عندما كانت اللقالق في أعالي ابراج بغداد

عندما كانت اللقالق في أعالي ابراج بغداد

رفعة عبد الرزاق محمد

سمعت قبل ايام ان العديد من البغداديين شاهدوا في اواخر شهر اذار واحد من اللقالق في سماء بغداد .. ولعل تلك المشاهدة هي الاولى بعد اربعة عقود اختفى فيها اللقلق الذي كان يزور مدينتنا كل شتاء ويعرفه الجيل الماضي من البغداديين .

تقترن ذكريات البغداديين مع اللقالق بمشهد هذا الطير الكبير والجميل وهو يبني عشه فوق الابنية العالية التي كانت موجودة في بغداد وهي المنائر والقباب والكنائس واعلى انظمة التهوية التي كانت تسمى ( البادكير) وكانت تبرز من اسطح الدور الكبيرة ، وفي منتصف اذار يبدأ بترك بغداد والتوجه شمالا حيث مدينة اربيل فيستقبله الناس بسعادة ويسمونه بالحجي .

دخل اللقلق في الماثور الشعبي العراقي ، واتذكر من اغاني الطفولة الشهيرة : اللكلك علا وطار ووكر ابيت المختار . وكنت اسمع ان بعض الاسر البغدادية المترفة كانت اذا جاءها مولود جديد ، تتسلم بطاقات التهنئة وعليها صورة طائر اللقلق وهو يعلق لفافة الطفل الرضيع الذي يبدو مبتسما ، ولا ادري كيف وصلت تلك الفكرة ، هل من افلام الاطفال المتحركة ام غيرها ؟

ومن الطريف ذكره وتلك حالة غريبة ان اللقالق تختار جانب الرصافة فقط لتبني اعشاشها ، وكثيرا ما كان الكرخيون القدامى ولم يكن هناك ما يشغلهم الا القليل ، يتساءلون : لماذا يفضل اللقلق مناير الرصافة ويهمل مناير الكرخ ؟ وربما السبب يعود الى ان الرصافة القديمة كانت ــ ولم تزل ــ تعج بالمنائر والكنائس والقباب الكبيرة.. اتذكر جيدا ان اعشاش اللقالق كانت فوق برج ساعة القشلة ويشاهدها اغلب الناس في جانب الكرخ ويسمعون طقطقتها ، وفوق قبة باب السراي وفوق منارة الحيدرخانة وجامع القبلانية وقبة كنيسة الشورجة ( كنيسة الاباء الكرمليين ) ، كما اتذكر اعشاشها فوق طاق كسرى ويراها البغداديون عند زيارتهم لمنطقة سلمان باك في ربيع كل سنة .

ووما له صلة بالقالق واخبارها ان كلمة لقلق اطلقت في الجيل الماضي على عدد من الشخصيات الاجتماعية ببغداد ، ومنهم المرحوم جعفر اغا لقلق زاده الذي كان فاكهة الصالات والملاهي في بغداد القديمة ، اذ كان يقدم فواصل ضاحكة من الغناء والاحاديث الفكاهية بين فقرات الحفلات يومئذ . وقد اصبحت اخبار هذا الرجل الفنان الذي نزح من مدينة الكاظمية الى مباذل بغداد وملاهيها وانخرط في تفاصيلها حتى اصبح اسمه كناية شعبية بين الناس ، وقد كتب عنه الاستاذ يوسف العاني الذي وصفه بانه فنان كبير .. ولكن .

ويتداول البغداديون العديد من القصص والحكايا الطريفة عن لقالق بغداد القديمة ومنها :

إن احد هذه الطيور اختار برج كنيسة ليبني عشه فوقه ، مما سـبب ازعاجاً مستديماً لشماس الكنيسة هو بمثابة مؤذن الجامع عند المسلمين ) فأشـتكى امره للقـس ، إذ إنه كلما قرع ناقوس الكنيسة تساقط عليه القش والذرق ( الذروك ) المتيبس ، فاوصاه القس بأن يأخذ قطعة من كبد جمل ويملحها بصورة حسنة ( ولحم الجمل يسبب العطش ويستحرم اليهود اكله ) ، ويضع بجوارها كاسة خمر معتقة ، فعندما يأكل اللقلق كبد الجمل يعطش ، فيضطر لشرب الخمر فيسكر ويصبح ثقيل الحركة وغير قادر على الطيران ، فيصعد اليه الشماس ويذبحه . اتبع الشـماس التعليمات بحذافيرها حتى سكر اللقلق ، فصعد اليه الشماس وامسكه من رقبته ، سحب السكين وسأله :

فهمني انت من يا ملة ... ؟؟ ، يهودي ... أشـلون تاكل لحم جمل ؟ ، نصراني ... أشـلون اتذرك عل الناقوس ؟ ، مسـلم ... أشـلون تشـرب عرك ؟؟ ، ثم قطع رأسه ! .