الآخر بين سارتر وميرلو بونتي

الآخر بين سارتر وميرلو بونتي

عبدالنور شرقي

تتشكل العلاقات الانسانية من مجموعة ذوات، فلا يمكن أن نتصور حياة معزولة عن الآخرين، وهذا ما عبر عنه علماء الاجتماع من أمثال اميل دوركايم بقولهم “أن الانسان اجتماعي بطبعه يهدف إلى صنع المجتمع من خلال تعامله مع غيره من الناس”. هذه الفكرة تناولها معظ الوجوديين نجد هيدغر يتطرق في حديثه عن العلاقة التي تربط الآنية بغيرها من الذوات من ثم يفرق بين الوجود الأصيل والوجود الزائف.

اما سارتر فإنه يرى في الآخر سلبا للحرية فالإنسان ينتابه هذا الشعور كلما أحس بنظرات الغير تقصده او تراقب أفعاله وتصرفاته لهذا ليس غريبا أن يعلن أن : حيث نجد أن الآخر يفرض على الانسان الوجود الذي يرضيه ويتماشى مع طموحاته وأفكاره وهذا من شانه أن يعيق كل ابداعات والسمات التي هي ميزة الانسان في حد ذاته، لهذا يرى سارتر أن الحب مشروع لا يمكن تحقيقه وما هو إلا محاولة للسيطرة على الآخر، ونفس الشيء عندما يحبني الآخر فإنني بالنسبة اليه موضوع، باستطاعتي أن أؤثر في حرية الآخر بطريقة تجعلني أمتلكه كما امتلك شيئا آخر وهذا ما قصده سارتر في قوله ، إنه يريد امتلاك حرية بما هي حرية .
الآخر بهذا المعنى يمثل الوجود السابق للوجود الانساني وللوقوف في وجهه لابد حسب سارتر اني أستمر في ان أنكر على نفسي بانني الغير، وأخيرا فإن مشروع التوحيد هو مصدر نزاع باعتبار ان وجود الآخرين الذي يحتلون وجودنا يؤدي إلى معاناتنا فهم يخلقون لنا وجود غير وجودنا <<فالآخر لا يكشف لي الحالة التي لايكون عليها فحسب وانما يجعل مني كائنا جديدا يحمل أوصافا جديدة>> .
في مقابل ذلك نجد أن ميرلوبونتي يولي أهمية لمسألة الآخر وهذا ما نلمسه في تحليله الفينومينولوجي للجسد، << فالآخر ضروري بالنسبة لي لانني لا أستطيع أن أكون حرا بمفردي، ولا اكون واعيا بمفردي ولا أكون انسانا بمفردي >> فإذا ما تساءلت فإنني أجد هذا الشخص الآخر الذي يعتبر ثان بالنسبة لي حيث أعرفه منذ البداية لانه جسمه الحي له نفس بنية جسمي.
يعتبر جسم الآخر بمثابة موضوع يشكل مع جسمي كلا واحدا فهو امتداد لجسمي تماما مثلما تعمل العينان بالعمل المشترك، في نقل صورة واحدة، لذلك فإنني أشعر حسب ميرلوبونتي بان الآخر جسمه خاصا مماثلا في تكوينه الجسمي، وقد أهيب بالآخر أن يأتي لمساعدتي هلى القيام بعمل مشترك وفي هذه الحالة يكون جسم الاخر قد اتضاف إلى جسمي مكونا كلا واحدا.
وبمجرد حديثي مع الآخر يكون اتصال حقيقي به وهو ضرب من المشاركة الفعلية تلتقي فيها الذات بالآخر<< إننا ندرك الغير عن طريق التواجد معا>> ولا يكاد أحدنا ان يشرع في القيام بعمل مشترك مع الآخر حتى ينشأ بيننا ضرب من الاتصال >> حيث يوجد حضور دائم للآخر ولا يمكن تهميشه أو تغييبه << ... والحاجز بيننا وبين الغير دقيق جدا إذا كان هناك قطيعة فليست بيني وبين الآخر...>> فالغير وجسمي يولدان معا إلى الوجود الأصلي .
إذا كان الآخر يمثل سلبا للحرية بالنسبة لسارتر فهذا راجع إلى اعتقاده ان الانسان يتمتع بالحرية المطلقة التي لا تحدها حدود وهذا ما جعله يثور على الآخر ويؤكد على تحطيم وجوده من أجل اثبات هذه الحرية غير أنه ما برح ان تنازل عن هذا الطرح وأصبح أقل دعوة للحرية المطلقة وهذا ما يظهر في مؤلفاته المتأخرة “نقد العقل الجدلي” و “الوجودية نزعة انسانية” ليصبح بذلك الالتزام والاحترام شرطا ضروريا للحرية، حيث يقول << إن الغير هو أمر ضروري لا غنى عنه لوجودي>> كما يقول أيضا <<إن تحركات جسد الغير يأتي لتؤلف كلا استخلاصيا مع اضطراب جسمنا “
عن الحوار المتمدن