حوار مع الفيزيائي البريطاني عراقي الأصل جِم الخليلي

حوار مع الفيزيائي البريطاني عراقي الأصل جِم الخليلي

ترجمة وتقديم : لطفية الدليمي

جِم الخليلي ، هو بروفسور الفيزياء وأستاذ كرسي الفهم الجمعي للعلم في جامعة سرّي ، وفضلاً عن هذا فهو حاصلٌ على ميدالية (مايكل فارادي ) التي تمنحها الجمعية الملكية ، وميدالية ( كلفن ) التي يمنحها المعهد البريطاني للفيزياء ، إلى جانب العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعات مرموقة عديدة في العالم .

يُعرَفُ عن البروفسور الخليلي كونه مقدّماً حاذقاً للبرامج العلمية إلى جانب كونه مؤلفاً للعديد من الكتب التي لاقت رواجاً واسعاً ، وهو لاينفكّ يتحفُنا بالعديد من الوثائقيات العلمية المبهّرة في شتى صنوف المعرفة العلمية .

إجتهدنا في هذه الحوارية الموسّعة مع الدكتور الخليلي أن نلامِس طيفاً واسعاً من الموضوعات : من نشأته في العراق إلى الكتب المفضّلة التي يحب ( ومنها التحفة الفريدة : محاضرات فاينمان في الفيزياء ) . إنها لَمُتعةٌ عظيمةٌ أن نحاورَ شخصية رفيعة على شاكلة جِمْ ، ونأملُ أن القارئ سيُسعَدُ بقراءة شيء من مغامراته الرائعة .

مقدّمة

•ماالذي تقولهُ في حفلة عشاء عندما يبادِرُكَ أحدهم بالقول " ماالذي تعمله في حياتك؟ " في سياق الشروع ببدء حوار معك ؟

- يعتمدُ الأمرُ كثيراً على كمّ المعلومات التي أرى أنّ محاوري يحتاجها فضلاً عن خلفيته الثقافية . يختزن جوابي على مثل هذا السؤال - في العادة - الكثير من الأمور ؛ لكن التعريف المختصر بي عندما يتمّ تقديمي للحديث في لقاءات عامة هو ( فيزيائي ، مؤلّف ، و مقدّم برامج علمية ) ؛ لكن الكيفية التي أرى نفسي بها واراها اقرب لشخصيتي من غيرها هي كوني بروفسوراً جامعياً أو فيزيائياً كمومياً ، أما بشأن توصيفاتي الخاصة بعملي في مناشط أخرى ( الكتابة ، العمل في الحقل الإذاعي والتلفازي ) فأراها أكبر من أن تكون محض توصيفات بسيطة عابرة لي ؛ لكنها تبقى أقلّ من أن تكون قادرة على دفعي للتصريح بأنها تمثّلُ " عملي اليومي " . عملي اليومي هو ماأفعله في قسم الفيزياء بجامعة سرّي (Surrey ).

بواكير الحياة

• هلّا أخبرتنا شيئاً عن مكان نشأتك الأولى ، وهل كنتَ مقيماً في منطقة ريفية أم في مدينة حضرية ؟

- ولِدتُ بمدينة بغداد في بواكير ستينيات القرن العشرين لأمّ بريطانية وأب عراقي . درس أبي الهندسة في المملكة المتحدة في خمسينيات القرن الماضي ، وهناك إلتقى بوالدتي وتزوّجا ، ثمّ عزما على الإستقرار في العراق حيث أصبح أبي ضابطاً في القوة الجوية العراقية ، وقد عنى هذا الأمر - بين أشياء كثيرة - أن أتنقّل بين أماكن عديدة خلال طفولتي : بغداد ، كركوك ، الموصل ، ثم قفلنا عائدين لبغداد ثانيةً ، حتى إنتهى بنا المقام في مدينة تدعى ( سدّة الهندية ) تقع على مبعدة ساعة بالسيارة جنوب بغداد . غادرنا العراق بلا أي تفكير بعودة مرتقبة بعد أن أمسك صدّام بزمام السلطة عام 1979 ، وأقمنا في مدينة ( بورتسماوث ) - التي تتحدّرُ منها أمي - في المملكة المتحدة .

