من تاريخ الحياة النيابية في العراق..أول انتخابات لمجلس النواب سنة 1925

من تاريخ الحياة النيابية في العراق..أول انتخابات لمجلس النواب سنة 1925

د . حميد حسون العكيلي

بعد تتويج الملك فيصل الأول في 23 آب 1921، توجهت الانظار إلى انتخابات المجلس التأسيسي، وذلك باعتماد الأسلوب غير المباشر في انتخابات أعضائهِ، البالغ عددهم مئة عضوٍ خصص منها خمسة مقاعد لليهود، ومثلها للمسيحيين، فيما كانت حصة رجالات العشائر اثنان وعشرين مقعداً،

أما بقية المقاعد، فكانت لسكان المدن والقرى في البلاد، وقد أجريت الانتخابات في 25 شباط عام 1924، وقد تبين ان خلفية وتكوين أغلب أعضاء المجلس التأسيسي المنتخبين، كانوا من ملاك الأراضي الكبار، والتجار، والعوائل العريقة. فضلاً عن، شيوخ العشائر الذين شكلوا ثلث أعضاء المجلس تقريباً، وبعض الضباط الذين خدموا مع الملك فيصل الأول في الثورة العربية الكبرى عام 1916، والحكومة العربية في دمشق عام 1918. وفي الواقع, أن العناصر المثقفة في المجلس التأسيسي كانت أقلية، قياساً بغالبية الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، أو الذين حصلوا على تعليم محدود.

ثمة حقيقة تاريخية, وهي أن انتخابات المجلس التأسيسي العراقي، قد شهدت تدخلاً من قبل الحكومة العراقية والسلطات البريطانية، خصوصاً أن الأخيرة كانت تؤكد دوما على أن قبول العراق في عصبة الأمم، لا يتم إلا بعد قبول المعاهدة البريطانية في المجلس التأسيسي، وقد طلبت السلطات البريطانية ذلك من الملك فيصل الأول أثناء إجراء الانتخابات، من أجل ضمان حصول مؤيدي المعاهدة على أكثرية في المجلس، لذلك وضع الملك وحكومته هذا الأمر نصب أعينهم، من أجل إتمام المهام الرئيسة للمجلس التأسيسي، وهي البت في المعاهدة العراقية البريطانية، وإقرار القانون الاساسي للمملكة العراقية وقانون انتخاب النواب، وقد وافق المجلس على ذلك كله.

ينبغي أن نشير هنا إلى, أن القانون الأساسي، قد نص على أن السلطة التشريعية منوطة بمجلس الأمة أي مجلسي الأعيان والنواب مع الملك، حيث يتكون مجلس النواب من أعضاء منتخبين، بنسبة نائب واحد عن كل عشرين ألف نسمة من الذكور، ويجب أن لا يقل عمر النائب عن الثلاثين عاماً، وأن يجري انتخابه بالانتخاب غير المباشر، أي على درجتين، إذ يقوم الناخبون بانتخاب مندوبين عنهم أولا، ثم يقوم هؤلاء المندوبون أو الناخبون الثانويون بانتخاب النواب، واستمرت هذه الطريقة لغاية عام 1952، حيث يكون التصويت سرياً، ويحق للفرد الذي يبلغ عمره عشرين عاماً الانتخاب ، وقد أقصى الدستور المرأة من المشاركة في الانتخابات. مع ان المرشحين للانتخابات قد وجب عليهم دفع تأمينات مالية قدرها مائة دينار. أما مدة دورة مجلس النواب فهي أربع سنوات، لكل سنة اجتماع واحد، يبدأ في اليوم الأول من تشرين الثاني، تكون مدته أربعة أشهر، زيدت شهرين وفق تعديل عام 1943 لتصبح ستة أشهر، إذ يدعو الملك المجلس إلى عقد جلساته العادية، أما إذا تم حل المجلس، فيجب الشروع مباشرة بانتخاب مجلس جديد، ويدعو الملك المجلس الجديد إلى الاجتماع بصورة غير عادية، في مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ الحل، وقد اوجب القانون الاساسي، فض الاجتماع غير الاعتيادي قبل 30 تشرين الأول، لكي يبدا الاجتماع الاعتيادي الأول من الدورة المذكورة.

