لمناسبة عيد العمال العالمي..أدباؤنا الرواد والطبقة العاملة العراقية

لمناسبة عيد العمال العالمي..أدباؤنا الرواد والطبقة العاملة العراقية

زينب جبار العكيلي

ثمة حقيقة تاريخية لا يمكن تجاوزها في أي حال من الاحوال، بأن قضايا العمال والقضايا الاجتماعية عموماً قد شغلت جانباً معيناً من اهتمامات ادبائنا خلال مدة البحث (1932-1939)، إذ وجه الشعراء والأدباء اهتمامهم لمعالجة هذه القضايا عارضين لها ومحللين ومفسرين، ناصحين وواعظين،

حتى أنهم صاروا في احيان كثيرة اكثر اقتراباً من قضايا العمال ومشاكلهم. واكثر تحسساً لآلامهم وآمالهم، وعليه فقد ذكر الشاعر الرصافي فضل الطبقة العاملة في الكيان الاجتماعي، وكيف تستغل طبقة الأغنياء طبقة العمال وتستأثر بالغلال، وضرب لذلك الأمثلة، كما عرض الرصافي لعبودية المعسرين للموسرين. بعد ذلك كله أوضح ما اسماه بالحق المتمثل في مذهب الاشتراكية فيما يتعلق بالأموال. ثم دعا الى تحقيق اتحاد العمال وحياهم بذلك النص

كل ما في البلاد من أموالِ ليس الا نتيجةَ الأعمالِ

أن يطبْ في حياتنا الاجتماعية عيشٌ فالفضل للعمالِ

وإذا كان في البلاد ثراء فبفضل الانتاج والابدالِ

نحن خلقُ المقدّرات وفيها لا حياةُ للعاطل المكسالِ

عندنا اليوم في الحياة نظام قد حوى كل باطلٍ ومحال

حيث يسعى الفقيرُ سعيَ أجيرٍ لغني مستأثر بالغلال

فضلاً عن ذلك عرض الرصافي استغلال الطبقة الرأسمالية للطبقة العاملة الفقيرة لقاء أجور تافهة، وهي من الأفكار الاشتراكية في الصميم في قصيدة له بعنوان (معترك الحياة) وهذا نصها :-

أرى كل ذي فقر لدى كل ذي غنى

أجيراً له مستخدماً في عقارهِ

ولم يعطهِ إلا اليسير وانما

على كدَّه قامت صروحُ يسارهِ

ويلبس من تذليله العزَّ ضافياً

وينظره شزراً بعين احتقارهِ

فضلاً عن ذلك نشر الرصافي أبياتاً من قصيدته التي تتحدث عن الفقر والسقام في جريدة" حبزبوز" ، وهي قصة واقعية، ملخصها مأساة عامل بسيط يشتغل باجر زهيد ليعيل أخوته. ومرت الأيام وهو يحارب الفقر حتى رماه الدهر بمرض الروماتيزم الحاد الذي أقعدهُ عن الشغل فقيّده في فراشه الحقير وفي نهاية القصيدة يتوفى العامل من شدة المرض والجوع. وهذه بعض من ابيات قصيدته :-

ان سُقماً به وعُدْماً ألما

فهو حيناً يشكو إلى السقم عدما

تركاه يذوب يوماً فيوماً

وهو يشكو حينا إلى العدم سقما

باكيا من كليهما بأنتحاب

يميل الشاعر إلى الاشتراكية فيقول :-

ايها الاغنياء كم قد ظلمتم نعم الله حيث ما ان رحمتم

سهر البائسون جوعاً ونمتم لهناء من بعدما قد طعمتم

من طعام منوع وشراب

كما تناول الرصافي في قصيدة أخرى له الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين العراقيين عندما قال :

هم يعدون بالمئات ذكوراً واناثاً لهم قصور مشاله

ولهم أعبد بها واماء ونعيم ورفعة وجلاله

تركو السعي والتكسب في الدنيا وعاشوا اعلى الرعية عاله

يتجلى النعيم فيهم فتبكي اعين السعي من نعيم البطالةْ

وفي السياق نفسه، ذكر شاعر العرب محمد مهدي الجواهريفي قصيدته لعبة التجارب التي نظمها في سنة 1934، الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية إذ قال:

مشى الشعب منهوك القوى واهن الخطى كواهله قد أثقلت بالضرائب

وقد حيل ما بين الحياة وبينه فللموت منه بين عين وحاجب

وكمت به الافواه عن كشف سوءة كأن لم يكن من ثم عتب لعاتب

وأوجع ما يصُمي الغيور مقاصر أطلت على مجحورة في الزرائب

يبين على الحطيان شرخ نعيمها وتغمرها اللذات من كل جانب

كان من الطبيعي أن يهتم الشعراء الشعبيون ،الذين يعدون الأقرب للعمال والطبقات الفقيرة، بموضوعات عمالية،إن يرسموا لنا صورة رائعة، فقد كتب الشاعر ورئيس تحرير جريدة "الكرخ" الملا عبود الكرخي() في دواوينه عن معاناة الفقراء. ومنها قصيدة "المجرشة" حيث ذكر في بعض الابيات وهذا نصّه :-

