديولوجية كما ينهج بعض النقاد، بل سنسعى الى قراءة الشفرات المرسلة من هذا النص وتأويلها وصولا الى انتاج دلالة نص محتملة وفق سياقات زمنية وثقافية محددة تحديدا علميا.

إن اولى الشفرات التي يرسلها هذا النص هي أنه نص مقارب للايديولجيا بأمتياز، وأنا أتفق تماما مع ما قاله الناقد بيير ماشيرى عندما اشارالى مسألة ارتباط العمل السردي بالايديولوجية اذ يقول ماشيري؛ “ أن العمل الادبي لايرتبط بالايديولوجيا عن طريق ما يقوله، بل عبر ما لايقوله، فنحن عندما لانشعر بوجود الايديولوجيا نبحث عنها في جوانب العمل الصامتة الدالة التي نشعر بها في فجوات النص وابعاده الغائبة، هذه الجوانب الصامته هي التي يجب ان يتوقف عندها الناقد ليجعلها تتكلم».

عندما نحاول أن نفكك شفرات الصراع الصامت في رواية ( الوباء)، نرى اولا ان الصراع يدور بين البطل (صفوت بسيوني) ومامثله كـ “مرشد زراعي” - وللكلمة ابعادها ودلالاتها غير الخافية- ومعه التجمع المتنامي من قوى الخير من أهل القرية من جهة، وبين ( الشركة العالمية للمنتجات الزراعية ) وقوى الشر التي إلتفت حولها، والتي سنأتي لاحقا لتحليلها من جهة اخرى، هذا الصراع الذي اتخذ من تجربة زراعة محصول الرز الصيني، واعتقاد البطل أن ذلك بالتأكيد سيحلحل قبضة ( الشركة العالمية ) القابضة على أعناق مجتمع ( قرية كفر يوسف/مكان الحدث) ، ويحاول السارد أن يرسل لنا الاشارات الدالة على إن هذه الشركة بما تمثله من سطوة الشركات المتعددة الجنسية، هي النموذج الجديد للامبريالة بثوبها الاقتصادي الحديث – مابعد الكولينالي - والذي يتفوق حتى على حكومات الدول القطرية، وقد كانت هناك أكثر من اشارة تخللت السرد تشير الى إن(الرئيسة – رئيسة الشركة) وهي شخصية غلفها السرد بثوب الغموض طوال النص، تمتلك من القدرات والقوى ما يتفوق على كل مايحيط بها من افراد ومؤسسات، حتى إن المتلقي لا يعرف من أين تستمد هذه السيدة قوتها الطاغية على الكل، والتي لايستطيع أي أحد الوقوف في وجهها، حتى الجنرال الامريكي (جوزيف اولمبيك ) أمر القاعدة الجوية القريبة من القرية، وهنا ربما نسأل ماهو جواب السرد الروائي في (الوباء) على السؤال الايديولوجي المضمر في هذه الرواية؟ وهنا يخبرنا الناقد بيير ماشييري اننا نستطيع قراءة المضمر الايديولوجي في الرواية عبر أمرين هما :

1.الالمام بالسياق التاريخي الايديولوجي الذي يطرحه النص .

2. بناء الاشكالية التي تطرحها الرواية انطلاقا من الجواب الذي قدمته، وذلك بهدف استكناه الاسباب التي تجعل الخطاب الروائي جوابا ايديولوجيا عن سؤال لم يطرح بكيفية واضحة، ولكنه حاضر ومخفي في تجاويف الرواية في شكل الايديولوجية المصورة.

