إليوت الشاب والأرض الخراب

إليوت الشاب والأرض الخراب

مضت 50 عاماً على وفاة الشاعر البريطاني ت. س. إليوت، وقد اطلعت عليه صحيفة النيويورك تايمز: “ذلك الشخص الرمادي الذي منح اللغة الانكليزية معنىً آخر”. وشهر حزيران يشير الى مرور قرن على صدور “اغنية الحب لألفريد بروفروك”، والتي مع قصائد أخرى، مثل “لوحة سيدة” و”بين البلابل”، ساعدت إليوت،

في إحداث شرخ مفتوح في الشعر الجديد. وفيما بين 1915 و 1920، عندما كانت تحصل بعض التطورات كانت تنشر بعض القصائد المبتكرة. وقد نشر إليوت العديد من القصائد الحديثة، كما انه نشر مجموعة كبيرة من النقد المحافظ، وحتى قبل نشر “الأرض والخراب” كان إليوت كان شهيراً بنسبة عالية، ما يجعل المقارنة بينه وبين لويس أنتير ميير، الذي تخيل “اينشتاين بين اكواب القهوة” وفي أواخر 1922، اطلق “الارض الخراب” الى العالم الذي بدا وكأنه كان في الانتظار او ربما كان مستعداً لها. اما جيمس جويس فكان قد طبع “يوليسيس” في شهر شباط من ذلك العام.

وسرعان ما تمت ترجمة “يوليسيس” بعد أشهر قليلة حتى يتمكن الفرنسيون من قراءته، كما ذكر احد الكتاب الاميركيين، وقد تمت الاشادة بـ “الارض الخراب” حتى قبل طبعها، ما ادى الى انتشار القصيدة . وقد تجددت الحركة الادبية، وهي عبر الحداثة ستجدد نفسها تلقائياً بلا توقف.

ان الشكل الفني يتجدد باستمرار مع الحداثة. وقد تحدث روبرت كرافورد عن ذلك في سيرته الذاتية: “إن إليوت الشاب يستمد موضوعه الى أبعد ما تعنيه تلك الحداثة في الوقت الراهن”. كان إليوت موضوعاً لعدد من كتاب السيرة بمقارنته مع الآخرين، وقد منع النقاد من استخدام عباراته.

كان إليوت قد نشأ في عائلة متوسطة، وكان مصدراً للاذى، وكما يقول كرافورد، ان الشاعر في طفولته كان خجولاً في عائلة صارمة، وعلى الرغم من معرفة إليوت: “ان الأدب ليس أمراً أساسياً بالنسبة للقومية، بل للغة”، كما انه أدرك أهمية، المكان، مؤكداً، أنه وبعد 30 سنة كمواطن إنكليزي أدرك أن “شعره”، “تعود مصادره إلى منابعها العاطفية، ويعود ايضا الى اميركا».

ويتحدث كرافورد بشكل ممتاز، في بحثه عن الاعوام الاولى للشاعر في سانت لويز، ودراسته في هارفود، ورحلاته واختيار لندن للعيش فيها.

ولد إليوت عام 1888، في عائلة محبّة، وكان مصاباً بـ “الفتق” ولادياً. وعاد كاتب السيرة الى الرسائل والمذكرات، وحتى الى ما كتبه الطلاب وعثر على صلة ما بين العالم الذي واجهه إليوت والصور التي يستخدمها في قصائده. وقد تأثر إليوت بموسيقى واغنر والموسيقى الاميريكية آنذاك “الراغ تايم” ، وكل ما تأثر به إليوت انتقل الى “الارض الخراب».

وقد سافر إليوت الى مدن كثيرة وتأثر بعاداتها وفي باريس استمع الى محاضرات هينري بيرغسون، واستأجر روائياً شاباً يدرسّه اللغة الفرنسية، يدعى هينري الينان فورينر، واصبح متميزاً بمعرفتها وعقد إليوت صداقات عدّة مع كتّاب من الشباب ومنهم الشاعر الاميركي كونراد إيكين وجان فيردينال، والذي قتل في الحرب العالمية الاولى.

عاد إليوت الى هارفرد، من أجل اتمام للحصول على شهادته في الفلسفة. وقرأ إليوت بيرغسون بالفرنسية وباتانجالي باللغة البالية. كما قرأ بالسنسكريتية وقرأ ايضاً باليونانية والالمانية والايطالية واللاتينية.

وقال إليوت ذات يوم لصديق: “لا بد ان تكون للمرء نظريات، ولكن دون الحاجة الى تصديقها، ولم يكن أي شاعر كبير مثقفا ومتعلماً».

ويذكر كرافورد، ولا يمكن لاحد عدم لاتفاق معه، أن إليوت قد تأثر باعمال “ييتس ،غوثا، مليتون، براونينغ، سبينسر، آرنولد».

بدأ إليوت الدوام في اوكسفورد عام 1914 من اجل انهاء دراسته، وبدأ بعد ذلك الاندماج في الحلقات الادبية، وغدا صديقاً لإزرا باوند، بيرتراند رسل ومجموعة بلومزبري، وسرعان، ما التقى بفيفيان هيغ – وود. ويقول النقاد ان الحب الاكبر في حياته كان لصديقته في بوسطن – إميلي هيل. وكتب إليوت لاحقاً، بعد عام من الزواج، “لقد اكتشف أنه ما يزال يحب إميلي هيل”. واصبح الاثنان يعيشان كالغرباء وذلك الزواج منع إليوت من الموافقة للسفر الى الولايات المتحدة، ليصبح بروفسوراً في الفلسفة من جامعة هارفرد.

ولم يهتم بذلك الامر كثيراً، وكذلك فيفيان والتي سرعان ما بدأت في علاقة مع بيرتراند رسل ووجد إليوت عملاً واصبح مديراً لإحدى المدارس ثم انتقل للعمل في مصرف لويد – وكان يكذب المقالات النقدية آنذاك، كما اصيب بالامراض، إن تفاصيل الحياة الزوجية لإليوت وأمراضه، وسرعان ما تغيرت حياة إليوت العاطفية والعامة واوشكت على الانهيار. وعندما كان في مرحلة الشفاء، انهى كتابة “الارض الخراب” والتي منحت صورة اخرى ليس فقط لحياته ومشاعره، وايضاً موقفه من العالم الحديث، كما اظهرت عبقريته الشعرية وكانت “الارض الخراب” شعراً لا مثيل له، وبدا الشعراء الاخرون باهتون بجانبه.

عن: الاوبزرفر