فيصل الأول قبل تتويجه..عندما وصل الأمير فيصل الى بغداد سنة 1921

فيصل الأول قبل تتويجه..عندما وصل الأمير فيصل الى بغداد سنة 1921

رائد راشد الحياني

أسندت ((وزارة الداخلية))، في الحكومة العراقية المؤقتة، الى رشيد الخوجة منصـب متصـرفيـة بغـداد فـي العـاشر مـن كانـون الاول عـــام 1920.وكان لطالب النقيب، وزير الداخلية والصديق الحميم لرشيد الخوجة، دور في إسناد متصرفية بغداد للخوجة على الرغم من ان اختيار الاشخاص للمناصب الإدارية انذاك لم يكن مرهوناً بموافقة وزارة الداخلية او مجلس الوزراء فحسب، بل كان لا بد من مصادقة المندوب السـامي البريـطاني.

بحكم وجود رشيد الخوجة على راس متصرفية بغداد قام باعداد الاجراءات المناسبة لاستقبال الامير فيصل بن الحسين، عندما كان في طريقه الى بغداد ليتوج ملكاً على العراق، والذي وصل الى البصرة على ظهر الباخرة البريطانية نورث بروك North Brock , في الثالث والعشرين من حزيران 1921. شارك ناجي السويدي الذي وصف بانه من اكثر المؤيدين لفيصل رشيد الخوجة بالأعداد لحفل استقبال الأمير في بغداد حيث وصلها في السابع والعشرين من حزيران 1921، وقد حضر الحفل نحو خمس مئة شخص من جميع شرائح المجتمع الذين رحبوا بالأمير وعبروا له عن اعتزازهم بالعائلة الهاشمية، في حين تباينت ردود الافعال في بقية الالويـة الأخرى.

كانت بريطانيا تسيطر على جميع شؤون العراق وتديره عن طريق المندوب السامي، ولما كان الامير فيصل يحظى بدعمها فقد اجتمع ((مجلس الوزراء)) في بغداد بجلسته المنعقدة في الحادي عشر من تموز 1921، ونادى بالأمير فيصل ملكاً وبقيام حكومة ديمقراطية دستورية، وعند رفع المجلس القرار المذكور الى برسي كوكس للمصادقة عليه رفضه بسبب إصراره على اخذ موافقة الشعب على تتويج فيصل ملكاً على العراق. لمنع قيام معارضة شعبية ضده، لذلك فقد اوصى مجلس الوزراء اتخاذ وزارة الداخلية ما يلزم لتنفيذ هذا القرار.

أرسلت وزارة الداخلية الى جميع المتصرفين في الألوية العراقية لأجراء استفتاء للتصويت على ملوكية فيصل، وذلك من خلال مضابط خاصة اعدت لهذا الغرض، وقد دعا رشيد الخوجة من جهته مختاري المحلات في متصرفيته وشدد عليهم ضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة لأجراء التصويت في العاصمة بطريقة قانونية وشرعية، على ان يكون هذا التصويت يوم الجمعة التاسع والعشرين من تموز عام 1921، وقد قام بتوزيع بطاقات الدعوة على أشراف ووجهاء العاصمة للحضور الى ردهة سينما رويال لأطلاعهم على نتائج التصويت العام وللاستماع الى قرار مجلس الوزراء المتعلق بالمناداة بالامير فيصل ملكاً على العراق والوقوف على اراء الناس والمدعوين على هذا القرار.

القى رشيد الخوجة في صباح ذلك اليوم خطاباً اوضح فيه ((سعادة الامة وابتهاجها بقدوم الامير فيصل)) الى العراق وبين فيه الاحتفلات التي اقيمت له ما كانت الا تعبيراً عالياً عن تقدير ((الامة لرجالها الذين جاهدوا في سبيل القضية العربية)) وأمالها القومية.