• أي الموضوعات أبديتَ فيها تفوّقاً بيّناً في المدرسة ، وأيّها رأيتَ فيه تحدّياً أعظم لقدراتك من سواه ؟

- الرياضيات والعلوم كانت ، بشكل واضح لايرقى إليه الشك ، دروسي المفضّلة دون سواها ؛ لكنّي وجدتُ متعة كذلك في دروس الموسيقى والرياضة البدنية ، وأظنّ لو كان ثمة درسٌ وجدتُني متواضع المستوى فيه آنذاك فسيكون التأريخ ؛ إذ لم تكن لي رغبةٌ في تعلّم واستظهار كلّ تلك الأسماء والتواريخ والوقائع . تبدّل الحال معي بشكل دراماتيكي في أيامي هذه ؛ فقد غدوتُ عاشقاً للتأريخ وبخاصة التأريخ القديم ، وربما تكون نشأتي وميراثي العراقي قد لعبتا دوراً مميزاً في إعادة تشكيل نظرتي للتأريخ ، ولطالما إستطبتُ - وأنا طفلٌ صغير بعدُ - النزهات اليومية والسفرات بين حين لآخر إلى موقع الجنائن المعلّقة في مدينة بابل التأريخية العظيمة .

• هل تستطيعُ أن تستذكر شيئاً من العبارات التي لطالما تكرّرت في تقارير نتائجك المدرسية ؟

- دعني أقُلْ بهذا الشأن أنني كنتُ طالباً محلقاً في أدائي الأكاديمي ، وكنتُ أحصل على كلّ أصناف الإطراء المعروفة ؛ لكنّ كلّ ذلك الإطراء لم يكن قادراً على جعلي أبالغُ في تعظيم قدراتي أو أي شيء آخر من هذا القبيل .

* هل مررتَ يوماً بلحظة إنعطافية في حياتك عندما خاطبتَ نفسك : " هذا هو الموضوع الدراسي الذي أرغبُ في دراسته " ؟

- نعم حصل هذا الأمر . عندما كنتُ في الثالثة عشرة جاء أدائي في أحد إختبارات الفيزياء متفوّقاً بطريقة ممتازة للغاية في حين أنّ العديد من زملائي الذين كنتُ أتنافسُ معهم أكاديمياً أخفقوا في نيل مرتبة عالية في الإختبار ذاته ، ولم أزل حتى يومنا هذا كيف أفردني أستاذ الفيزياء المسؤول عن الإختبار وسحبني من يدي وأوقفني أمام طلبة الفصل الدراسي ثم راح يربّتُ برفق على رأسي ، وفي الوقت ذاته راح يكيلُ كلمات التوبيخ للطلبة لإخفاقهم في الحصول على مرتبة مكافئة لي . قد تظنَ أنّني في ذلك العمر ربما أردتُ للأرض أن تنشقّ وتبتلعني بسبب خجلي المفرط ؛ لكني ، وعلى العكس من هذا التصوّر السائد ، أدركتُ في تلك اللحظة الفارقة أنني لم أكن أؤدي أداءً جيداً في الفيزياء فحسب بل كنتُ أؤدي اداءً أكثر من جيد - جيد للغاية إذا شئنا الدقة في التوصيف . وجدتُ الفيزياء مادة سهلة مطواعة لي ؛ فقد بدت لي أقرب إلى البداهة التي تعتمد مقاربة قائمة على حلّ المشكلات ، وفضلاً عن ذلك فهي تتناول أكثر الأسئلة إمتاعاً والتي شرعتُ في سؤالها والتفكّر بشأنها آنذاك ، ودعونا نتذكّرْ دوماً أنّ هذا الأمر حصل في العراق حيث لم يكن في مقدرتي بلوغ آفاق علمية بأكثر ممّا تتيحه كتبي المدرسية أو الوثائقيات العلمية - التي كانت تُعرَضُ في التلفاز العراقي آنذاك - أو كلّ من توسّمتُ فيه - وتشاركتً معه - الولع والشغف ، ورأيتُ فيه المقدرة على الإستجابة ( مهما كانت بسيطة متواضعة ) لتساؤلاتي العميقة التي كانت على شاكلة : ماالزمن ؟ هلى سيستمرّ الكون على ماهو عليه إلى الأبد ؟ ،،،،،، إلخ .