هذا الامر جعل رواية (الوباء) تسير في نمط من التشفير الشفاف، او الرقراق غير الزاعق او الصارخ بشعارات تقول وتفصح، إنما سار السرد في هذه العمل في ظلال ايديولوجية لم ترهق النص او تصيبه بالترهل. ولقد لاحضت عبر دراسة أغلب اعمال د.شريف حتاته الاخيرة (عطر البرتقال الاخضر، ابنة القومندان، الوباء) أن هذه الالية في الكتابة اصبحت ثيمة اساسية في كتاباته، إذ يترك فضاءات بيض ومغيبة تحفز شهية القاريء على الاشتغال الفعال الديناميكي لاعادة استكمال النص واعادة انتاجه وتأويله، وهو بهذه المخاتلة الفنية، وعدم البوح، والالتفاف على الواقعي بالغرائبية، يمنح النص قدرة على الانعتاق من اسار القمع ويمنحه جمالية متفردة.

إن د. حتاته، وكما اشرنا، يواجه سلطة القمع بالفنتازيا او الغرائبية عبر محاولة أسطرة الواقع اليومي وتجريده من سماته المألوفة ليتخذ مستوى تخييليا وغرائبيا ينتزع الحدث من أرضيته التاريخية، فالحدث في رواية (الوباء) يدور في اواخر القرن العشرين، او نستطيع أن نقول ببساطة انه حدث معاصر، إلا إن اشتغال الروائي على انتزاع هذه التاريخية، أو محاولة التشويش عليها عبر الفنتازيا يضعنا في عوالم أقرب الى أجواء روايات الخيال العلمي، فعوالم القصر، ومكاتب رئاسة الشركة العالمية الرابضة على قمة التل وما تحويه من تكنولوجيا، كل ذلك منح العمل نكهة الخيال العلمي الغرائبية، فأجهزة الاتصال الدقيقة، وكاميرات التصوير، والسيارات التي تطير وتتحرك بواسط الهيدروجين، ورجال القرية الذين تم تجنيدهم للتجسس على القائمين على التجربة الجديدة، وأجهزة اللاسلكي التي يستخدمونها، كل ذلك أخرج واقع الحدث من قرية مصرية معاصرة في ضواحي القاهرة (بلبيس) لتضعنا في عالم غرائبي هو عالم شريف حتاته الذي تمكن فيه من الافلات من السلطة القامعة للنص دون الوقوع في فجاجة المباشرة، وهذا هو ما اسميه ظلال الغرائبية المغلفة للايديولوجيا .

وعلى الرغم من محاولة السارد التمويه على الكثير من مستويات الواقع الموضوعي وكذلك على المنظور الايديولوجي للرواية، إلا إن الفضاء الروائي يفضح سلسلة التداعيات السياسية واستقراء المستقبل المرهون بعولمة شرسة ذات أنياب فولاذية، ويظهر ذلك جليا دون تزويق في الترافق الغريب للجرارات الزراعية مع الدبابات الموضوعة في خدمة ( الشركة العالمية للمنتجات الزراعية) والتي بدورها تمثل ترسا صغيرا في ماكنة العولمة الدائرة بشكل هستيري وهي تطحن اجساد الافراد في المجتمعات المحلية، وهذا ما حصل فعليا في عملية اغتيال (عزة الغندور) شريكة البطل في انجاح التجربة، ومحاولة اغتيال البطل (صفوت بسيوني) بطلقات القناص التي انطلقت من كوة مخفية في جدران القصر الرهيب الذي تتربع على عرشه رئيسة الشركة، كل ذلك القمع المنفلت لاجهاض حركة تمرد الفلاحين على قوانين الاستهلاك العالمية ومحاولتهم الخروج من ازمة الغذاء عبر تجربة زراعة الرز الصيني.

