فضل الله وأبو زيد.. حضور فـي الغياب

فضل الله وأبو زيد.. حضور فـي الغياب

محمد سعيد الصكار

موجع أن يكون القول هذا الأسبوع عن لؤلؤتين من لآليء الفكر العربي التنويري المتجدد، غابتا من حياتنا ونحن بأمس الحاجة إلى حضورهما ليسندا ما تبقى لنا من قوة في صراع الأفكار في وقت تتناهبنا فيه أفكار الإرتداد العقلي والسلوك الغيبي والرضا بما قسم، وتعطيل فاعلية العقل في البحث والتنقيب، وتصويب المغالطات في بناء الشخصية الإنسانية الواعية.

ما الذي يمكن أن يقال في غياب السيد محمد حسين فضل الله، الحجة الثبت، والألق الفكري الذي أضاء الملامح المضببة في زوايا حياتنا، ونقلنا إلى منطقة الكشف عن ما افتقدناه من جسارة في كشف المؤجل، وفصاحة الحقيقة.أليس من المرارة وقلق الروح أن نفقد اثنين من مصابيحنا بين يوم وآخر؟ وكيف لنا أن نعترف بالفضل العلمي الكبير الذي فتحه لنا نصر حامد ابو زيد من كوة لمراجعة ما نحن فيه من فوضى التأويلات، واختصار المسافات العقلية بأبعاد غيبية وأحكام قابلة للنقاش، ولكنها لم تناقش. غاب فارسا العقل والجرأة في قولة الحق في عز الحاجة إليهما. فضل الله، جاءنا من كوكبة المتنورين في طلبة الحوزة النجفية في الحقبة التي ضمت حسين الحلي وحسين مروة ومحمد شرارة وصالح الجعفري ومحمد رضا الشبيبي ومحمود الحبوبي ومحمد جمال الهاشمي وفريق منتدى النشر في النجف، ومن جاء في موكبهم من الشعراء أمثال الجواهري وعلي الشرقي منذ بداية القرن العشرين. في غياب السيد فضل الله، وما شاهدناه من مظاهر التشييع المهيبة التي حفلت بها تلك المسيرة العامرة التي جمعت الشيعة والسنة والمسيحيين والعلمانيين، يؤكد أن للحق قوة، وأن للعقل قوة تتجاوز ما يحاول المتخلفون تغييبه. وهذا لبنان بكل أهله يسند قوة العقل وصفاء الروح، ويؤكد أن الأمة بخير ما دام فيها أمثال هذا العالم الكبير، وهذا الجمهور المتطلع. وجاء نصر حامد ابو زيد من عمقين، عمق البيئة الشعبية في مصر التي صقلت حياته وتمكنت من أفكاره، وعمق الثقافة العربية الإسلامية على امتداد تاريخها، وتنوع فروعها، ومكنته من الغور في تاريخها وواقعها المعاصر، وما يحفل به وجودها من فوضى الكلمات التي تأتي وفق أمزجة لا تليق بما تحمله تلك الثقافة من وقار وموضوعية غابت عن أدعياء العلم والمعرفة. جريئان في قولة الحق؛ أبقيا لنا من قوة العقل ما يتبغي أن نتصحفه جيدا لنعرف مدى خطواتنا إلى ما نطمح إليه من حياة . سلام على روعة العقل الذي يتواصل مع ما نعتد به من تراثنا، ويمسح لنا ضباب التأويلات التي تغلق باب العقل.

نشر في المدى عام 2010