العراق وأمريكا والتعويضات المطلوبة

العراق وأمريكا والتعويضات المطلوبة

إيمان محسن جاسم
كلنا سمعنا خبراً لم نتوقف عنده جلياً ومنحناه بُعداً سياسياً أكثر من أبعاده الاقتصادية الحقيقية أو الرئيسية إن صح التعبير، ولم نحلل مدياته ومراميه ودوافعه، هذا الخبر تمثل بطلب أحد نواب وفد الكونغرس الأمريكي الذي زار العراق مؤخراً بأن يقدم العراق تعويضات للأمريكان عن تضحياتهم في حرب تحرير العراق، خاصة وإن أمريكا قد تتعرض لهزة اقتصادية قريباً.

قلت أخذنا الخبر بسياقه السياسي البحت دون أن نعرف مكامنه الاقتصادية وتحليل ذلك وهل هذا الطلب جاء من فراغ أو هو بالون اختبار وغير ذلك؟ وهل هذه التعويضات ستدفع مباشرة أم تأخذ منحنيات أخرى؟.
والأهم من هذا وذاك كيف تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها الذين قدمت لهم خدمات كبيرة كالحالة في كوريا الجنوبية بعد الحرب في خمسينيات القرن الماضي، والحالة الكويتية بعد عام 1991 وتحريرها؟
كنت قبل فترة قد طالعت ترجمة أو تلخيص لكتاب يحمل عنوان (نهاية الدولار) للصحفية ميريت زاكي، الكاتبة والصحفية السويسرية وهي من أصول مصرية و المُختصّـة بالشؤون المالية، من تحوُّل الدولار الأمريكي إلى أكبر فقاعة للمُضاربة في التاريخ، وأعلنت بأنَّ العُـملة الخضراء في طريقها إلى الانقراض، حالها حال الديناصورات! ومن خلال هذه المطالعة يستنتج القارئ بأن مستقبل اليورو أكثر إشراقاً رغم ما تتعرض له منطقة اليورو حالياً من هزات كبيرة سواء في اليونان أو إسبانيا أو البرتغال، ومع هذه الهزات فإن مستقبل اليورو يبدو أفضل من الدولار الأمريكي من وجهة نظر الكاتبة السويسرية.
لهذا فإن ما تضمنه الكتاب يشير إلى انهيار الدولار الأمريكي واقع لا محالة ولا مَفَر منه، وما الحديث عن الاقتصاد الأكبر في العالم، سوى وَهْـم كبير في الواقع. ولأجل إنتاج 14000 مليار دولار كدخلٍ قومي، وَلَّـدت الولايات المتحدة إجمالي، ديون تزيد على 50000 مليار دولار، والتي تكلّـف فوائدها السنوية لوحدها مبلغ 4000 مليار دولار.
وهذا ما يجعل المتابع يكتشف بأن الدولار الأمريكي الأقوى في العالم مفلساً من الناحية التقنية البحتة مع وجود مديونية كبيرة، وما يجعلنا نحن نشعر بهذا هو حجم الإنفاق الأمريكي على مشاريع كبيرة تعدت حدود كوكبنا وهذا ما جعل السياسة النقدية الأمريكية محل نقد الكُتاب والمحللين الأمريكيين أنفسهم الذين يشعرون بأن هذه السياسة النقدية ستؤدي لكارثة على الولايات المتحدة الأمريكية.
ولهؤلاء حججهم المقنعة والتي تتمثل بهبوط الدولار أمام عدد من العملات العالمية، ويضاف إلى ذلك بـأن الاحتياطي الفدرالي الأمريكي يقوم بشراء مُـعظم سندات الدَّين الأمريكية الجديدة مضيفاً عبئاً آخر عليه.
الشيء الآخر يتمثل بقوة منطقة اليورو وتنوعها وأحياناً كثيرة بدأت تستقطب استثمارات كبيرة في مجالات عدة بما فيها العسكرية، وبالجانب الثاني تصاعد قوة الصين الاقتصادية وجذبها لاستثمارات عديدة جدا منها أمريكية.
لهذا عندما سمعنا بالطلب الأمريكي وإن كان غير رسمي ولا يمثل وجهة نظر الإدارة الأمريكية حول دفع العراق لتعويضات لأمريكا، كان علينا كما أشرت أن نتعامل معه في سياقه الاقتصادي لا السياسي أو الإعلامي البحت، والسبب في تعاملنا معه من زاوية سياسية يكمن في قلة خبرتنا كدولة وحكومة في التعامل مع ألأمريكان وفهم سياستهم تجاه الدول الحليفة لهم والتي تقع عليها واجبات عديدة في إبقاء أمريكا كقوة عظمى في العالم وإبقاء اقتصادها الأول في العالم، خاصة وإن الكثير من الدول بما فيها دول أوربا لها مَصلحة في استمرار الولايات المتحدة كقوة عظمى وهذا يتطلب دعمها اقتصاديا من خلال محاور عديدة أهمها بالتأكيد التبادل التجاري، الإنفاق على التسليح من خلال عقد صفقات مع الشركات الأمريكية المنتجة للأسلحة كما حصل مع العربية السعودية العام الماضي وامتصاص عائدات النفط أو زيادات الأسعار المتحققة من طفرة أسعار النفط وغيرها.
الجانب الآخر يتمثل بأن تتحول هذه البلدان لساحة قوية للاستثمارات الأمريكية خاصة في مجالات النفط والغاز والبنى التحتية، وبالتالي نجد بأن هذه التعويضات المطلوبة أو المقصودة من شأنها ليس فقط أن تدعم الاقتصاد الأمريكي بل تعزز في نفس الوقت دور أمريكا السياسي والعسكري.