كما يمكننا القول إن البنية الروائية بكاملها محكومة بفاعلية قوى الشر الممثلة بقوى القمع السياسي المشكلة من اتحاد مجموعة قوى، وهذه القوى هي العسكرتاريا الامبريالية ممثلة بقوات التدخل السريع وقائدها الجنرال الامريكي(جوزيف اولمبيك)، وهي نموذج للعسكرة الامريكية في العالم أحادي القطب، إذ إنه قاد قوات بلاده للحرب في افغانستان والعراق وغيرها من الجبهات التي فتحتها الآلة العسكرية الامريكية على كل من لا يسير في ركاب المنظور الامريكي للعالم، يضاف لها الشركات العالمية المتعددة الجنسية ممثلة في (الشركة العالمية للمنتجات الزراعية ) وائتلافها مع شركة (فاير شو)، بالتعاون مع الكومبرادور المحلي ممثلا في آل الغندور(احمد الغندور، ومصطفي الغندور) ورؤساء القبائل البدوية المتاخمة لكفر يوسف، كبنية تقليدية للقهر المتماهي مع النمط الاقطاعي القديم ممثلا في شيوخ قبيلة(النحارية)، كما تكمن المفارقة في دخول قوى الاسلام السياسي مع قوى ائتلاف الشر، فالسارد وضع قوى الاسلام السياسي في خانة الاتئلاف عبر اشارات ظاهرة ممثلة في سمات العاملين في الشركة، والمنفذين لاوامر الرئيسة، الذين تعلو جباههم زبيبة الصلاة ، بالاضافة الى الاشارة لرجل الدين الفاسد الشيخ (مروان عبد العاطي) الذي قدمه العمل بوصفه أحد كلاب التجسس لاحمد الغندور. كل تك القوى هي ائتلاف قوى الشر وهي المحرك الاساس للحدث الروائي الذي يطرح في جوهره على انه مجابهة ومنع تجربة زراعة محصول الرز الصيني، في اشارة غير خافية على اهمية الاكتفاء الغذائي الذاتي من ناحية، وعلى اهمية التجربة الصينية وما يمثله اقتصادها الصاعد عالميا من تحدي رغم تمسكه بخطه الاشتراكي القديم والتحولات المحسوبة والمدروسة نحو اقتصاد السوق والقائمة على التنمية والاستقرار وعدم اللجوء الى الهزات الاقتصادية وما احدثته من زلازل في منظومة الدول الاشتراكية الاخرى.

كذلك تجدر الاشارة الى ان بنية الحدث الدائرية ايضا تتضح في رواية (الوباء)، وذلك إن الحدث الروائي يبتدأ بعد أن يشعر البطل ( صفوت بسيوني ) بسلسلة الهزائم والانكسارات، فيفكر في أن الحل سيكون في العودة الى الاصل، وهذا الاصل يتمثل في بلده، والبدء من قريته عبر تجربة استنبات الرز الصيني ذو المواصفات العالية من حيث الانتاجية وقلة ما يحتاجه من سقي ومقاومته للامراض والاوبئة، وأمله بأن ذلك سيكون الحل الناجع لكل المشكلات التي تعاني منها البلد. إلا إنه يصتدم بقوى الشر الانفة الذكر، ويتعرض معسكر الخير الى خسارة هذه المعركة، لكن وعبر قيام أحد أهم رموز ائتلاف الخير، وهو الفلاح الذي تبرع بقطعة الارض الاولى للتجربة، بخطوة تسمية حفيده الصغير باسم (صفوت) وتعليمه بل وتلقينه كل حكايات التجربة السابقة تمثل اشارة واضحة لاستمرار النضال، ومع لقاءه الدوري بالبطل في كل سنة في ذكرى استشهاد البطلة (عزة الغندور) يتجدد الامل لدى مجتمع كفر يوسف، كل ذلك يمثل دورة درامية، ونهاية مفتوحة تحمل الامل للمتلقي وتشعره إن الصراع مستمر، وسيأتي الجيل الجديد الذي سيتحمل مسوؤلية الصراع مع قوى الشر وينتصر عليها.كما يمكن أن تصنف كرواية ايديولوجية بأمتياز، إلا اننا نحتاج لاثبات ذلك الى عمليات حفر معرفية لتفكيك هذه الاطروحة، وإن أفضل وسيلة لذلك ستكون عبر محاولة قراءة المسكوت عنه اوالمخفي من جبل الجليد في هذا العمل، وبالتأكيد إن آليات التفكيك التي سنشتغل عليها لا تقوم على تقويل النص ما لا يقوله، او التعسف في محاولة قولبته في قوالب ايديولوجية كما ينهج بعض النقاد، بل سنسعى الى قراءة الشفرات المرسلة من هذا النص وتأويلها وصولا الى انتاج دلالة نص محتملة وفق سياقات زمنية وثقافية محددة تحديدا علميا.