قام رشيد الخوجة باطلاع الحاضرين على قرار مجلس الوزراء الخاص بجعل فيصل ملكاً دستورياً على العراق ثم سأل الحاضرين عن رأيهم ان كانوا مؤيدين ام معارضين حفاظاً على سلامة الإجراءات وليتيح الفرصة لكل شخص بالتعبير عن رأيه.

كان لرشيد الخوجة دور واضح ومعبر عما كان يدور في نفسه، من ضرورة تعبير المقترعين عن آرائهم دون أي ضغط او شروط، لذلك فقد علت بعض الأصوات تقترح إضافة بعض الشروط او التحفظات على صيغة البيعة(نصت صيغة البيعة قبل التعديل على المناداة بسمو الامير فيصل ملكاً على العراق بشرط ان تكون حكومته حكومة دستورية نيابية ديمقراطية مقيده بالقانون)،لكي يمكنهم ذلك القبول بالأمير فيصل ملكاً على العراق بموجب تلك البيعة.

هنا وفي وسط هذا الموقف الحاسم من تاريخ العراق، لم يكن من رشيد الخوجة ألا رفض الانصياع إلى طلب الحكومة بالتصويت دون أي شرط، فخاطبَ الحاضرين بقوله:- ((ان المضابط بايديكم فضعوا عليها ما تشاؤون من الشروط))و اشارت بعض المصادر ان سبب موقف رشيد الخوجة من البيعة هو صداقته لطالب النقيب (الذي كان احد المرشحين للعرش العراقي)،وعدم رغبته بملوكية فيصلابدى المصوتون تفاؤلاً بما قاله رشيد الخوجة فوضعوا الشروط التي رأوها مناسبة لهم والتي كانت تعبر عن طموحاتهم وامالهم وتضمن حقوقهم. وبعد ان انهى الحاضرون التصويت عملت لجنة الاستفتاء على تلخيص المقترحات والاراء التي ادخلت على النص الاصلي فقام رشيد الخوجة بقراءة النص المعدل على الحاضرين وكان على ما ياتي:- ((اجتمعنا فصوتنا بأجماع الرأي العام على تتويج الامير فيصل ملكاً على العراق بحدوده الطبيعية، على ان يكون ملكاً دستورياً ويرأس حكومة دستورية نيابية ديمقراطية مستقلة ومجردة من كل قيد، ومنقطعة عن سلطة الغير، ولابد ان يكون اول عمل تقوم به هو تشكيل وجمع المؤتمر الذي يسن القوانين والدستور في مدة ثلاثة شهور لاستلام زمام الأمور)).

من خلال العرض السابق يظهر الدور البارز لرشيد الخوجة بالأخذ بمقترحات الشعب بغض النظر عما تحددهُ سلطة الانتداب البريطاني في صيغة البيعة، وكان يطالب بالحرية الكاملة للشعب في اختيار من يرأسه وبالشروط التي توافق وتحقق المصلحة العامة، ولا ننسى تأثير الصداقة العميقة التي كانت تربط الخوجة بطالب النقيب وما كان لها من دور في اتخاذه لهذا الموقف.

امتعضت السلطات البريطانية للشروط التي وضعت على صيغة البيعة في المتصرفية، لاسيما الشرط الخاص بعدم قبول ملوكية فيصل الا في حالة ان يكون بعيداً عن اية سلطة اجنبية، واصفةً العناصر التي حرضت على وضع هذه الشروط وغيرها بانها عناصر متطرفة.

يظهر ان الموقف الذي وقفه رشيد الخوجة من بيعة الملك فيصل قد اغضب السلطات البريطانية، لذلك أجمعت المصادر على ان سبب استقالة رشيد الخوجة من منصبه في الثالث عشر من ايلول 1921 بسبب موقفه من الاستفتاء الذي حصل على ملوكية فيصل في العراق، سيما قيامه بمخالفة امر الحكومة بعدم اضافة اية شروط او مقترحات على صيغة البيعة التي أعدت اساساً ببطاقات لا تقبل التعديل او الاقتراع.

عن رسالة (رشيد الخوجة ودوره...)