• هل تستطيع تذكّر تلك البرهة المفصلية التي توهجتَ فيها عشقاً لموضوعك الأكاديمي الأقرب إلى عقلك وروحك ( الفيزياء ) ؟

- إذا لم نعتبر لحظة وقوفي - وأنا طالبٌ يافعٌ بعدُ - أمام طلبة صفي في درس الفيزياء وفقاً للواقعة التي تحدّثتُ عنها سابقاً هي تلك البرهة المفصلية فستكون بالضرورة ، إذن ، هي البرهة التي عشتها خلال سنوات دراستي الجامعية الأولية عندما إنغمستُ في قراءة الكتب الخاصة بالسّيَر Biographies المميزة للفيزيائيين الأكثر شهرة في العالم ، مثل : آينشتاين و فاينمان . أدركتُ حينها رغبتي الجارفة في تكريس حياتي بكلّيتها لفهم الآليات التي تجعل الكون يعمل بهذه الدقة العجيبة .

التعليم الأكاديمي

• فيما يخصّ دراساتك الجامعية الأولى ، ماالجامعة التي درستَ فيها ، وهل كانت خيارك الأوّل ؟

- درستُ في جامعة سرّي ( في منطقة غيلفورد جنوب لندن ) في دراستي الجامعية الأولية . نعم ، كانت جامعة سرّي خياري الأوّل لأنني - ببساطة - لم أكن أرغبُ في مغادرة مدينتي بعيداً حتى أبقى قادراً على الإلتقاء بصديقتي جولي بانتظام ( هي اليوم زوجتي منذ ثلاثين سنة ) التي كانت تقيمُ في بورتسماوث آنذاك . دراستي في جامعة سرّي عنت لي حينذاك أنني سأكون قادراً على العيش في منزل أبويّ وإدامة صداقاتي القديمة في الوقت ذاته . اليوم أنا بروفسور في الجامعة ذاتها .

• ماالشهادة الدراسية التي درستَ لأجل نيلها في الجامعة ، ولو عاد بك الزمن فهل كنتً ستختارُ الدراسة ذاتها - الفيزياء - بعد كلّ التطوّر والإرتقاء اللذيْن حصلا في تفكيرك ؟

- درستُ الفيزياء ، وماكنتُ لأختار سواها في كلّ مراحلي العُمْرية .

• هل تستطيعُ تذكّر أحد أساتذة الفيزياء الذين درّسوك في الجامعة وكان مصدر إلهامٍ حقيقي لك ؟

- نعم . إنه البروفسور رون جونسون Ron Johnson الذي يبلغ الآن سبعين ونيفاً من السنوات ( يقاربُ الثمانين ) ويشغلً منصب أستاذ متمرّس في جامعة سرّي ، وقد درّسني مادة ( الميكانيك الكمومي Quantum Mechanics ) في سنتي الجامعية الأخيرة في الدراسة الأولية . أذكر معاناتي وتشظياتي الفكرية وأنا أكافحُ في محاولة فهم هذه المادة الدراسية التي تتقاطع مع تصوراتنا البديهية عن العالم ، واعتزمتُ حينها على إتمام مشروعي البحثي للسنة الدراسية الأخيرة مع رون في موضوع ( فيزياء الجسيمات الأولية النظرية ) ، ومنذ ذلك الحين وأنا واقعٌ في شباك هذا المبحث الفيزيائي الفريد في نوعه . بعد إتمام الدراسة الأولية وتخرّجي من الجامعة قبلتُ منحةً من البروفسور رون للبقاء في جامعة سرّي والإنخراط في دراسة عليا في نظرية التفاعل النووي ، واتخذتُ من البروفسور رون مشرفاً على شهادة الدكتوراه Ph.D التي عملتُ عليها في الجامعة .