إن اولى الشفرات التي يرسلها هذا النص هي أنه نص مقارب للايديولجيا بأمتياز، وأنا أتفق تماما مع ما قاله الناقد بيير ماشيرى عندما اشارالى مسألة ارتباط العمل السردي بالايديولوجية اذ يقول ماشيري؛ “ أن العمل الادبي لايرتبط بالايديولوجيا عن طريق ما يقوله، بل عبر ما لايقوله، فنحن عندما لانشعر بوجود الايديولوجيا نبحث عنها في جوانب العمل الصامتة الدالة التي نشعر بها في فجوات النص وابعاده الغائبة، هذه الجوانب الصامته هي التي يجب ان يتوقف عندها الناقد ليجعلها تتكلم».

عندما نحاول أن نفكك شفرات الصراع الصامت في رواية ( الوباء)، نرى اولا ان الصراع يدور بين البطل (صفوت بسيوني) ومامثله كـ “مرشد زراعي” - وللكلمة ابعادها ودلالاتها غير الخافية- ومعه التجمع المتنامي من قوى الخير من أهل القرية من جهة، وبين ( الشركة العالمية للمنتجات الزراعية ) وقوى الشر التي إلتفت حولها، والتي سنأتي لاحقا لتحليلها من جهة اخرى، هذا الصراع الذي اتخذ من تجربة زراعة محصول الرز الصيني، واعتقاد البطل أن ذلك بالتأكيد سيحلحل قبضة ( الشركة العالمية ) القابضة على أعناق مجتمع ( قرية كفر يوسف/مكان الحدث) ، ويحاول السارد أن يرسل لنا الاشارات الدالة على إن هذه الشركة بما تمثله من سطوة الشركات المتعددة الجنسية، هي النموذج الجديد للامبريالة بثوبها الاقتصادي الحديث – مابعد الكولينالي - والذي يتفوق حتى على حكومات الدول القطرية، وقد كانت هناك أكثر من اشارة تخللت السرد تشير الى إن(الرئيسة – رئيسة الشركة) وهي شخصية غلفها السرد بثوب الغموض طوال النص، تمتلك من القدرات والقوى ما يتفوق على كل مايحيط بها من افراد ومؤسسات، حتى إن المتلقي لا يعرف من أين تستمد هذه السيدة قوتها الطاغية على الكل، والتي لايستطيع أي أحد الوقوف في وجهها، حتى الجنرال الامريكي (جوزيف اولمبيك ) أمر القاعدة الجوية القريبة من القرية، وهنا ربما نسأل ماهو جواب السرد الروائي في (الوباء) على السؤال الايديولوجي المضمر في هذه الرواية؟ وهنا يخبرنا الناقد بيير ماشييري اننا نستطيع قراءة المضمر الايديولوجي في الرواية عبر أمرين هما :

1.الالمام بالسياق التاريخي الايديولوجي الذي يطرحه النص .

2. بناء الاشكالية التي تطرحها الرواية انطلاقا من الجواب الذي قدمته، وذلك بهدف استكناه الاسباب التي تجعل الخطاب الروائي جوابا ايديولوجيا عن سؤال لم يطرح بكيفية واضحة، ولكنه حاضر ومخفي في تجاويف الرواية في شكل الايديولوجية المصورة.

