من قضايا تاريخنا السياسي الغامضة ..هل كان موسى الشابندر يتاجر بالاسلحة مع حكومة فرانكو سنة 1937 ؟

من قضايا تاريخنا السياسي الغامضة ..هل كان موسى الشابندر يتاجر بالاسلحة مع حكومة فرانكو سنة 1937 ؟

سعاد عـبد الجـبار كاظم

عندما حدث انقلاب بكر صدقي في الثامن والعشرين من تشرين الأول عام 1936م،أمل موسى الشابندر ( الدبلوماسي العراقي ) خيراً من الوزارة الجديدة آنذاك؛ لأنَّها ضمت أسماء جديدة من ذوي النزاهة في الخلق والمبدأ،

وهم زملاؤه كامل الجادرجي ويوسف إبراهيم وناجي الأصيل وعلى الرغم من أنه لم يكن يميل إلى حكمت سليمان، ويبدو موسى عندما سمع الانقلاب العسكري ومقتل جعفر العسكري وسفر بعض الوزراء السابقين إلى سوريا ولبنان، تغيّر رأيه في الوزارة؛ لأنه لم يكن يرضى اشتراك زملائه في وزارة تأتي عن طريق القوة وتسبب في مقتل جعفر العسكري وهو من أخلص رجالات العراق .

ويذكر موسى الشابندر ه: "بعد أن انجلى الموقف وتبين الأمر أصبحت بالطبع من الناقمين على الوزارة الجديدة، وكتبت إلى نوري السعيد في القاهرة وإلى ياسين الهاشمي في دمشق بوساطة كامل الكيلاني في بيروت، أعرب موسى الشابندر عن أسفه لما حدث وموضحاً لهما صداقتي وإخلاصي، أما صديقي كامل الجادرجي فلم يجب على كتابي ولكنه أخبر أخي إبراهيم بأنه يأسف لعدم الكتابة إليَّ لأنني لم أزل اعتقد بجدارة ياسين الهاشمي، وساءني بأن أرى كامل بهذه الدرجة من التعصب وضيق الصدر، وأنه يقاطعني لأنني لم أزل أعتقد بياسين خيراً، وأسفت لأن السياسة تدهورت إلى دركة واطية وقفت على الصداقات والصلات الشخصية والوفاء ...ولا يجهل أحد فضل ياسين على كامل وعطفهِ عليه، كما أنه لا يجهل أحد خدمات ياسين لبلاده وأمتهِ، ولكن قاتل الله السياسة والأغراض الشخصية ولم تزدني نكبة ياسين إلاّ مودة ورحمة له، قد أنستني تماماً الجروح الشخصيـة القديمة".

ذلك ما أكد عليه موسى الشابندر في الرسالة التي أرسلها إلى كامل الجادرجي التي أكد فيها موسى مرات عدّة صلاحية حكومة الهاشمي لإدارة شؤون الحكم في العراق فيما لو أخلصت له الفئات الشابة والتفتت حوله.

تعرض الدبلوماسي العراقي موسى الشابنـدر( سكرتير المفوضية العراقية في برلين ) إلى تهمـة خطيرة من قبل وزارة حكمت سليمان، وهي المتاجرة بالأسلحة مع حكومـة فرانسيسكـو فرانكو الذي وصل إلى السلطة بعد الحرب الأهلية الإسبانية التي اندلعت في الثامن عشر من حزيران عام1936. لذا استدعي إلى بغداد للتحقيق معه في السابع من نيسان عام1937 في الوقت الذي كان فيه الأمير زيد في العراق حتى أصبح موضوع استدعائهِ إلى بغداد يشغل فكر موسى الشابندر كثيراً وظنّ أنه قد سيكون سبب اتصالاتهِ مع ياسين الهاشمي ونوري سعيد فغضبت الوزارة عليه. بعد وصول موسى الشابندر إلى العراق تم إلقاء القبض عليه في الموصل وتم التحقيق معه بشأن تلك التهمة، بعد المعاملة غير الجيدة التي تلقاها عند اعتقاله فضلاً عن فصله من وظيفتهِ في المفوضيةِ في برلين وقطع علاقته مع الوزارة اعتباراً من الثامن عشر من نيسان عام 1937، وبعدها عرف موسى سبب التهمة المنسوبة والموجهة إليه، أكد لحاكم التحقيق انه من الضروري أن يرى المستندات والوثائق التي تدينهُ، وبعد أن شاهدها موسى وجدها خالية من التواقيع الرسمية وأن أرقامها غير صحيحة، ولذلك تأكد موسى الشابندر أن تلك التهمة ما هي إلاّ إساءة مقصودة ضده، لاسيما بعد تصريح حكمت سليمان في المجلس النيابي. واتهامه فيها مع عبد العزيز المظفر مستشار المفوضية العراقية في باريس بارتكاب أعمال مشينة لسمعة البلاد . وقد وجّه موسى الشابنـدر عتاباً شديداً إلى وزير الخارجية ناجي الأصيل ومدير الخارجية العـام نصـرت الفارسي وكامل الجادرجي كونهم من أصدقائه ويعرفونه أكثر من حكمت سليمان.

