100 عام على تأسيس الدولة العراقية..مواقف متباينة من تتويج فيصل الأول ملكا

100 عام على تأسيس الدولة العراقية..مواقف متباينة من تتويج فيصل الأول ملكا

د . اخلاص لفتة الكعبي

رأت الحكومة البریطانیة مدى المعارضة التي تواجهها الحكومة العراقیة المؤقتةالتي شكلتها برئاسة عبد الرحمن الكيلاني نقيب اشراف بغداد ، لذلك عملت على إشغال الرأي العام العراقي في قضیة من یتولى عرش العراق،

فاختلفت آراؤهم بشأن نظام الحكم ، إذ اید البعض منهم فكرة النظام الجمهوري الذي كان له دعاته وانصاره من أمثال توفیق الخالدي وفخري الجمیل، والبعض الأخر طالب بإقامة نظام ملكي دستوري الذي هو الآخر كان له مؤیدوه . ولكنهم اختلفوا فیما بینهم ، فمنهم من رأى ضرورة تتویج رجل عراقي ، من امثال عبد الرحمن النقیب او طالب النقیب او عبد الهادي العمري أحد الشخصیات الموصلیة المعروفة ، وبالمقابل وقف آخرون مؤیدین لترشیح احد انجال الشریف حسین بن علي من الأسرة الهاشمیة في الحجاز للملكیة ، كالأمیر فیصل او الأمیر عبد الله او الأمیر زید، في حین كانت هناك جماعة قلیلة تروج للشیخ خزعل شیخ المحمرةوتشير التقاریر البریطانیة إلى ان الشیخ خزعل دفع اموالا طائلة إلى الشیخ عبد اللطیف الجزائري لیكسب بها موالین له .

وعلى الرغم من تأسیس حكومة عراقیة مؤقتة ، إلا إن الأوضاع في العراق كانت غیر مستقرة، ممّ یكلف بریطانیا كثیراً ، لذا قررت نقل ونستون تشرشل من منصب وزیر الحربیة إلى منصب وزیر المستعمرات، فكان اول ما فكر فیه الوزیر الجدید هو العمل على تخفیض النفقات البریطانیة في الشرق الأوسط إلى ادنى حد ممكن ، وتمهیداً لذلك قررت بریطانیا عقد مؤتمر في القاهرة یحضره ممثلو بریطانیا في بلدان المشرق ومن ضمنها العراق للمذاكرة في افضل الطرق لخفض النفقات البریطانیة وتعیین مستقبل الحكم في العراق .

بعد مداولات عدیدة ومناقشات بشأن اختیار الشخص الذي یتولى الحكم في العراق، رُشحَ الأمیر فیصل بن الشریف حسین ملكاً على العراق في خلال ذلك المؤتمر الذي عقد في القاهرة برئاسة تشرشل في الثاني عشر من آذار عام ١٩٢١ ، الذي حضره عن العراق برسي كوكس المندوب السامي البریطاني في العراق ، والمس بیل السكرتیرة الشرقیة للمندوب السامي ، وجعفر العسكري وزیر الدفاع ، و ساسون حسقیل وزیر المالیة ، والجنرال هالدن. ( قائد القوات البریطانیة في العراق وعدد من المستشارین البریطانیین .

وفي ضوء هذا الترشیح ، أبرقت الحكومة البریطانیة إلى الحجاز في بدایة حزیران عام١٩٢١ ، تطلب توجه فیصل إلى العراق بعد أن مهدت وأعدت الدعایة الكافیة حتى ان مجلس الوزراء عقد جلسته في الحادي عشر من تموز لمبایعة فیصل ملكاً على العراق ، وقد رُشح فیصل ملكاً على العراق ، بعد ان كانت بریطانیا قد رفضت عدة مرشحین اخرین ، وعارضت في الوقت نفسه بشدة فكرة اقامة النظام الجمهوري . وقد اعلنت السلطات البریطانیة منهاجاً واسعاً لتأیید هذاالترشیح فكانت بریطانیا تنظر إلى الأمیر فیصل بوصفه الرجل المناسب القادر على خلق حالة من التوازن بین مصالحها الاستعماریة من جهة ، وبین إرضاء الشعب العراقي نظراً للمؤهلات التي تجعل فیه الرجل المرغوب لدى العراق من جهةً اخرى.

