عندما أصبح ناجي الأصيل وزيرا للخارجية سنة 1936

عندما أصبح ناجي الأصيل وزيرا للخارجية سنة 1936

د . عكاب يوسف الركابي

أخذت قوات الجيش تواصل يوم 29 تشرين الاول 1936 زحفها باتجاه العاصمة بقيادة الفريق ، بكر صدقي لاسقاط وزارة ياسين الهاشمي الثانية ، حيث دخلتها في الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر يوم الانقلاب ، وعندها عهد الملك خطيا ً الى ، حكمت سليمان ، برئاسة الوزارة الجديدة ، على ، ان يفحص الموقف ويوافيه برأيه عاجلا ً ، اعقبه – الملك – بكتاب التكليف الذي طلب فيه من ، حكمت سليمان ، انتخاب وزرائه ، فشكلت الوزارة ، وكانت على النحو الأتي :

حكمت سليمـــــان رئيسا ً للوزراء ووزيرا ً للداخلية .جعفر ابو التمــــن وزيــرا ً للمالية.الدكتور ناجي الأصيل وزيــرا ً للخارجية . صــــالح جبــر وزيــرا ًللعدلية .كامــل الجادرجـي وزيرا ً للاقتصاد والمواصلات .عبد اللطيف نــوري وزيرا ً للدفاع . يوسف عز الدين إبراهيم وزيرا ً للمعارف .

في تصريح اولي للدكتور ، ناجي الأصيل ، وزير الخارجية ، أفاد به (( ان الوزارة السليمانية كبقية الوزارات التي تعاقبت على الحكم في العراق تسير وفق خطة مرسومة وضعها الملك ، فيصل الأول ، ونفذتها الوزارات على اختلاف نزعاتها وميولها السياسية )) ثم وصف الأصيل هذه السياسة بـ (( السياسة الفضلى التي توجب المصلحة اتباعها والسير عليها )) ، (( وفي السياق نفسه أظهرت وعلى وجه العموم تصريحات الأصيل المعلنة وبرقياته عن طريق وزارة الخارجية الى مفوضيتها في الخارج ، مدى التوافق والانسجام مع منهاج الوزارة ، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وبالأخص حيال الدول العربية ، والملاحظ ، ان منهاج الوزارة بترتيبه المعلن ، شجع مناوئي هذه الوزارة ، على إيجاد الثغرة التي يمكن النفاذ من خلالها في الطعن عليها واتهامها بالابتعاد عن القضية العربية )) .

في 2 نيسان 1936 ، قررت وزارة ، حكمت سليمان ، في جلستها المنعقدة في 4 تشرين الثاني 1936 ، إيفاد وفد عراقيّ برئاسة ، الدكتور ناجي الأصيل ، وزير الخارجية ، الى الرياض ، في 7 تشرين الثاني 1936 ، لغرض إنهاء تبادل وثائق إبرام المعاهدة ، والمفاوضة مع ، المملكة العربية السعودية ، بشأن عقد اتفاقيتين بين البلدين ، تتعلق أولاهما ، بالشؤون المالية والاقتصادية والكمركية ، وثانيهما بتنظيم المواصلات والمراسلات. وقد حققت هذه الزيارة الهدف المنشود ، حيث تم ابرام المعاهدة بين الطرفين ، في 12 تشرين الثاني 1936 .

ومن نتائج معاهدة 1936 ، الإيجابية إنها أسهمت في دعم نهج الوزارة السليمانية في ، التقرب الى الدول العربية ، وكذلك وقوف المملكة العربية السعودية موقفاً مؤيداً للعراق أثناء خلافات الحدود التي ثارت بينه وبين إيران منذ مايس 1934 ، والتي انتهت بعقد معاهدة الحدود ، في 4 تموز 1937 ، حتى ان الملك عبد العزيز آل سعود استدعى الوزير المفوض الإيراني ، في جدة ، وقال له (( ان العراق مملكة عربية يهمه ( كذا ) أمرها جميع العرب ، وإذا حدث من الحكومة الإيرانية ما يشم منه أي تجاوز على المصالح العراقية فأنني وأولادي وما لديّ من قوة سأسارع إلى نجدة العراق …. )) وطلب منه إخبار حكومته بذلك ، وعلى اثر استمرار إيران في نهجها المتصلب ضد العراق ، بادر ، الملك عبد العزيز ، بغلق المفوضية الإيرانية ، في جدة ، عام 1937).

