رحيل الشاعر الكويتي علي السبتي..هكذا كان السياب في أيامه الاخيرة

رحيل الشاعر الكويتي علي السبتي..هكذا كان السياب في أيامه الاخيرة

اعده للملحق :

رفعة عبد الرزاق محمد

غيب الموت يوم الاثنين 5 تموز 2021 الشاعر الكويتي علي السبتي

الذي ارتبط اسمه بالشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب.

نعيد نشر اللقاء الذي اجرته مجلة (الف باء) في سبعينيات

القرن الماضي عن ذكرياته في الايام الاخيرة من حياة السياب.

يقول السبتي :

لقد كان السياب صديقي وكنت قبل ان التقي به قبل اكثر من ربع قرن معجباً الى حد كبير بشعره.. وعندما التقيته للمرة الأولى في البصرة ازداد إعجابي به وأصبح بعد ذلك من اعز أصدقائي ثم باعدتنا الأيام والتفرقة الجغرافية بين العرب الى ان جاء يوم وقع إمام عيني مقال منشور في مجلة «الحوادث» اللبنانية بقلم الأستاذ الياس سحاب يتحدث فيه عن بدرشاكر السياب المريض الذي لايحصل على العلاج الكافي وانه مهمل في المستشفيات وان طريق الموت يتسع إمامه..

وقد هز مشاعري هذا المقال وتألمت كثيراً على بدر فكتبت بدوري مقالا في مجلة صوت الخليج الكويتية طلبت فيه من وزير الصحة الكويتي ان يتبنى علاج بدر شاكر السياب في احد المستشفيات الكويتية.. وفعلا اهتم الوزير بما جاء في مقالي حيث اتصل بي طالباً عنوان بدر للاتصال به وبعد بحث واستقصاء علمت ان بدرا كان يتلقى العلاج في مدينة درم البريطانية وقد غادرها الى جهة مجهولة وأخبرت هذا وزير الصحة وأضفت إنني سوف اعلمه بأية معلومات جديدة عن مكانه فور حصولي عليها. وبعد فترة كنت في زيارة لمدينة البصرة وعرفت منها ان بدراً يرقد في المستشفى الجمهوري فزرته هناك ووجدت حالته الصحية تدعو الى الأسف.. لاعلاج.. لا نظافة.. لا متابعة ..كان كشجرة يبست أوراقها ولاتحظى بأية اهتمام فعرضت عليه الانتقال الى مستشفيات الكويت..

وهل المستشفيات الكويتية في تلك الفترة كانت احسن من العراقية من حيث الاختصاصات الطبية والاهتمام؟

- كلا انا لا أقول أنها أحسن من العراقية ولكن مجرد نقل المريض بدر من مكان يشعر فيه بالإهمال والعلاج فيه غير كاف، إلى مكان يزرع نفسه بالشفاء وهذا يعني ان عملية النقل كانت من اجل رفع معنوياته لاغير.. إضافة الى توفير غرفة نظيفة خاصة به مع اعتناء مباشر من قبل طبيب متخصص وممرضة تهتم به.

بعد طرح الفكرة على بدر وافق على الفور فاتصلت هاتفيا بوزير (الصحة) الكويتي واخبرته بعودة بدر الى البصرة وموافقته على الحضور لتلقي العلاج في الكويت فرحب الوزير به وقال : نحن بانتظاره.وفعلا بعد ايام قلائل تم نقل بدر من البصرة الى الكويت..

متى كان ذلك؟

- لااتذكر اليوم بالضبط ولكن حسب معلوماتي انه كان في احد ايام شهر حزيران عام 1964.

من كان في استقبال بدر في الكويت؟

- الاستاذ ناجي علوش والاستاذ فاروق شوشة وانا.. وأخذناه أولا إلى مستشفى سالم الصباح.

وهل نال العلاج السريع فيها ؟.