هذا الامر جعل رواية (الوباء) تسير في نمط من التشفير الشفاف، او الرقراق غير الزاعق او الصارخ بشعارات تقول وتفصح، إنما سار السرد في هذه العمل في ظلال ايديولوجية لم ترهق النص او تصيبه بالترهل. ولقد لاحضت عبر دراسة أغلب اعمال د.شريف حتاته الاخيرة (عطر البرتقال الاخضر، ابنة القومندان، الوباء) أن هذه الالية في الكتابة اصبحت ثيمة اساسية في كتاباته، إذ يترك فضاءات بيض ومغيبة تحفز شهية القاريء على الاشتغال الفعال الديناميكي لاعادة استكمال النص واعادة انتاجه وتأويله، وهو بهذه المخاتلة الفنية، وعدم البوح، والالتفاف على الواقعي بالغرائبية، يمنح النص قدرة على الانعتاق من اسار القمع ويمنحه جمالية متفردة.

إن د. حتاته، وكما اشرنا، يواجه سلطة القمع بالفنتازيا او الغرائبية عبر محاولة أسطرة الواقع اليومي وتجريده من سماته المألوفة ليتخذ مستوى تخييليا وغرائبيا ينتزع الحدث من أرضيته التاريخية، فالحدث في رواية (الوباء) يدور في اواخر القرن العشرين، او نستطيع أن نقول ببساطة انه حدث معاصر، إلا إن اشتغال الروائي على انتزاع هذه التاريخية، أو محاولة التشويش عليها عبر الفنتازيا يضعنا في عوالم أقرب الى أجواء روايات الخيال العلمي، فعوالم القصر، ومكاتب رئاسة الشركة العالمية الرابضة على قمة التل وما تحويه من تكنولوجيا، كل ذلك منح العمل نكهة الخيال العلمي الغرائبية، فأجهزة الاتصال الدقيقة، وكاميرات التصوير، والسيارات التي تطير وتتحرك بواسط الهيدروجين، ورجال القرية الذين تم تجنيدهم للتجسس على القائمين على التجربة الجديدة، وأجهزة اللاسلكي التي يستخدمونها، كل ذلك أخرج واقع الحدث من قرية مصرية معاصرة في ضواحي القاهرة (بلبيس) لتضعنا في عالم غرائبي هو عالم شريف حتاته الذي تمكن فيه من الافلات من السلطة القامعة للنص دون الوقوع في فجاجة المباشرة، وهذا هو ما اسميه ظلال الغرائبية المغلفة للايديولوجيا .

وعلى الرغم من محاولة السارد التمويه على الكثير من مستويات الواقع الموضوعي وكذلك على المنظور الايديولوجي للرواية، إلا إن الفضاء الروائي يفضح سلسلة التداعيات السياسية واستقراء المستقبل المرهون بعولمة شرسة ذات أنياب فولاذية، ويظهر ذلك جليا دون تزويق في الترافق الغريب للجرارات الزراعية مع الدبابات الموضوعة في خدمة ( الشركة العالمية للمنتجات الزراعية) والتي بدورها تمثل ترسا صغيرا في ماكنة العولمة الدائرة بشكل هستيري وهي تطحن اجساد الافراد في المجتمعات المحلية، وهذا ما حصل فعليا في عملية اغتيال (عزة الغندور) شريكة البطل في انجاح التجربة، ومحاولة اغتيال البطل (صفوت بسيوني) بطلقات القناص التي انطلقت من كوة مخفية في جدران القصر الرهيب الذي تتربع على عرشه رئيسة الشركة، كل ذلك القمع المنفلت لاجهاض حركة تمرد الفلاحين على قوانين الاستهلاك العالمية ومحاولتهم الخروج من ازمة الغذاء عبر تجربة زراعة الرز الصيني.

