حقائق حول مصرع الفريق بكر صدقي يرويها مرافق الملك غازي

حقائق حول مصرع الفريق بكر صدقي يرويها مرافق الملك غازي

وفي الساعة 20,00 الثامنة مساءً اخبرني مأمور بدالة قصر الزهور بان شخصا من الموصل يريد مكالمة الملك تلفونيا . فقلت لمأمور البدالة اعطني اياه : واذا بالمتكلم هو شقيق بكر صدقي شوقي العقيد برقي شوقي (نائب الموصل) آنذاك يكلمني من الموصل وهو بحالة تهيج شديد ويطلب مكالمة الملك .

فقلت له ان الملك مريض تفضل واخبرني بما تريد فقال اريد ان اخبر الملك بحادث مقتل اخي بكر صدقي شوقي وقائد القوة الجوية المقدم الطيار محمد علي جواد . فقد قتلا اليوم عصرا وفي الساعة 16,00 الرابعة بعد الظهر في معسكر القوة الجوية .

اللواء الركن ابراهيم الراوي

فطيبت خاطره وقلت له ساعرض الأمر على الملك ، فانصرف ثم اخبرت الملك بذلك تلفونيا. وكنت في تلك الليلة مرافقا خفرا للملك … ومن ثم اخبرت المرافق الاقدم رشيد علي تلفونيا بالحادث . وكان في البلاط موكولاً اليه تنفيذ تسفير الامير على (خال الملك غازي) وذلك نظرا لقرار الحكومة السليمانية بتسفيره الى الاردن . فاجابني المرافق الاقدم وبالحرف الواحد ، وباللهجة العراقية (اويلاخ هسه انكسر ظهري) ((ان الفريق الركن بكر صدقي شوقي (رئيس اركان الجيش) آنذاك هو الذي امر بنقل العقيد الركن احمد السيد محمود من منصب المرافق الاقدم للملك وجاء بالعقيد رشيد علي الى البلاط وعينه مرافقا اقدم للملك وكان العقيد من المقربين لبكر صدقي شوقي حتى يوم قتله)) وعلى اثر ذلك ارسلت الحكومة السليمانية في بغداد نائب احكام وزارة الدفاع العقيد (انطون لوقا) الى الموصل للتحقيق في هذا الحادث والقاء القبض على القتلة المتآمرين . وبعد وصوله الى الموصل صار الامر بالعكس فاوقف العقيد انطون لوقا . وعندها قال كلمته في المثل العراقي المشهور (انكلب الطابك طبك) واعلنت منطقة الموصل الذي كان امرها الزعيم محمد امين العمري العصيان على حكومة بغداد وعلى اثر هذا العصيان قررت الحكومة السليمانية في بغداد ارسال قوة عسكرية الى الموصل واصدرت وزارة الدفاع الامر الى اللواء الثالث الذي كان يرابط في معسكر الوشاش . وكان امر هذا اللواء العقيد محمد سعيد عمر التكريتي فتمرد آمر اللواء على امر وزارة الدفاع بالحركة الى الموصل قائلا : نحن اخوة في جيش واحد لايمكن ابدا ومطلق ان يقاتل بعضنا بعضا … وعلى اثر تمرد آمر اللواء . وفي ليلة 14/15/ آب 1937 وفي الساعة السابعة مساءً . ذهب كل من رئيس الوزراء حكمت سليمان ووكيل وزير الدفاع على محمود الشيخ علي الى معسكر الوشاش وواجها آمر اللواء في مقره وتباحثا معه في امر الحركة ، وكان ضابط اللواء الثالث وغيرهم من ضباط القطعات الأخرى في معسكر الوشاش متحمسين ضد الوزيرين المذكورين ويريدون قتلهما . وكان الملك قد سمع بما ينوي هؤلاء الضباط القيام به .. كنت في تلك الليلة مرافقا خفرا للملك ، فأتصل بي الملك تلفونيا وطلب حضوري لديه في قصر الزهور ، فتركت دار المرافقين حالا وذهبت لمواجهته فأمرني ان اركب سيارته التي كانت تحمل اشارة . شعار الدولة العراقية واسوقها بنفسي ، واذهب الى معسكر الوشاش وابلغ آمر اللواء العقيد محمد سعيد عمر التكريتي . بأن الملك يطلب رئيس الوزراء حكمت سليمان ووزير الدفاع (بالوكالة) على محمود الشيخ علي لديه في قصر الزهور حالا .. فأمتثلت الامر وتوجهت بالسيارة المذكورة مع نحو معسكر الوشاش (كانت الملكية في هذه اللحظة واقفة في شرفة باب قصر الزهور المطلة على الحديقة والساحة وقد سمعتها تقول للملك (وين ترسل هذا المرافق والى مناطق الخطر؟)) . فوصلت المعسكر المذكور ، والى مقر اللواء الثالث الذي كان يشغل البناية التي كانت تسمى (بناية الالمان) في معسكر الوشاش وكانت غرفة امر اللواء في الطابق العلوي من البناية المذكورة التي كانت تتكون من طابقتين ، فدخلت غرفة الآمر فشاهدت كل من رئيس الوزراء حكمت سليمان ووكيل وزير الدفاع علي محمود الشيخ علي يجلسان في الغرفة يتحادثان مع آمر اللواء العقيد محمد سعيد عمر التكريتي فحييت الآمر التحية العسكرية وقلت له ارسلني الملك اليكم وهو يطلب حضور كل من رئيس الوزراء ووكيل وزير الدفاع لديه في قصر الزهور الآن وفورا وهذه ارادة ملكية لابد من تنفيذها .