بعدما خرج موسى من الحبس بكفالة مالية قدرها خمسة آلاف دينار، أثبتت الوثائق الرسمية التي جاء بها من ألمانيا إلى المحكمة العراقية أنه بريء من تلك التهمة، وهكذا وجّه اللوم إلى حكومة حكمت سليمان لعدم قدرتها على معالجة هذه القضية. وذلك أثناء وزارة جميل المدفعي الرابعة في (السابع عشر من آب عام 1937 ـ الخامس والعشرين من كانون الأول عام 1938) ، إذ أعلن المدعي العام أحمد المختار بابان وحاكم التحقيق براءة موسى الشابندر وإلغاء التهمة الموجهة ضده لعدم وجود دليل قاطع يستوجب اتهامه، إلاّ أن قضية موسى الشابندر أصبحت جزء من سياسة إسدال الستار.

يتضح ممّا تقدم أن التهمة التي أسندت إلى موسى الشابندر كانت قد أسندت إليه ظلماً وبهتاناً بهـدف الإساءة إليه للانتقام والتشفي بموسى الشابندر بالرغم من العلاقات الطيبة التي كانت تربط وزارة حكمت سليمان وكامل الجادرجي وناجي الأصيل ويوسف إبراهيم قد حسب على خط الوزارة السابقة لياسين الهاشمي زملائهِ، فكان لا بُدَّ من عزلهِ من جهة لأنَّ الوزارة عزلت الكثير من الموظفين الذي حسبوا على الوزارة السابقة كما أن موسى الشابندر كان بحالة مادية جيدة فليس بحاجة للمتاجرة بالمواد الخطرة، فضلاً عن ذلك أنه ظل يتابع التحقيق في القضية حتى انه خاطر بنفسه وذهب إلى ألمانيا والدنمارك وقابل المسؤولين في الخارجية لكلا البلدين والشرطي السري وقابل مدير شركة المتاجرة بها، وكاد أن يذهب إلى تاجر الأسلحة بنفسه، إلاّ أن المحيطين به قد نصحوه بعدم الذهاب إليه لاحتمال تعرضه للقتل. قد أدلّت الوثائق الرسمية بالأدلة والبراهين القاطعة على براءته من التهم المنسوبة إليه عند المحاكمة، ولم تقدم وزارة نوري السعيد الثالثة في الخامس والعشرين من كانون الأول عام 1938 حتى السادس من نيسان عام 1939 أمراً بالتحقيق، بل اكتفت باتخاذ قرار بشأن إعادة موسى الشابندر إلى وزارة الخارجية. كما أن الوزارة أعادت الكثير من الموظفين المفصولين من السلك الخارجي أمثال الأمير زيد وموفق الآلوسي وعبدالعزيز المظفر وناصر الكيلاني وغيرهم بحسب قانون الخدمة الخارجية وأعادت تطبيق المادة الحادية والعشرين بقرار من مجلس الوزراء لعدم وجود ما يمنع الإعادة في القانون المذكور.

وكان موسى الشابندر قد أشار في رأيهِ بحق سياسة جميل المدفعي لإسدال الستار وغض النظر عن الماضي بسيئاتهِ قائلاً بشأن ذلك: " في نظري كان الحق مع جميل المدفعي وإن كنت أنا شخصياً من ضحايا ذلك الدور المشؤوم؛ لأنَّ الانتقام يجر الانتقام ويسبب الفوضى ولم يكن من الصواب تشجيع تلك الروح في العراق ولاسيما أن قلوب الناس مازالت ثائرة ومتألمة".

عن رسالة : موسى الشابندر ودوره الثقافي والسياسي في العراق