ساعة واكسر المجرشة اتكسّر وامشي ابليله

البغداد للشاعر الكرخي اعتني واحجيله

من التعب والسهر والـ جوع وعطش اشجيله

يكتبها بالكرخ الجريدة وللملك يحجيها

كما نشرت جريدة "الكرخ" قصيدة هزلية بعنوان "عريضة التماس واسترحام. الى سيدتي ومولاتي شركة السكك الحديدية". بقلم فتى النهضة وهذا نصها:-

أتشاغبين على (الفقير) وقد أتى لكٍ قبل أن يأتيه نورُ سؤالكِ

و (تُمَر مِرين) فؤادهَ بتلاعبٍ وتُكسّرين عظامَه بفعالكِ

مولاتي ان السمعَ أصبح مثقلاً من كُثر لغوٍ فاه فيه رجالكِ

في كل يوم (للمدير) خطابةٌ ولسادتي الأجناب من عُمّالكِ

وبيان احصاءٍ يعدُّ خسائراً استنزلوا – الظُلاّمُ – فيه سعالك

ما شأن (فحم الموقد) المسكين قد جعلوه اثناء الحساب فدىً لك

و (النفط) ازمته تعالت وانجلتْ فاذا به استولى على اطلاِلِكِ

والسادة (الغرباء) ماذا حلُّ فيـ ـهم ما استزادوا بينهمْ اغلالك

ومن المفيد أن نشير الى القصيدة التي تلاها عبد الرحمن البناء محرر جريدة "بغداد"، التي تغنت واشادت بالعمال وذلك في الاحتفال الكبير الذي اقامته جمعية العمال في اوتيل الهلال يوم 4 كانون الثاني 1933 وهذا نصها :-

حالِماً ينشد الفتى من مُحالِ كل شيءٍ يتم بالاعمالِ

رُبًّ امر صعب المنال بعيدٍ جعلتْه الاعمالُ سهلَ المنالِ

ايها العاملُ المرجَّى لنفعٍ وعليه تبنى عروشُ الجلالِ

قُمْ وحقق آمال شعبك وأنفع بمساعيك وضع الاستقلال

احسن الصنعة التي لك فيها ثمر من جهادك المتوالي

انما هذه الحياة كفاحٌ مستمٌر من سالفِ الاجيالِ

ليس مثلَ العمال من مستقل تحت ظل الاشغال والاعمال

مهنةٌ حرةُ بقدرِ عُلاها تتباهى (وزارةُ الاشغاِل)

فأستعدوا منها يداً لتقيكم شراهل الاذى وأهل النَّكال

ان حقُّ العمالِ حقٌ صريحٌ عبثت فيه كف اهل الضلالِ

م كان مقال الاديب السيد ع. الحسابي الثاني الذي حمل عنوان "أهم ما يحتاجه العراق. رفع مستوى الطبقة الوسطى وتنظيم حياة العامل والفلاح" اكثر ملامسة للواقع العراقي آنذاك. وفي مستهله أشار إلى حقيقة لا يُخطئها ذو لبّ، وهي أن درجة تقدم الامة تقاس عادة بمقياس تقدم الطبقة الوسطى فيها. فَرقيهّا يتوقف على رقي هذه الطبقة وعظمتها تستمد من عظمتها. واسترسل يقول : أن كان مستوى الطبقة الوسطى رفيعا كانت الامة رفيعة المنزلة معتزة بمعنويتها رافعة الرأس. وإذا كان مستوى هذه الطبقة منحطاً وكانت متأخرة كانت الأمة ضعيفة تتهالك على موارد انحسرت ومضى يضع نقاط التشخيص على حروف الواقع المعاش عندما اكد : أن الامة لا تسقط الا لأنخفاض مستوى الطبقة المتوسطة فيها عن الحد الطبيعي. فإذا حافظت هذه الطبقة على مستواها بقيت الامة حية ناهضة ولو قل فيها العظماء والزعماء. أما إذا كان العكس فإن الامة تتدهور وتندثر معالم مجدها وتمحى من عالم الوجود. ثم استرسل قائلاً : بالاضافة الى ذلك كله تطرق الكاتب المذكور الى وضع العامل والفلاح، فدعا الى السعي إلى تحسين وضعهما ورفع مستواهما بتحسين المصنع وانعاش القرية، لان ذك برأيه سيضفي طابع الرقي والتقدم على مجتمعنا. ختم الكاتب مقالته الملمة الماما رائعاً بطبيعة وضع المجتمع العراقي ،ولاسيما اكثريته بهذه الكلمات التي تشرف الأدب إذ قال: مالم نرفع مستوى أكثرية شعبنا، فإذا تمكنا ان نخلق من هذه الأكثرية خلقاً جديداً، يتناسب واتجاهاتنا، فهذا يعني أننا أصبنا الهدف وحصلنا على الغاية الكاملة والأمل المنشود.

عن رسالة (الموقف الرسمي والشعبي من الطبقة العاملة 1932-1939) )