فطلب مني الذهاب الى غرفة ضابط ركنه الرئيس جمال سعيد الخشالي منتظرا لمدة خمس دقائق فقط ليتم حديثه معهما . فذهبت الى غرفة ضابط الركن وانتظرت الخمس دقائق وعدت ثانية الى آمر اللواء ورجوته تنفيذ الارادة ، حيث ان الملك بانتظارهما ، فاجابني بقوله طيب . تفضل اخذهم فودعهما . فنزلنا سلم البناية الخشبي واركبتهما السيارة وسقتها بنفسي وخرجت من المعسكر (كان الضابط على اختلاف رتبهم ومناصبهم ووحداتهم وتشكيلاتهم متجمهرين على شباك غرفة آمر اللواء . وهم بغاية الحماس : يريدون قتل كل من رئيس الوزراء حكمت سليمان ووكيل وزير الدفاع علي محمود الشيخ) عائدا الى قصر الزهور وشاهدت الملك غازي يتخطى امام باب القصر منتظرا وصول السيارة ومن فيها ، فاوقفت السيارة بالقرب من الملك ونزل كل من رئيس الوزراء ووكيل وزير الدفاع وتصافحا مع الملك ثم استصحبهما الى مكتبة داخل القصر ، وبقيت منتظرا الى جانب السيارة وبعد نصف ساعة من الوقت خرج الثلاثة وطلب الي الملك ان اوصلهما . فركب السيارة وجلسا الى الخلف وجلست وراء مقود السيارة (الاستيرن) فتحركنا نحو بغداد ، فسألتهما الى اين يطلبون مني ايصالهما ؟ . فقال حكمت سليمان الى وزارة الداخلية (التي كانت قريبة من مديرية شرطة لواء بغداد) فاوصلتهما الى باب وزارة الداخلية . فنزلا من السيارة وشكراني كثيرا ثم انصرفا الى داخل الوزارة . وعدت الى قصر الزهور ، وكان الملك يتمشى ايضا امام باب قصر الزهور فأخبرته بايصالهما الى وزارة الداخلية . فشكرني كذلك ووضعت السيارة في كراجها في قصر الزهور وانصرفت الى دار المرافق الخفر ، لاقضى خفارتي لتلك الليلة فيها وفي اليوم الثاني وصل جثمان بكر صدقي شوقي ومحمد علي جواد من الموصل ، وعند الظهر دفنا الى مقبرة باب المعظم ، فأرسل الملك اكليلين من الزهور ووضعنا على قبريهما .

استقالة حكومة حكمت سليمان وتأليف حكومة

قدم حكمت سليمان استقالة وزارته بتاريخ 17/ آب 1937 وابرق جميل المدفعي الذي كان في بيروت ليعود الى العراق ويتولى تشكيل الوزارة . وصدرت الارادة الملكية بتأليف الوزارة المدفعية بتاريخ 17/آب 1937 وبرقم 465 فتألفت الوزارة على النمط التالي :جميل المدفعي رئيسا للوزراء ووكيلا لوزير الدفاع

، مصطفى العمري وزيرا للداخلية ، عباس مهدي :وزيرا للعدلية ووكيلا لوزير الخارجية، جلال بابان وزيرا للاقتصاد والمواصلات ووزيرا للمالية بالوكالة، الشيخ محمد رضا الشبيبي وزيرا للمعارف .

وفي يوم 19/ آب 1937 صدرت الارادة الملكية باسناد منصب وزارة الخارجية الى توفيق السويدي ومنصب وزارة المالية الى ابراهيم كمال ، وقد عاد وزير المالية (ابراهيم كمال) الى العراق في 28/ آب 1937 ولم يعد وزير الخارجية الا في 9/ تشرين الاول / 1937 وتوليا منصبيهما في تلكم التواريخ ((وتمكنت الوزارة المدفعية في زمن توليها الحكم من ان تصدر ارادة ملكية بالعفو عن الاشخاص الذين قاموا بالاجرام والقتل الذي وقع بمناسبة مقتل بكر صدقي ومحمد علي جواد كعمل مماثل كما اصدرته الوزارة السليمانية)) .

عن كتاب : من حافة التاريخ.. حياة اللواء المتقاعد طاهر الزبيدي .