ولكن السیاسة البریطانیة ذات الأقنعة المتعددة ارادت إضفاء جانب الحریة والولاء معاً ، فلم یوافق المندوب السامي على هذه البیعة بالرغم من سروره العمیق بها ، إلا بعد إجراء استفتاء للآمة ، لذا أوعز مجلس الوزراء الى وزارة الداخلیة باتخاذ الخطوات لاجراء عملیة التصویت العام تمهیداً لترشیح فیصل ملكاً على العراق ، واعدت و زارة الداخلیة مضابط الاستفتاء ،یسجل فیها المندوبون عن السكان آ راؤهم في قرار مجلس الوزراء ، ویُوقع علیها في حال الموافقة على قبول ترشیح فیصل ملكاً للعراق .

ثمة حقیقة تاریخیة لا یمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال ، ألا وهي أن المعارضة الدينية التي كانت محكمة ومتماسكة في وجه البریطانیین قد بان فیها التباین والتصدع في هذه المرحلة ، فقد كانت اراء علماء المؤسسة الدینیة بین مؤید لتنصیب فیصل ملكاً على العراق ومعارض لذلك . فعبد الرحمن النقیب قد اعلن بصراحة اعتراضه الشدید على تنصیب فیصل ملكاً على العراق ، ملمحاً إلى ضرورة تنصیب عراقي ، ننقل نصاً ما قاله النقیب بشأن ذلك :

« انني من اقارب الشریف وانحدر من نفس السلالة ،

وأشاركه في مذهبه الدیني ولذا فاني ارجو ان تفهموا باني لست مدفوعاً بدافع الاختلاف في الدم او العقیدة عندما اقول لكم باني سوف لا اوافق ولن اوافق على تعیین الشریف او احد انجاله امی ا رً في العراق حیث ان الحجاز غیر الع ا رق ولیس هناك علاقة بینهما غیر علاقة العقیدة ... واني افضل الف مرة عودة الترك إلى بغداد على ان ارى الشریف او ابناءه ینصب احدهم على عرش العراق» .

وبعد ان راى النقیب ان رايه لم یصمد امام الواقع سرعان ما غیر رايه، ولاسیما ان

بریطانیا كانت مصرة على تولیة فیصل عرش العراق ، وهذا ما ظهر جلیاً في دعوة النقیب

للأمیر فیصل إلى مأدبة طعام فاخرة في داره ،وكان اهم ما جرى في تلك الدعوة ، قصیدة ألقاها الشاعر معروف الرصافي مؤلفة من أربعة مقاطع تشید باجتماع النقیب والأمیر فیصل ، ننقل بعض ما جاء في ابیاتها :

مــد النــقیب إلـى الأمـیر فلیخز كل مشاغب

ولیحیـــا مــولانا النقیب ید المعاضد والنصیر

في القوم یلهج بالشرور حیاة مولانا الأمیر

وفي السیاق ذاته ، اراد بعض علماء المؤسسة الدینیة في النجف وفي مقدمتهم الشیخ عبد الكریم الجزائري ، أن یرشح الشیخ خزعل الكعبي أمیر المحمرة ، إذ أرسل الیه الشیخ الجزائري رسالة یطلب منه ان یعید ترشیح نفسه بعد ان سحب خزعل ترشیحه لصالح فیصل جاء فیها:

« اني اعجب كل العجب منك ، مع علمي بمعرفتك وعقلك،

نجنبك في هذه المدة من امور العراقيين . مع انك تربطك لهم رابطة المذهب والوطن واللسان ، والان بعد ان شاع ان الدولة البریطانیة قد اعطت الحریة للعراقیین بانتخاب من یشاؤون لأمورهم العامة...» .

عن رسالة

( سياسة بريطانيا تجاه المؤسسة الدينية في العراق 1921 ــ 1933 )