- لقد تشكلت في المستشفى لجنة طبية خاصة للإشراف على علاجه.. المرحوم بدر جاء بكل تقاريره الطبية التي تشير الى وضعه المرضي وبضمنها تقارير مستشفى البصرة الجمهوري ومستشفى “درم” في بريطانيا مع تقارير اخرى من بيروت ..

اللجنة الطبية الخاصة توصلت الى نفس قناعات الأطباء العراقيين والبريطانيين حول مرض بدر وأكدت بان علاجه سيطول لتدهور صحته كما انه يحتاج الى عملية جراحية سريعة يمكن ان تنجح لو أجريت في المستشفى الاميري فاتصلت بالجهات الصحية وحصلت الموافقة على نقله.. وفي المستشفى الأميري اشرف على علاجه طبيب متخصص بالامراض الباطنية اسمه محمد ابو الشوك من القطر المصري ومساعده الدكتور عبد الله مبارك الرفاعي... في هذا المستشفى اكدت ايضا اللجان الطبية ما جاء في التقارير السابقة عن مرض بدر.

ما المرض بالضبط ؟

- مرض بدر الشلل النصفي

وما اسباب هذا الشلل؟.

- يقول الاطباء ان الشلل حدث لسببين.. الاول مرض مزمن.. والثاني.. وراثي..

وايهما الذي اقعد (بدر) ؟.

- تشير المعلومات والتقارير التي تستند إليها ان العامل الوراثي هو السبب..

السياب وهوّس الحب..

يقال ان (بدر) كان في حالة حب مستمرة حتى وهو على فراش المرض..

- نعم لقد كان المرحوم بدر يرتاح كثيرا لهذه الحالة وانأ لا اسميها حبا وانما شعور بالارتياح والمحبة من مريض لا يرجى شفاؤه مع من تعالجه من الممرضات.

هذا رأيك انت ولكنني اريد ان اعرف شعور بدر ازاء الطرف المقابل من النساء.؟

- لااريد ان ادخل في التفاصيل ولكنني اعترف ان روحه كانت “خضرة”- حتى في أيامه الأخيرة..

كيف وصلت الى هذه القناعة؟

- من خلال أحاديثي معه عن النساء والحب والجمال.

وقد حدثني مرة واحدة عن علاقاته النسائية لممرضة لبنانية اسمها ليلى تعرف عليها عندما رقد ذات مرة في مستشفى بيروت وكانت ليلى الممرضة المسؤولة عن علاجه... لقد كانت تعطف عليه وهو يفسر من جانبه هذا العطف بانه حب وقد تأكد لي ذلك عندما التقيت ليلى في بيروت صيف 1964.

* كيف؟

-لقد أخبرت بدرا وهو راقد في المستشفى الأميري بأنني ذاهب الى بيروت لفترة قصيرة فطلب مني من أمر على المستشفى اللبناني واسلم على الممرضة ليلى التي يحبها وتحبه

وهل التقيت ليلى وحدثتها عن بدر؟

- نعم قابلتها وحدثتها لكنها قالت انها لا تحبه وان كل الذي بينهما عطف من ممرضة على مريض يحتاج الى رعاية خاصة... جوابها هذا آلمني كثيرا لان بدرا كان يعتقد انها تحبه بينما الحقيقة كما روتها ليلى لي عكس ذلك.. الا إنني وبسبب حبي الكبير لبدر قررت ان أعالجه نفسيا وان اجعل قلبه يستمر نابضاً بالحب ولو عن طريق الكذب عليه من جانبي.. ولهذا قلت لليلى ان بدرا يحبك.. قالت : ان ما بيننا لا يمكن ان يسمى حبا فهو كما قلت لك مجرد علاقة بين ممرضة ومريض.. ولكنه بحاجة الى حبك ؟ فقالت : وماذا باستطاعتي ان افعله له ؟ قلت : الكثير. اكتبي له اولا بأنك تتذكرينه

فأجابت : هذا محال... فقلت : أرجوك هذا ينفعه كثيرا ويساعده على استرجاع أنفاسه وقد ينقذه هذا من الموت الذي يحاصره

فقالت : ماذا تريدني ان افعل؟ أجبتها: اكتبي له رسالة تستفسرين فيها عن حالته الصحية وتعبرين في سطورها عن اشتياقك له.. فقالت : انا على استعداد ان اكتب ما تريد وسأكتب كل ما طلبته مني...