• فيما يخصُّ دراساتك العليا في الفيزياء ، ماالذي دفعكَ وأجّج فيك الرغبة للإنخراط في وظيفة أكاديمية ؟

- البحث الذي عملتُ عليه في سنتي الأخيرة لدراستي الأولية ، ثمّ المنحة اللاحقة لدراستي في الدكتوراه التي لم أكن معها في حاجة للتسجيل على برنامج دراسة الدكتوراه بل الإكتفاء بقول ( نعم ، أنا أقبل هذه المنحة ) . حتى ذلك الحين كنتُ قد خطّطتُ للعمل في مختبر بحثي تابع للحكومة البريطانية ( المختبر الفيزيائي الوطني ) ؛ إذ كنتُ قد حصلتُ على وظيفة فيه . كنتُ أخطّطُ أيضاً للمضي في إتمام زواجي من جولي ، وعلمتُ بحاجتي الماسة لعمل مناسب ؛ لكن عندما مُنِحتُ منحةً كاملة لدراسة الدكتوراه أشارت لي جولي بأنّ هذه لامنحة ستفتح لي مغاليق الأبواب نحو ماأتوقُ للعمل فيه حقاً ، وقد كانت سعيدة للغاية للدعم الذي دأبت على توفيره لي خلال عملي على شهادة الدكتوراه ولسنواتٍ كثيرة بعدها . إنّ معونة جولي لي ودعمها المواظب الذي لم يخفت يوماً هو حقيقةٌ أراني ممتناً لجولي بسببها ، وسأحملُ هذا الإمتنان بين جوانحي طيلة حياتي .

• ماكان عنوان أطروحتك لشهادة الدكتوراه ، وكيف توضّحُ فحوى النتائج التي بلغتها في هذه الأطروحة للفيزيائيين المبتدئين وللعامة ايضاً ؟

- تناولت أطروحتي للدكتوراه ( الإستطارة الديوتيرونية المرنة للطاقة المتوسطة المنبعثة من النويّات الذرية باستخدام نموذج ثلاثي الأجسام ) . كانت عملاً نظرياً ( فيه الكثير من الرياضيات العالية والمحاكاة الحاسوبية ) يسعى لمعرفة ماالذي يحدث عندما ترتطم بعض النويّات الذرية مع بعضها في مسارعٍ للجسيمات . نحنُ نسعى في الفيزياء النووية لفهم طبيعة القوى التي تربط بين مكوّنات النواة الذرية ( وهي البروتونات والنيوترونات ) معاً ، وهذا ( الغراء ) النووي اللاحم هو شيءٌ أقربُ مايكون لوحش معقّد التكوين ، ولغرض دراسة طبيعة هذه القوى نلجأ إلى النواة الذرية الأكثر بساطة : الديوتيرون ، التي تتكوّن من بروتون واحد ونيوترون واحد فقط ، ثم نرى ماالذي يحدث عندما نوجّهُ شعاعاً من الديوتيرونات نحو هدفٍ نووي ، وهذه العملية كفيلة بأن تخبرنا بالكثير عن طبيعة القوى التي تربط البروتون بالنيوترون معاً في الديوتيرون . وجدتُ في أطروحتي للدكتوراه أن الطريقة التي تحصل بها الحركة المغزلية Spin في البروتون والنيوترون تلعب دوراً حاسماً في تحديد خواص هذا الغراء النووي .

• لو عاد بك الزمن لتكون طالباً جديداً في مقتبل دراستك للدكتوراه ، ماالذي كنت ستفعله بطريقة مختلفة - لو وجِد - ؟

- ربما كنتُ سأعمل بطريقة أكثر جديّة ومواظبة ، وأظنّني كنتً سأدققُ بطريقة أكثر تنقيباً في قائمة الموضوعات الحيوية المتاحة قبل البدء في دراستي للدكتوراه .

التركيز البحثي

• أخبرنا أكثر بشأن تركيزك البحثي في الوقت الراهن.

- أعملُ في الوقت الراهن في حقليْن مختلفيْن في الفيزياء ( على الرغم من كونهما ينتميان لحقل الفيزياء النظرية ، ويشتملان على مباحث من الميكانيك الكمومي ) . الحقل الأول في بحوثي الرئيسية ( الكلاسيكية ) هو الفيزياء النووية ، ولو شئتُ الدقة سأقول هو المبحث الفيزيائي الخاص بالفيزياء الفلكية النووية ، وماأسعى إليه في هذا المبحث هو محاولة فهم الكيفية التي ( تُطبَخُ ) بها بعض العناصر الكيميائية داخل النجوم عن طريق دراسة الكيفية التي تتشكلُ بها نويّاتها الذرية . يدعى البحث الذي أركّزُ عليه في هذا الشأن ، من الوجهة التقنية ، " التفاعلات الإنتقالية " لأنها تشتمل على إطلاق الديوتيرونات نحو النواة الذرية ، ومن ثم تشكيل نويات أثقل من سابقاتها .

