الحركة الوطنية والعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956

الحركة الوطنية والعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956

د . سيف عدنان القيسي

لما جرى العدوان الثلاثي على مصر, وقفت القوتان العظميان موقفا معارضا للعدوان , 1956،ولاسيما ان الاتحاد السوفيتي الذي هدد بأستخدام القوة ضد المعتدين الثلاثة(الكيان الصهيوني وبريطانيا وفرنسا ).

ودحض الموقف السوفيتي الادعاءات البريطانية بأنها منقذة العرب من الشيوعية، كما يشير ميشيل ايونيداس ولاسيما ان الصحافة العربية كشفت التواطؤ البريطاني _الفرنسي مع الكيان الصهيوني في العدوان على مصر.

ساند الحزب الشيوعي العراقي موقف مصر وحشد اعضاءه ومؤيديه للقيام بمظاهرات واسعة في بغداد وباقي المدن العراقية لتأييد مصر، وجاء ذلك كما تقول احدى قيادات الحزب متماشيا مع موقف الحزب و بياناته في وحدة نضال الشعوب ضد المستعمرين,ولهذا فسرعان ماتخلى الحزب عن سياسته في الطريق السلمي للاشتراكية وانتهج سياسة اكثر واقعية في العراق , فالنظام الحاكم في العراق لجأ الى اكثر وسائل العنف وحشية .

لم يقتصر ذلك الموقف الحازم لنصرة مصر على الحزب الشيوعي العراقي بل ان الاحزاب السياسة العراقية المعارضة اعدت نفسها لاتخاذ الخطوات الفعالة لنصرة مصر , فشكلت قيادة ميدانية ضّمت ممثلين عن الحزب الشيوعي والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وحزب البعث العربي الاشتراكي في التاسع والعشرين من تشرين الاول 1956، الا أنها لم تعمل شيئا للسرعة التي أعتقل بها أعضاؤها.

اثارت عوامل عديدة القوى الوطنية العراقيه ضد النظام السياسي العراقي ولاسيما ولي العهد ونوري السعيد رئيس الوزراء , أولها أن الملك فيصل الثاني وولي العهد ورئيس الوزراء كانوا على مائدة عشاء اقامها أنتوني أيدن, وفي هذه الاثناء علم أيدن بتأميم عبد الناصر لقناة السويس ,الامر الذي اثار غضبه ,فأبدى نوري السعيد رأيه "أمامك طريق واحد وهو أن تضرب الان بشدة والاسيفوت الوقت ويضيع" ثم بين اثار التأميم في الوطن العربي ، وكشف خليل كنه , أحد رموز النظام الملكي ووزير المعارف عن وجهة نظر نظامه تجاه تأميم قناة السويس عندما عد تأميم القناة "بأنها خطوة رعناء وأنها ستورط العرب في عداء مع الغرب".

وما زاد من سخط الشارع العراقي ماتردد عن تزويد العراق بالوقود للقوات البريطانية التي اعتدت على مصر، فأنطلقت تظاهرات ضد الحكومة،طافت الشوارع وشارك بها الطلاب معبرة عن احتجاجها على العدوان الثلاثي.

ومن جهتها واجهت تلك المظاهرات والاضرابات باعلان الاحكام العرفية يوم الاول من تشرين الثاني 1956، فضلا على اجراءات أحترازية تجاه تأزم الوضع الداخلي.لم تقف الاحكام العرفية عائقا امام محاولة الحزب الشيوعي تنظيم مظاهرتين ,الاولى في شارع المأمون والثانية في ساحة زبيدة بجانب الرصافة، ولكن نزول اعداد كبيرة من رجال الامن سواء من منتسبي الشعبة الخاصة او التحقيقات الجنائية ورجال الشرطة أحبطوا المحاولتين ،ولهذا قرر الحزب الشيوعي القيام بتظاهرات صغيرة الحجم سريعة الحركة.

وفي الثاني من تشرين الثاني اندلعت مظاهرات جماهيرية في بغداد واجهها رجال الشرطة و الامن بقوة السلاح فسقط عدد من الشهداء والجرحى، فأستشهد كل من نعمة ناجي الطالب في دار المعلمين العالية، و عواد رضا الصفار، أحد ملاكات الحزب الشيوعي ولاقت حتفها فتاة صغيرة نتيجة المصادمات.

وفي تلك المظاهرات , أدّى الحزب الشيوعي دوراً فعالاً , ، وزجّت منظمة بغداد للحزب الشيوعي بقواعدها وملاكات معروفة من قياداتها، ولم يقتصر دوره في بغداد بل شارك في مظاهرات المدن العراقيه الاخرى التي شهدت اشتباكات مسلحة.