في اليوم التالي سلمتني الممرضة ليلى رسالة إلى بدر وأخذتها منها شاكرا لها.

وبعدها غادرت لبنان الى الكويت وفي لحظة اللقاء الأولى معه سألني بدر: هل قابلت ليلى ؟ وما إخبارها ؟..

ضحكت وقلت له وانأ أمد راسي إليه، هذه قبلتي أولا لمناسبة عودتي من لبنان وهذه القبلة الثانية من ليلى طلبت مني ان أطبعها على خديك.. فرح بدر كثيرا بهذا الكلام وارتسمت على وجهه ابتسامات عريضة مشرقة غطت كل وجهه وطلب مني ورقة كتب عليها على الفور قصيدة عنوانها ليلى وهي من أجمل قصائده الغزلية..

بعد “ ليلى «..

قلت لعلي سبتي بعد قصيدة ليلى والعودة من بيروت اشتد المرض على بدر ولما كنت قريبا منه.. هل يمكن ان تتذكر آخر كلماته وقصائده ؟

- مع مضي الأيام وانتهاء اشهر الصيف وبداية الخريف اشتد المرض عليه وأتذكر إنني في احد الأيام دخلت عليه وكان يردد كلمات يريد ان يكتبها على شكل قصيدة موجهة الى الإمام علي ابن ابي طالب(ع) يستنجده فيها ليعينه على ان يتحمل آلام المرض..كما كتب قصيدة أخرى رفعها الى الأمير عبد الله السالم الصباح وهي في الحقيقة رسالة على شكل قصيدة يرجو فيها امير الكويت المساعدة في إرساله إلى سويسرا لتلقي العلاج فيها لانه علم ان هناك أطباء باستطاعتهم القيام بانقاذه..

واين هذه القصيدة؟

- لقد أخفيتها عندي لفترة من الزمن وعلى الأخص بعد وفاته لأنني لم أحبذ نشرها حرصا على سمعة صديقي الشاعر التي لا اريد الاساءة اليها ولكن بعد مرور أكثر من عشرين سنة على وفاته طلب مني “ جهاد فاضل” المحرر الثقافي في صحيفة “الحوادث” اللبنانية ان ينشرها فأعطيته إياها ونشرها، فأحدثت ضجة في الأوساط الثقافية على امتداد الوطن العربي وراح بعض النقاد والأدباء يسبون السياب وينتقدونه بشدة لأنه كتب هذه القصيدة التوسلية..

هل فقد بدر شاكر السباب ذاكرته في أيامه الأخيرة؟

- ليس بشكل كامل فقد كانت تصيبه حالات من الغيبوبة يتكلم من خلالها من دون وعي... أي انه كان (يهذي) وفي الأول من كانون أول من عام 1964 أي قبل وفاته بثلاثة أسابيع زرته الى المستشفى وكانت الممرضة بجانبه تعطيه العلاج فنظر إليها بغضب وقال اطردها من الغرفة.. كما كان في آخر أيامه يقرأ الشعر مع نفسه باللغة الانكليزية وقد حاولت ان أسجل له بعضها بصوته الا إنني لم استطع لعدم وضوح صوته.. لقد كان بدر شاكر السياب شاعراً عاطفياً في كل شيء وكانت حياته غنية بالشعر والالم والمعاناة والخوف. - هكذا حمل معه أمراضه وتناقضاته ومشاعره الحزينة ورحل الى العالم الآخر ليترك بعده الأقلام تتكلم عنه وتكتب عن هذا الشاعر الذي صنع الشعر الجديد ومات قبل ان يشاهده صرحاً تمتد أعمدته في كل جزء من الأرض العربية..

عن مجل الف باء، ملف خاص عن السياب