كما يمكننا القول إن البنية الروائية بكاملها محكومة بفاعلية قوى الشر الممثلة بقوى القمع السياسي المشكلة من اتحاد مجموعة قوى، وهذه القوى هي العسكرتاريا الامبريالية ممثلة بقوات التدخل السريع وقائدها الجنرال الامريكي(جوزيف اولمبيك)، وهي نموذج للعسكرة الامريكية في العالم أحادي القطب، إذ إنه قاد قوات بلاده للحرب في افغانستان والعراق وغيرها من الجبهات التي فتحتها الآلة العسكرية الامريكية على كل من لا يسير في ركاب المنظور الامريكي للعالم، يضاف لها الشركات العالمية المتعددة الجنسية ممثلة في (الشركة العالمية للمنتجات الزراعية ) وائتلافها مع شركة (فاير شو)، بالتعاون مع الكومبرادور المحلي ممثلا في آل الغندور(احمد الغندور، ومصطفي الغندور) ورؤساء القبائل البدوية المتاخمة لكفر يوسف، كبنية تقليدية للقهر المتماهي مع النمط الاقطاعي القديم ممثلا في شيوخ قبيلة(النحارية)، كما تكمن المفارقة في دخول قوى الاسلام السياسي مع قوى ائتلاف الشر، فالسارد وضع قوى الاسلام السياسي في خانة الاتئلاف عبر اشارات ظاهرة ممثلة في سمات العاملين في الشركة، والمنفذين لاوامر الرئيسة، الذين تعلو جباههم زبيبة الصلاة ، بالاضافة الى الاشارة لرجل الدين الفاسد الشيخ (مروان عبد العاطي) الذي قدمه العمل بوصفه أحد كلاب التجسس لاحمد الغندور. كل تك القوى هي ائتلاف قوى الشر وهي المحرك الاساس للحدث الروائي الذي يطرح في جوهره على انه مجابهة ومنع تجربة زراعة محصول الرز الصيني، في اشارة غير خافية على اهمية الاكتفاء الغذائي الذاتي من ناحية، وعلى اهمية التجربة الصينية وما يمثله اقتصادها الصاعد عالميا من تحدي رغم تمسكه بخطه الاشتراكي القديم والتحولات المحسوبة والمدروسة نحو اقتصاد السوق والقائمة على التنمية والاستقرار وعدم اللجوء الى الهزات الاقتصادية وما احدثته من زلازل في منظومة الدول الاشتراكية الاخرى.

كذلك تجدر الاشارة الى ان بنية الحدث الدائرية ايضا تتضح في رواية (الوباء)، وذلك إن الحدث الروائي يبتدأ بعد أن يشعر البطل ( صفوت بسيوني ) بسلسلة الهزائم والانكسارات، فيفكر في أن الحل سيكون في العودة الى الاصل، وهذا الاصل يتمثل في بلده، والبدء من قريته عبر تجربة استنبات الرز الصيني ذو المواصفات العالية من حيث الانتاجية وقلة ما يحتاجه من سقي ومقاومته للامراض والاوبئة، وأمله بأن ذلك سيكون الحل الناجع لكل المشكلات التي تعاني منها البلد. إلا إنه يصتدم بقوى الشر الانفة الذكر، ويتعرض معسكر الخير الى خسارة هذه المعركة، لكن وعبر قيام أحد أهم رموز ائتلاف الخير، وهو الفلاح الذي تبرع بقطعة الارض الاولى للتجربة، بخطوة تسمية حفيده الصغير باسم (صفوت) وتعليمه بل وتلقينه كل حكايات التجربة السابقة تمثل اشارة واضحة لاستمرار النضال، ومع لقاءه الدوري بالبطل في كل سنة في ذكرى استشهاد البطلة (عزة الغندور) يتجدد الامل لدى مجتمع كفر يوسف، كل ذلك يمثل دورة درامية، ونهاية مفتوحة تحمل الامل للمتلقي وتشعره إن الصراع مستمر، وسيأتي الجيل الجديد الذي سيتحمل مسوؤلية الصراع مع قوى الشر وينتصر عليها.