طبعة جديدة من كتاب  من حياتي: الشعر والحقيقة .. غوته وعصره

طبعة جديدة من كتاب من حياتي: الشعر والحقيقة .. غوته وعصره

أصدرت "دار المدى" حديثًا، طبعة جديدة من كتاب "من حياتي: الشعر والحقيقة"، للكاتب والشاعر الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته (1749 – 1832)، ترجمة محمد جديد. وفيه يُقدِّم غوته سيرة ذاتية ضخمة، تغطي جزءًا مهمًا من حياته، وتنطوي على آراءٍ وأفكارٍ شخصية تجاه مختلف قضايا عصره، إلى جانب استعراضه الدقيق لتحولات المجتمع الأوروبي عمومًا، والألماني خصوصًا، خلال الفترة التي تُغطيها السيرة.

يقول غوته في تقديمه لسيرته، إن ما دفعه لكتابتها هو رسالة وصلته من صديقٍ يطلب منه فيها، بمناسبة اقتراب إصدار طبعة جديدة من أعماله، أن: "تتفضل بعرض أعمالك الأدبية المنسقة في الطبعة الجديدة وفقًا لعلاقاتٍ داخلية معينة، في تسلسل زمني، وأن تفضي إلينا بظروف الحياة وأحوال النفس التي تُقدِّم المادة اللازمة لذلك، مثلما تُقدِّم الأمثلة التي تركت أثرها فيك، وألا يقل عن ذلك ما تفضي به من المبادئ النظرية التي اتبعتها، ضمن سياقٍ معين".

ولكن عملية تمييز الكتب وترتيبها في سياقاتٍ زمنية معينة، والوقوف على تفاصيل الزمان والمكان والظروف التي أُنتجت في ظلها وتحت تأثيرها، سرعان ما تحولت إلى نواة سيرةٍ ذاتية عندما شرع مؤلف "فاوست" بتصوير الانفعالات الداخلية والمؤثرات الخارجية المؤثرة في حياته، والحديث عن علاقته بمختلف أنواع الفنون والعلوم، والحديث عن الشخصيات التي تأثر بها أيضًا.

أمام هذه الرغبة في إعادة النظر في مسيرة حياته، وتحت تأثير استعادته لأهم ما حدث فيها، لا سيما الأحداث التي ساهمت في دفعه باتجاه فضاء الأدب، أخذ غوته قراره بتدوين سيرته الذاتية، وانطلق في ذلك من قناعته بأن السيرة ليست إلا: "تصوير البشر ضمن إطار الأحوال الخاصة بعصرهم، وأن تبيّن إلى أي مدى كان مجمل هذا يعاكسه، وإلى أي مدى كان يواتيه، وكيف صاغ لنفسه من ذلك نظرة إلى العالم والبشر، وكيف عكس هذه النظرة، إذا كان فنانًا، أو شاعرًا، أو كاتبًا، نحو الخارج من جديد".

وزع غوته سيرته الذاتية على أربعة أجزاء تغطي السنوات الـ 26 الأولى من حياته. كتب الأجزاء الثلاثة الأولى منها بين عامي 1811 – 1814، وأنهى الجزء الرابع والأخير بين عامي 1830 – 1831. ويعتبر أن الفترة التي تغطيها السيرة هي الأهم في حياته، لأنها تعكس تطوره في ظل التحولات السياسية والاجتماعية المختلفة التي كان شاهدًا عليها.

يضع الشاعر الألماني قارئ سيرته أمام تفاصيل وافية حول حياته، إذ يبدأ الحديث من اللحظة التي ولد فيها في 28 آب/ أغسطس عام 1749، وصولًا إلى عام 1775. وبين هذين التاريخين، يسرد غوته ما عاشه وخبره: الظروف التي تبعت ولادته وما ترتّب عليها، أحوال عائلته وسلوكها، طبيعة حياته في منزل العائلة، علاقة أفرادها ببضعهم البعض وعلاقته بهم، الحرب التي اندلعت في آب 1756 تحت مسمى "حرب السنوات السبع".

يعتبر صاحب "آلام فارتر" تلك الحرب حدثًا مفصليًا في حياته، لكونها تسببت بانقسام عائلته إلى كُتلٍ لكلٍ منها ولاؤها السياسي المختلف، الأمر الذي ترك تأثيره عليه أيضًا، ليميل هو بدوره فيما بعد إلى طرفٍ على حساب الآخر. وفي سياق حديثه عن هذه الحرب وتأثيرها، يحاول رسم صورةٍ تقريبية لانعكاساتها على المجتمع الألماني.

وإلى جانب ما سبق، يسرد الكاتب الألماني تفاصيل شغفه المبكر بالرسم والموسيقى والدراسات اللاهوتية أيضًا، بالإضافة إلى بداياته مع الشعر، ومحاولاته الأولى في كتابته، دون أن يغفل الحديث عن الواقع الأدبي والثقافي في تلك الفترة، ورأيه القائم على نظرةٍ نقدية عميقة في كتّابها ومنجزاتهم، إن كان في الشعر أو النقد وحتى المسرح الذي يستفيض في الحديث عنه وعن علاقته به.