الحقل البحثي الثاني الذي أعملُ فيه هو حقل جديد - صارت له محدّداته الدقيقة - ، يدعى " البيولوجيا الكمومية Quantum Biology " ، وأعمل هنا في دراسة الدور الذي يلعبه الميكانيك الكمومي داخل الخلايا الحية .

• مالإنعطافات الكبرى التي تلوحُ في الأفق ضمن نطاق مجالك البحثي ؟

- أرى مثل هذه الإنعطافات الكبرى قادمة في حقل البيولوجيا الكمومية ، وأرى أننا على أعتاب فهم عميق للطبيعة المعقدة التي تلعبها التأثيرات الكمومية داخل البيئة شديدة التعقيد التي تحتويها الخلية الحية . لو حصل وفهمنا طبيعة هذه التأثيرات الكمومية فربما سنحصلُ على فكرة أفضل حول : ماالذي يجعلُ الحياة تبدو خاصية شديدة الفرادة والتميّز من جهة ، وربما سنتحصّلُ على طرق إصطناعية في إحداث مثل تلك التأثيرات الكمومية من جهة أخرى .

• لو جعلتَ مخيالك يجولُ بعيداً لدقيقة من الزمن ؛ فماالذي سترجوه أن يكون المبحث الأكبر الذي يبحث فيه خلفاؤك عام 2116 ( أي بعد قرن من اليوم ، المترجمة ) ؟

- الإنتقال الكمومي للأجسام عن بعد Quantum Teleportation . هل تريدُني الإستفاضة في هذا الشأن ؟ أنا آسف حقاً . أراه موضوعاً يوضّحُ نفسه بالتمعّن في عنوانه فحسب !

• كيف ترى الكيفية التي سيكون عليها ميراثكَ المهني ؟

- آملُ أن سيكون لي ميراثٌ مهنيّ يُعتدّ به . عملتُ لسنوات كثيرة في حياتي على تقديم مباهج العلم ومُدهشاته التي لاتُحصى للملايين من الناس ، ولو مُنِحتُ الخيار في تحديد شكل ميراثي الذي أودُّ أن يذكرني به الناس فسيكون الآتي : كنتُ شارحاً للعلم ومفسّراً له لأعداد كبيرة من الناس .

المشاريع الحالية

• هل تعملُ في الوقت الحاضر على مشاريع خارج نطاق التدريس الجامعي ، وهنا أقصد مشاريع على شاكلة : كتب ، مدوّنات صوتية ، مواقع ألكترونية ، الحديث إلى عامّة الناس ؟

- ثمة الكثير من هذا كله . لديّ ثلاثة كتب جاهزة للطبع (بضمنها روايتي الأولى التي تنتمي لجنس رواية الخيال العلمي والرعب معاً ، وأكملتُ وثائقياً لقناة الـ BBC عن الثقالة Gravity ، كما لازلتُ مواظباً على برنامجي العلمي المسمّى LifeScientific الذي أقدّمه منذ سنوات عديدة على قناة الإذاعة البريطانية BBC القناة الرابعة .

نصائح وإرشادات

• لو كان في مستطاعك تقديم نصيحة واحدة لبالغ في الثامنة عشرة من عمره ؛ فما ستكون تلك النصيحة ؟

- لاتظنّ أبداً ، أبداً ، أبداً أنك غير ذكي بالقدر الذي يكفيك ويؤهّلك لدراسة أي موضوع في أي حقل معرفي طالما كان لك شغف به .

