مع حميد رشيد في وكالة الأنباء العراقية

مع حميد رشيد في وكالة الأنباء العراقية

محسن حسين

في يوم 17 آذار عام 1959 بدأنا العمل أنا والمرحوم حميد رشيد بتأسيس وكالة الأنباء العراقية التي أصبحت من أهم وكالات الأنباء في الوطن العربي طوال 44 عاما إلى أن أغلقها المحتل الأمريكي عام 2003 .

في عام 1959 في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم تأسست وكالة الأنباء العراقية (واع) كوكالة رسمية بقرار منه وفق خطة وضعها وزير الإرشاد آنذاك د فيصل السامر ولم يكن في العراق من له خبرة في عمل وكالات الأنباء وأسلوب عملها والأجهزة الفنية التي تستخدمها بل إن العراق كان ثاني بلد عربي يؤسس وكالة أنباء بعد مصر.

كنا أنا وحميد رشيد نعمل في صحيفة البلاد استدعينا لمقابلة مدير الإذاعة آنذاك (سليم الفخري). وأبلغنا الرجل أن الحكومة قررت تأسيس وكالة أنباء رسمية على غرار وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية (أ.ش.أ) ، وأنه قد تم اختيارنا لإنشاء نواة لهذه الوكالة. وقال إن هذه النواة سترتبط بالإذاعة لحين إكمال الإجراءات القانونية اللازمة لتأسيس الوكالة.

كان حميد رشيد من أبرز الصحفيين في ذلك الوقت. كان يمارس شتى صنوف العمل الصحفي بكفاءة مثل العمود والتحقيق والمقال السياسي والخبر وكان يترجم من اللغة الإنكليزية التي تعلمها لوحده وبدأ بتعلم اللغة الفرنسية معتمدا على نفسه أيضا.

أما أنا فقد كنت هاويا للصحافة قبل أن أحترفها عام 1956 وقد عرفني القراء والوسط الصحفي كمحرر تحقيقات ومندوب أخبار إضافة إلى بداية متواضعة في كتابة القصة القصيرة وكنت قد عملت في صحيفة الشعب وملحقها مجلة (الأسبوع) في العهد الملكي ثم في صحيفة الجمهورية بعد ثورة 14 تموز عام 1958 ثم في صحيفة البلاد لعدة أشهر وعملت لفترة مراسلا لمجلة (صباح الخير) المصرية. كنت ما أزال شابا لا يتجاوز عمري الخامسة والعشرين.

وفي غرفة تقع في الجهة اليمنى من مدخل الإذاعة في الصالحية بدأنا العمل تحت أسم (مكتب الارتباط) . وانضم إلينا لفترة من الزمن المرحوم إسماعيل الربيعي في بداية عمله الصحفي، والزميل مفيد الجزائري الذي تولى منصب وزير الثقافة بعد عام 2003.

كنا نقوم بجولات يومية على الوزارات والمنظمات لجمع الأخبار ونعود إلى الإذاعة عند الظهر لتحريرها وطبعها واستنساخها في صفحتين أو ثلاث نسلم نسخة منها إلى المذيعين لإذاعتها وتوزيع البقية على الصحف المحلية لنشرها في اليوم التالي. وكانت ترد إلينا بيانات الوزارات وتصريحات رسمية من هذا الوزير أو ذاك لكي ندرجها في النشرة، وكذلك بيانات مجلس الوزراء ومقابلات كبار المسؤولين.

وظلت نشرة مكتب الارتباط تصدر بانتظام زهاء تسعة أشهر ، وقد حرصت فيما بعد على تجليد نسخ منها في مجلدين اثنين لابد أنهما اتلفا أو سرقا من مكتبة واع!!

في تشرين الأول 1959 عين المرحوم أحمد قطان مديرا عاما لوكالة الأنباء العراقية إثر صدور قانون الوكالة ونظامها في الجريدة الرسمية في السادس من ذلك الشهر. واخذ المدير العام يتردد على الإذاعة. وكان يجلس مع المرحوم ذوالنون أيوب المدير العام للإذاعة والتلفزيون وبدأ يطلب الإطلاع على النشرة التي نعدها قبل إذاعتها وتوزيعها على الصحف. ولم يكن لدي مانع يحول دون ذلك لكن زميلي المرحوم حميد رشيد غضب غضبا شديدا ورفض إرسال النشرة إلى السيد أحمد قطان وقال إذا كان ذلك ضروريا فإن عليه أن يأتي إلينا للإطلاع على النشرة. كان حميد رشيد يعتقد أنه أفضل من أحمد قطان وأنه يجب أن لا يأمره، وهكذا حصل الخلاف الذي أدى إلى أن يترك المرحوم حميد رشيد العمل وعاد على الفور إلى العمل في الصحف قبل أن تصدر أول نشرة أخبار باسم الوكالة يوم 9 تشرين الثاني 1959.