رئيس الوزراء، في تصريحٍ له قائلا ً:(( اما موقفنا من سوريا ولبنان، فهو كموقفنا من البلاد العربية الأخرى، اعني – وأردد ما قلت – موقف الاخ من أخيه، وبالنظر الى الوضع الجغرافي بين العراق وسوريا ولبنان، فأن الحكومة ستهتم بتقوية العلاقات الاقتصادية المشتركة بين القطرين الشقيقين، فضلا ً عن توثيق العلاقات السياسية)).

وفي الحقيقة ، ان الوزارة السليمانية ، سعت الى تجسيد هذا التصريح عملياً ، حينما بادرت إلى عقد اتفاق ٍ لحسن الجوار بينها وبين سوريا ، في 21 نيسان 1937 ، والذي وقع عليه في دمشق ، بعد ثلاثة أيام من التاريخ المذكور ، وبالإضافة الى هذه الاتفاقية ، فقد حاولت الوزارة ، أن تلعب دور الوسيط بين ، سوريا ، وتركيا في قضية لواء الاسكندرونة السوري ، والذي كانت تركيا ترغب في ضمّه الى أراضيها في أواخر سنة 1936 .

وبالرغم من تنقّل ، ناجي الأصيل ، وزير الخارجية العراقي بين سوريا وتركيا وعرضه على كل طرف وجهات نظر الطرف الآخر ، وفي حث الحكومة التركية لقبول مفاوضات غير رسمية ، يتولاها الأصيل في أنقرة ، للاتفاق حول حل هذه المشكلة ، وتنظيم مذكرة مشتركة وتقديمها الى عصبة الأمم للوصول الى تسوية ترضي الطرفين ، الأمر الذي لم ترغب فيه الحكومة التركية ، حينذاك ، على أساس ، ان مثل هذه الواسطة لم يحن وقتها بعد ، ومتى حان بادرت تركيا الى اللجوء اليه .

ومن الملاحظ من استعراض الوقائع التاريخية التي مر ذكرها ، وجهود ، ناجي الأصيل ، وزير الخارجية ، (( الرسمية وغير الرسمية )) في حل مشكلة ، لواء الاسكندرونة ، يتضح ، أن الحكومة العراقية كانت ، غير جادة في مساعيها الرامية لحل المشكلة ، وكانت تفضل التزام جانب الحياد في هذه القضية ، ويبدو أنها ، حرصت اشد الحرص ، على ان تحافظ على علاقاتها الودية مع تركيا ، ووضعها فوق كل اعتبار ، خوفا ً من تردي هذه العلاقات في حالة انحيازها الى سوريا ، وبخاصة وان العراق مقدم على عقد ميثاق شرقي تكون تركيا طرفا ً أساسيا ً فيه ، كما ان وقوع السياسة الخارجية للحكومة العراقية (( تحت الهيمنة البريطانية ، الصديقة الجديدة لتركيا في ظل الظروف الدولية الجديدة )) ، ساهمت هي الاخرى في الضغط على الحكومة العراقية ، وإبقاء دورها في تلك المشكلة أشبه بالحياد ، فأكتفت الحكومة العراقية بالوساطة ، وتأكيدا ً ، لما ذهبنا اليه ، فأننا نكتفي بما ورد على لسان صحيفة ( الانقلاب ) المقرّبة من الحكومة في مقال كتبته ، في يوم 19 كانون الثاني 1937 ، جاء فيه (( فالخلاف وان كان بين تركيا وفرنسا الاّ انه يمس سورية ، وقد أعلن القطر السوري رأيه في القضية ، اما تركيا فسياستها مع العراق منطوية على الود والصداقة ، فليس من صالح العراق ان يكدّر صفوها ، ونحن مقبلون على عهد الميثاق الشرقي بين تركيا وإيران وأفغانستان والعراق ( ميثاق سعد آباد ) ، اننا نرى من الواجب المحتم علينا هو ، أن ننظر الى الدول المجاورة ، نظرة واحدة وان نراعي العلاقات الودية الحسنة ، وان لا نفرّق ، بين دولة وأخرى من تلك الدول ، والا فليس من صالحه الانضمام الى جهة الانحياز إلى طرف آخر )) كما وصفت الصحيفة في المقال نفسه ، الذين يطالبون الحكومة بالوقوف إلى جانب سورية ومساعدتها بـ (( خصوم ألداء لهذا الوطن والمصلحة العراقية )) وذكرت الصحيفة بأن دوافع هؤلاء في ذلك، هو : (( تحقيق منافعهم الشخصية من اجل الوصول الى أهدافهم )) .

عن رسالة ( حكمت سليمان ودوره في السياسة العراقية )