• أية نصيحة تختارُ تقديمها لمن يتطلّعُ / تتطلّعُ إلى البدء ( أو الإرتقاء ) في مهنة تنتمي لحقلك المعرفي؟

- حدّدْ ماالذي يدهشكَ أكثر من سواه من الموضوعات التي تنتمي لحقلك المعرفي ، وأقصدُ بهذا بالتحديد : ماالشيء الأخير الذي فكّرت به قبل أن تنام ، وماالشيء الأوّل الذي فكّرت به في الصباح ؟ هل هو عمل بحثي يتطلّب إجراء التجارب في المختبرات أم أنك تفضّل الإنغماس في حلّ المعادلات ( التي تتطلّبها الفيزياء النظرية) ؟ هل تفضّلُ العمل بما يساعدُ على إشاعة العلم وتوصيل أفكاره إلى العامة بطريقة تكفلُ تطوير فهم جمعي لأهمية العلم ودوره في تشكيل حياتنا المعاصرة ؟ هل تفضّلُ العمل في تطبيق العلم وخدمة المجتمع والإرتقاء بحياة أفراده عبر هذه التطبيقات ؟ هل تفضّلُ التعليم أو تطوير السياسات العلمية في القطاعين الحكومي والخاص ؟ كلُّ مهنة في العلم لها أهمية تعادلُ المهن الأخرى تماماً ، ولاتقبل أبداً بما قد يقولهُ لك كائن من كان من الأمور التي تخالفُ هذه الحقيقة.

• أي كتابٍ ترى أنه إمتلك التأثير الأعظم في تشكيل حياتك ؟

- كتابٌ واحد فقط ؟ هذه معضلة كبيرة !! ؛ لكن ربما هو ( محاضرات فاينمان في الفيزياء The Feynman Lectures in Physics ) التي قرأتها وأنا طالب دراسات أولية بعدُ .

• لو أتيحت لك حرية التوصية لمبتدئ في ميدانك المعرفي ( الفيزياء ) بقراءة كتاب واحد فحسب ؛ فما سيكون ذلك الكتاب ؟

- أي كتاب من كتبي المنشورة بالطبع ! ومنها :

- المفارقة : الأحجيات التسع الأعظم في الفيزياء

Paradox: The Nine Greatest Enigmas in Physics

- الحياة على الحافة : العصر القادم للبيولوجيا الكمومية

Life on the Edge: The Coming of Age of Quantum Biology

- الكم : دليلٌ للحائرين

Quantum: A Guide For The Perplexed

• لماذا ترى في موضوعة أن يكون المرء مفكّراً حراً مسألة غاية في الأهمية ؟

- أعتقدُ بهذه الضرورة والأهمية الآن بأكثر ممّا فعلتُ من قبلُ وبخاصة بعدما صارت الرؤى والآيديولوجيات من كلّ الأصناف والألوان تقصفنا قصفاً كل يوم عبر منافذ عدّة : الأخبار على مدار الساعة وإن تفاوتت في أهميتها ومصداقيتها ، وسائل التواصل الإجتماعي، المدوّنات الألكترونية ،،،، إلخ ، وبات من السهل اليسير أن يقعُ المرء منّا في الفخّ المتمثّل بالتنافر المعرفي ( أي قبولنا بموضوعات ورؤى تتقاطعُ مع توجهاتنا الشخصية ومتبنّياتنا الفكرية العامة ، المترجمة ) بكيفية تعزّزُ الآليات الإسترجاعية من جانب هؤلاء الذين نميلُ لاشعورياً إلى التوافق معهم أو تبني رؤاهم أو - على الأقلّ - نشعر معهم بعدم ضرورة مساءلة وإعادة تقييم قناعاتنا ؛ لذا فإنّ كون المرء مفكّراً حراً بالنسبة لي أمرٌ حيوي للغاية إذا شئنا البقاء في عالما هذا الذي بات يوصفُ بعالم مابعد الحقيقة Post-Truth World أما بقدر مايختصُّ الأمر بي شخصياً فقد كان الوضعُ - ولم يزل - أكثر يسراً ممّا قد يحصلُ مع الآخرين لأنني إعتدتُ طيلة حياتي وتدريبي العلمي أن أسائل المعتقدات الراسخة ( الدوغما ) فضلاً عن التأكيد على الشواهد الداعمة لأية رؤية علمية جديدة عن العالم .

جم الخليلي وكتابه الشهير ( العصر الذهبي للعلوم العربية) وكتابه ( بيت الحكمة) .