على أية حال، بدأت الحياة النيابية بشكل رسمي في العراق في 16 تموز عام 1925، بعد انتخاب (88) نائباً لعضوية مجلس النواب العراقي في دورتهِ الأولى، وقد تجلت المصاهرات وصلات القربى بأوضح صورة، من خلال تواجد نصرت الفارسي وصهره داود الحيدري، ورؤوف الجادرجي وصهره محمود صبحي الدفتري، ونظيف الشاوي وصهر آل الشاوي محمد أمين باش أعيان الذي كان متزوجاً من بلقيس كريمة عبد المجيد الشاوي. فضلاً عن تواجد عبد المحسن السعدون وقريبه عبدالله فالح السعدون وناجي السويدي عديل عبد الكريم السعدون، ومحمد علي الإمام صهر عارف السويدي، وابراهيم كمال عديل تحسين العسكري شقيق جعفر العسكري. بالإضافة إلى ذلك، تواجد ابناء العائلة الواحدة في دورة انتخابية واحدة، من خلال تواجد الاخوين محمد رضا ومحمد باقر الشبيبي، والاخوين خيري الدين العمري وأرشد العمري, ومزاحم الباجه جي وابن عمته حمدي الباجه جي, ولم يخل المجلس من تواجد ممثلين عن أسرتي الهاشمي والجميل, وذلك بتواجد كل من ياسين الهاشمي وفخري الدين الجميل, وحكمت سليمان ممثلاً عن أسرة طالب الكهية المتنفذة. وعلى الغرار نفسه, كان للأسر الدينية حضورٌ كبيرٌ في مجلس النواب، حيث تواجدت أسرة الكيلاني من خلال انتخاب رشيد عالي الكيلاني، وأسرة النقيب من خلال تواجد داود النقيب والياس النقيب. فضلا عن، تواجد الشيخ احمد الداود. أما الأسر الاقتصادية, فكانت حاضرة أيضاً من خلال تواجد عبد الحسين الجلبي وعبد المحسن شلاش.

ثمة حقيقة تاريخية, وهي أن التدخل الحكومي الكبير في الانتخابات النيابية، هو الذي أوصل الأصهار والأقارب إلى قبة البرلمان، لاسيما بعد الضغوط التي تعرضت لها الحكومة من قبل البلاط والسلطات البريطانية، من أجل إيصال أغلبية مؤيدة لعقد معاهدة جديدة، لذلك سعى الملك فيصل الأول إلى ضمان الأكثرية، وأيد مساعي وزير الداخلية عبد المحسن السعدون وتدخلاته الرامية إلى إيصال أغلبية إلى المجلس لا تؤيد حكومة ياسين الهاشمي، الأمر الذي أدى إلى صراع حاد بين الطرفين. مع العلم, ان وزارة الداخلية هي الجهة المهيمنة على شؤون الانتخابات، لاسيما في المناطق العشائرية، لأن الجهاز الإداري المسؤول عن إدارة الانتخابات، مرتبطاً أساساً بوزارة الداخلية، لذلك ومن أجل أن يضمن الموظفون التابعون لها نجاح مرشحيهم بين أفراد العشائر الذين كانوا يؤلفون نسبة عالية من سكان العراق، جعلت من انتخابات المنتخبين الأوليين في النواحي صورية، إذ يحشر الناس وتكتب لهم الأوراق، وترمى في صناديق الانتخاب، ويقال لهم انصرفوا، فينصرف أفراد العشائر وهم لا يعرفون عن سبب مجيئهم شيئاً، وعلى هذه الشاكلة ازدحمت المجالس النيابية بأعضاء من شيوخ العشائر. بتعبير أوضح، أن الوحدات الإدارية التابعة لوزارة الداخلية المتمثلة بالمتصرف والقائمقام ومدير الناحية، كان لهم دور كبير في تنظيم وتصحيح قوائم الانتخابات، بالتعاون مع المختارين، وعند إجراء الانتخابات، فأن المختارين يتولون مراقبة الانتخاب، وإعلان انتهائه، وبعد الانتهاء يقوم المتصرف بتوقيع المضابط الانتخابية, عن التدخل الحكومي في الانتخابات, يؤكد لنا شاهد عيان( وشهد شاهد من أهلها),على أن انتخابات الدورة الأولى عام 1925:

«...انتهت بانتخاب مرشحين كان يتفق على تعيينهم من قبل الملك ووزير الداخلية، ومن ورائهم المستشار البريطاني ورئيس الوزراء، إذ كانت قائمة المرشحين تبقى مكتومة حتى يوم الانتخابات، وتبلغ بالهاتف إلى المتصرفين، ويطلب منهم بذل جهداً كبيراً لإنجاحها، حتى أنه وقع أكثر من مرة أن طلب من المرشح أن يعطي تعهداً خطياً يحفظ لدى رئيس الوزراء، بأنه إذا انتخب نائباً كمرشح من الحكومة، فإنه يؤازرها دائماً، حتى إذا استقالت، فإنه يؤازر أي حكومة يأتي بها جلالة الملك.

بالمقابل, كان الأصهار والأقارب أكثر استجابة من غيرهم في تلبية مطالب الحكومة، لذا بذلوا كل ما بوسعهم من أجل ترشيحهم للانتخابات، إذ كانت تعد قوائم خاصة بهم بوصفهم من مؤيديها وتابعيها، حتى انهم سموا بمرشحي الحكومة. وينطبق الأمر نفسه, على شيوخ العشائر الذين وصل عددهم إلى ثمانية عشر عضواً في الدورة الأولى لمجلس النواب.

على أية حال، شهدت الدورة الانتخابية الأولى، تشكيل وسقوط أربع حكومات متعاقبة، كانت آخرها برئاسة عبد المحسن السعدون، حيث اشترط حل المجلس لقبول تشكيل الوزارة ، وقد وافق الملك فيصل الأول على مضض، وهكذا شكل عبد المحسن السعدون وزارته الثالثة في 14 كانون الثاني 1928، والتي دعت إلى انتخاب مجلس نيابي جديد .

عن رسالة (المصاهرات الإجتماعية وصلات القربى وأثرها السياسي في العراق الملكي 1921-1958) .