من آراء الدكتور عماد عبد السلام رؤوف

من آراء الدكتور عماد عبد السلام رؤوف

. أهمية التاريخ في حياة الشعوب من خلال تقديمه صورة الجذور التي ينتمي إليها ذلك الشعب، فالتاريخ يمثل الهوية لكل شعب، إذ حينما تختل المفاهيم لا يبقى غير التأريخ هوية ثابتة لشعب من الشعوب. والأمة التي تجهل تأريخها، أمة بلا هوية، ومن لا هوية له، يمكن ان يقع ضحية الآخرين، ويسقط تحت تأثير التحديات المستمرة، وربما اختلت قناعاته وسلك مسلكاً يضر بمصالحه الوطنية.

. علينا ان نتذكر ان الحلم الأمريكي المستقبلي هو مبني ايضاً على فهم للتأريخ. كثيرون يقولون بأن العالم الجديد ولد عند اكتشافه على يد كريستوفر كولومبس، مع ان العالم الجديد هو امتداد للعالم القديم، وهو تطور منه، وهو ولادة جديدة له. الإنسان في أمريكا، هو نتاج تراكمي لحضارات كثيرة استطاع ان يتفاعل معها تفاعلاً حياً لكي يحول هذا التفاعل إلى طاقة تدفعه إلى الأمام. هذه قاعدة عامة، لكن نحن اكتفينا بالنظر إلى الماضي والإعجاب به، بمعنى التوقف عنده وتحويله إلى ما يشبه ان يكون وجبة غذاء لا تنتهي، مع ان وقتها قد انتهى واصبحنا بحاجة إلى غذاء جديد، أي ان نتوافق مع زماننا الذي نعيش، وأن نبني لزمان مقبل. هم أيضاً استفادوا من حاضرهم ومن ماضيهم، فالحضارة الأمريكية هي بنت الحضارة الأوربية.

. الذين روَّجوا للعولمة على أنها البودقة الأخيرة لصهر الحضارات في حضارة عالمية واحدة وبشروا بظهور نظام سياسي عالمي واحد يلغي تعددية الأمم وتعددية الثقافات والقوميات والأديان والمفاهيم والقيم، هؤلاء بشروا بنهاية التأريخ. والذين قالوا إن هذه هي نهاية التأريخ، كانوا على صواب، إن كان قصدهم من العولمة إلغاء هذه التعدديات، وهذه الهويات، وهذه القيم، نعم هم على صواب، لأنه لن يبقى هناك شيء سوى نظام شمولي واحد واقتصاد واحد ودولة واحدة تفرض هيمنتها على العالم كله. لكن أرى ان هذا شيء لم يختبر بعد، ونحن لا نستطيع ان نقيم هذه التجربة الجديدة، فهناك من التنوع، ما هو ضروري لاستمرار الحياة، والغاء هذا التنوع يعني ان العالم سينتهي كما هم يقولون، ونحن نعتقد إزاء هذا التنوع الشديد في القيم والحضارات والثقافات، أن النهاية التي قالوا بها، هي غير متحققة، وهي في الاقل غير مجربة للآن.

. على هذه الأمم ان تبحث عن نقاط القوة لديها، فاليابان تفرض نفسها بامبراطوريتها التكنولوجية، والاتحاد الأوروبي يفرض كيانه أو أهميته من خلال ماينتج، وهكذا الأمم الأخرى، بمعنى أن علينا أن نعمل من أجل أن نرتقي بذواتنا لكي نستطيع أن نقف، لا في القمة مباشرة، لأن هذا ليس باستطاعتنا ولن نستطيع ذلك، إلاّ بعد أجيال لا نعرفها، لكن في الأقل أن نقف في نادي الدول، ولنقل العشرين أو الثلاثين المتقدمة في العالم.

. العلة في تأخرنا في “العمل”، هم عملوا فصنعوا حاضرهم ومستقبلهم، أفادوا من ماضيهم وتفاعلوا معهُ وصنعوا حاضرهم، وهم الآن يبنون لمستقبلهم، ونحن لا نعمل، ولا فرق بيننا وبينهم سوى العمل، وحتى لا نندثر علينا أن نعمل، لأننا في حال اندثارنا سيخسر العالم نفسه، لأنه سيفقد عنصراً يمكن أن يؤدي دورا في استمرار التاريخ، والاندثار ليس القصد به الجانب الفيزيائي بل الجانب المعنوي من الوجود، لاننا سنُطرد من دائرة الحياة ونعيش مستعبدين لأولئك الذين عملوا فاستعبدونا، كما يحدث الآن في العالم فهناك شعوب مهددة بالانقراض، كما هو الحال في أفريقيا المهددة بالانقراض بالمجاعات والحروب الأهلية.