عيد الصحافة العراقية..محاولة إغتيال الصحفي الساخر نوري ثابت

عيد الصحافة العراقية..محاولة إغتيال الصحفي الساخر نوري ثابت

رياض فخري البياتي

بدأ نوري ثابت الكتابة في الصحف العراقية منذ عام 1925م، ونبغ في مجال الكتابة الصحفية في حقبه ما بين الحربين العالميتين، حين بدا ينشر مقالاته في جريدتي الكرخ والبلاد، واشتهر بأسلوبه الفكاهي الناقد في جريدة البلاد عام 1929م، وقد لاقت كتاباته الصحفية في تلك الجريدة قبولاً لدى القراء، حتى وصفه ياسين الهاشمي قائلاً:

((انه خير من يصف أخلاق المجتمع واهله وصفاً فيه الإجادة كلها والعبرة البالغة))، لكنه انقطع عن الكتابة بسبب الإنذار الذي تلقاه من دائرته الرسمية بسبب كتاباته الناقدة في مقالاته الصحفية.

اصدر نوري ثابت جريدة خاصة به قام بتحريرها بنفسه، أطلق عليها اسم : (حبزبوز)، وكان يكتب فيها مقالاته في النقد السياسي، شملت اغلب رجال بغداد، فيما تناول الوضع الاجتماعي باللغة التي تتداولها نساء بغداد، واتسمت مقالاته المشهورة بالجمع بين النقد والفكاهة، ومن الامثلة على مقالاته الانتقادية التي كتبها بأسلوب فكاهي، عندما كتب قائلاً : ((يراني البعض اكتب في جريدة الإخاء (البلاد) وشديد الإعجاب بأدمغة الاخائيين فيضنني اخائي، وانا اقسم لكم بالبيت (الهاشمي) الرفيع وبتربة (الكيلاني)المقدس وبكل (جادر) ينصب في أيام الزيارات على أنني لست هذا))).

أصدرت الحكومة العراقية عام 1931م، قانون انضباط موظفي الدولة لغربلة واقصاء بعض الموظفين، وذلك في وزارة نوري السعيد الأولى (23 آذار 1930 – تشرين الثاني 1931م) وقد فصل على أثره الكثيرون من الموظفين غير المشايعين للسلطة، وكان نوري ثابت أحد أولئك الموظفين، إذ كان ما يزال موظفا في وزارة المعارف، وذكر نوري ثابتً ذلك الحدث بمقال وجهه إلى نوري السعيد بعنوان : (شكراً ابو صباح) قال فيه: ((صرح فخامة رئيس الوزراء في المجلس النيابي جواباً على سؤال احد النواب في مسالة المذيلين قائلاً : ليأتني النائب بشخص واحد يقر بأنه ذيل بحق عدا صاحب جريدة : حبزبوز، لا أتريد بهذا الاعتراف أن اعترف بان دائرتي المختصة ذيلتني بحق عن سلوكي الشائن , ثم أضاف قائلاً : الآن مسالة السلوك والسمعة خارجة عن صلاحيات الأقلام التي شطبت اسمي من قائمة موظفي الدولة والرأي العام يعرفني ويعرفهم)).

يتضح من ذلك أن نوري ثابت احد الأقلام الصحفية التي ناصبتها السلطة العداء، بسبب مقالاته الصحفية التي اتسمت بالنقد الساخر.

تعرض نوري ثابت يوم 16 أيلول 1931م، إلى محاولة اغتيال قام بها شخص يدعى (أحمد الناصري) إذ قام المذكور بإطلاق عيارات نارية صوب نوري ثابت حين كان في فندق (ما شاء الله) الواقع في شارع الحيدر خانه (شارع الرشيد حالياً) إلا أن المذكور أخطأه، فهرب نوري ثابت من الفندق المذكور، لكن الشخص الذي هاجمه لحق به في الشارع واستمر يمطرهُ بالرصاص الذي لم يصبه، لكنه أصاب شخصاً آخر كان احد زبائن محل الحلاقة الذي بجوار الفندق المذكور، وذلك في أثناء قيام المجني عليه بمحاولة استطلاع ما يجري أمام باب محل الحلاقة، فأصابته رصاصة طائشة أدت إلى وفاته.

وظهرت شائعة أفادت أن الحادثة تلك هي من تدبير السلطة الحاكمة،وقال البعض ان رئيس الوزراء نوري السعيد هو المحرض على تلك العملية، التي استهدفت حياة الكاتب والصحفي نوري ثابت، بسبب نقده الذي اتسمت به مقالاته الصحفية.

ومن خلال السيرة المهنية للكاتب والصحفي نوري ثابت يتبين انه لم يتبوأ أي منصب سياسي، أو له مركز حزبي معروف يجعله عرضة للاغتيال , لكن السمة البارزة لطبيعة عمله في الصحافة هو أسلوبه في النقد اللاذع باستخدام أسلوب السخرية والفكاهة في نقد القضايا السياسية والاجتماعية والتي لها علاقة بالمجتمع والحكومة، وربما مس ذلك بعض السياسيين وذوي السلطة من المخطئين والمقصرين، وذلك ما فسر دوافع إقصائه من وظيفته في وزارة المعارف ومن ثم محاولة الاعتداء على حياته. ولد نوري ثابت في بغداد عام 1897م , وينتسب الى عشيرة القيسيين , اكمل الدراسة الرشدية ثم الاعدادية العسكرية في بغداد , ثم انتقل الى المدرسة الحربية في استانبول وتخرج منها برتبة ضابط في أوائل الحرب العالمية الاولى , التي اشترك فيها , لكن بعد اصابته بطلق ناري في يده اليمنى اضطر على اثرها للعودة الى استانبول والعمل ضابطاً في وزارة الحربية العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الاولى , وبقى في استانبول الى عام 1923م , اسهم خلال تلك الفترة في تحرير جريدة (قزموز) , التي صدرت في انقره , ثم عاد الى بغداد , وعمل في مجال التعليم الآهلي , ثم انتقل الى العمل الرسمي في وزارة المعارف , اذ عمل بصفة مفتش فيها , ثم عين مدرساً في دار المعلمين الاوليه ثم عمل في مجال الكتابة في الصحف العراقية عام 1925م , وانتمى سياسياً إلى حزب الشعب الذي تأسس في كانون الاول 1925م برئاسة ياسين الهاشمي.

عن رسالة (ظاهرة الأغتيالات السياسية في العهد الملكي)