وفي اليوم التالي,الثالث من تشرين الثاني، وعلى الرغم من إغلاق الكليات والمدارس ,هب طلبة العراق معبرين عن احتجاجهم, تقدمهم عدد من ألاساتذة ، فخرج طلاب كلية الحقوق متظاهرين واتجهوا الى دار المعلمين العالية ومنها الى كلية التجارة والاقتصاد وكلية الهندسة وشكلوا مظاهرة, ضخمة ولم يفت في عضدهم استخدام قوات الشرطة العصي والهراوات الغليظة لتفريقهم، بل تجمعوا ثانية بمظاهرتين احداهما قرب كلية الهندسة والاخرى قرب محطة القطار (بغداد-كركوك), وبدأوا هذه المرة بمهاجمة رجال الشرطة وشارك بها الشيوعيون.

لم تنته المظاهرات في ذلك اليوم بعد تفريق المتظاهرين بل انسحبوا وانضموّا الى متظاهري كلية الاداب والعلوم، كان للشيوعيين دور فيها , إذ اشار تقرير الشرطة "التحق بهم عدد من الشيوعيين والرعاع في داخل الكلية وتعالت الهتافات ضد سياسة الحكومة, ووقع صدام مع افراد الشرطة داخل الكلية أستخدم المتظاهرون الحجارة والقناني الفارغة وكل مايقع تحت أيديهم ضد الشرطة، كما حطم المتظاهرون الكراسي الدراسية وأستخدموا أخشابها هراوات وأستفادوا من سياج السطح وقاموا بتهديمه ورموا الشرطة بالحجارة، وأشعلوا النار في داخل الكلية مما دفع الشرطة الى التدخل في الساعة الخامسة من مساء ذلك اليوم مما أجبر المعتصمين على الهرب مخلفين وراءهم دماراً في الكلية وما يحيط بها".

أثارت مصادمات كلية الآداب والعلوم ردود فعل الشارع البغدادي خرجت على أثرها ثلاث مظاهرات شعبية حاولت الوصول الى البناية لفك الحصار عن الطلاب الذين بقوا داخل الكلية، الا إن وجود الشرطة باعداد كبيرة إنتشار الشرطة السرية بمحيط الكلية حال دون ذلك.وبلغ عدد التظاهرات في ذلك اليوم ,الثالث من تشرين الثاني خمسين تظاهرة في مناطق متفرقة من بغداد تسلح بعض المتظاهرين باسلحة خفيفة , اما الضحايا فبلغوا اربعة قتلى وكثير من الجرحى معظمهم من الطلبة,ويصف تقرير للشرطة المعارك بانها كانت (كرًّا وفرًّا ), وان المتظاهرين بعد تفريقهم "يعودون بعناد شديد".

استثمر الحزب الشيوعي الانذار السوفيتي لدول العدوان الصادر يوم الخامس من تشرين الثاني ، والمهدد بدخول المعركة الى جانب مصر اذا لم يتم وقف العدوان، فوزع نداءاً بيّن فيه "دور موسكو في الدفاع عن العروبة، ونادى بأسقاط الحكم السعيدي وتأليف حكومة وطنية مخلصة للشعب تتعهد بالسير على سياسة وطنية عربية مستقلة حازمة وتعمل من أجل تحقيق الاهداف االآتية:-

1- الانسحاب حالاً من حلف بغداد.

2- وضع اليد على منشآت النفط الاستعمارية.

3- طرد المستشارين والجواسيس الانكليز والاجانب من الجيش العراقي.

4- ألغاء الاحكام العرفية التي أعلن لنصرة مصر بل لضرب حركة شعبنا التحررية القومية.

5- تعبئة جميع أمكانيات البلاد ومواردها ووضعها لخدمة التضامن العربي والوحدة القومية.

6- اعادة العلاقات السياسية مع الاتحاد السوفيتي ادى الى وحدة هذه القوى.

7- كشفت عن نقاط الضعف في الجبهة المعادية ومدى الضرر الذي يلحقه الضغط من الدول الاستعمارية".

أستمر النشاط المعادي للحكومة في مناطق أخرى من بغداد فقد ألقت الشرطة في الثاني والعشرين من تشرين الثاني 1956 القبض على ستة أشخاص قالت انهم من الشيوعيين,وأنطلقت في اليوم التالي في تمام الساعة الحادية عشرة صباحا تظاهرة من سوق الصفافير سالكة شارع الرشيد باتجاه الباب الشرقي قدرت الشرطة عددهم بخمسين شخصاً وهم يحملون لافتات شيوعية وانضم اليهم عدد اخر من الناس ناهز عددهم وأن الشعارات التي رفعت هي:"يسقط نوري السعيد,يسقط حلف بغداد,نطالب بتأميم النفط". كماعملت رابطة الدفاع عن حقوق المرأة دورها في دفع النساء والجمعيات المنتمية أليها للعمل بنشاط لأن تؤدي المرأة دورها في المظاهرات وشجب العدوان الثلاثي، كما أسهم العمال الذين كان لهم دورٌ فعالٌ في المظاهرات فقد خرج عمال الزيوت النباتية وعمال المياه الغازية وأشترك معهم عمال مختلف المهن.

عن رسالة ( الحزب الشيوعي العراقي ودوره في الحركة الوطنية العراقية )