عمانؤيل رسام.. من الاتباعيّة إلى الإبداعيّة

عمانؤيل رسام.. من الاتباعيّة إلى الإبداعيّة

د.عقيل مهدي يوسف

تحت اسم مشفر تلفزيونيا للمخرج عمانوئيل رسام (ع ن رسام)، كان يخاطب جمهوره، برصانة في تمثيليات ( السهرة) و(المسلسلات) التلفزيونية التي اتخذت مسارًا فنياً مغايرًا من حيث جودة «موضوعاته»، و»شخوصها» و»أحداثها»، على مستوى الحرفة الإبداعية في ما يخص (السيناريو والحوار) وثقافة الكاتب الدرامي، وتجربة المخرج،

وحذاقة مدير التصوير وفنية المونتير. إذ انتقل الحال من الأساليب المرتجلة في الإعداد والتقديم والحوار واضطراب نسقها الاخراجي، إلى بُعد تقني وإبداعي جديد لدى جمهرة من المخرجين، وكان في الصف الامامي، المخرج ( ع. ن . رسام ) ومعه آخرون أمثال: عبد الهادي مبارك، حسين التكريتي، خليل شوقي ، يحيى فائق، كارلو هارتيان، علي الانصاري وسواهم، ومن ثم المخرج التلفزيوني القدير والنوعي ( إبراهيم عبد الجليل) ومن جاء من بعده، من مبدعين شباب رسّخوا التعامل الخلاق مع نصوص يكتبها عبد الوهاب الدايني وثامر مهدي ومعاذ يوسف، وصباح عطوان، وبدري حسون فريد، ويوسف العاني، وخليل شوقي، ومالك المطلبي.. والقائمة تطول، وتتعدّد في تنوع معالجاتها الدرامية، وموضوعاتها، لتخترق المجال المحلي؛ إلى المجال العربيّ، والمجال العالمي، أيضًا، إذ يكفي أن نذكر تجربة الفنان (جعفر السعدي) في مسلسلات تخص (اللغة العربية الفصحى) عربيًّا وانتزاع جائزة أفضل ممثل في تمثيلية ( الهجرة الداخل) في ( براغ) – جيكوسلوفاكيا.

لقد استطاع (ع. ن رسام) أن يرتقي بالعمل المحلي، تلفزيونيًّا، ويستقطب الجمهور إلى الشاشة للارتقاء بذائقته الفنية. وربما تميَّز من بين أقرانه في قدرته على تقديم (صورة) دالة جماليًّا وفنيًّا وفكريًّا، عبرعناصرها مكوناتها، ليبرز ذلك التكامل الإبداعي ما بين عمل الممثل وتعامله مع ( الكاميرا) وانتقالاتها في (الاستوديو) و مع (الموسيقى)، و(المؤثرات) الدرامية، بعيدًا عن تلك ( النمطية) المعتادة، ليقدم رؤية جديدة، عن أسلوب التعامل مع التمثيليات والمسلسلات؛ التأريخية، والاجتماعية، وسِواها، سواء أكان ذلك بإطار مأساوي أم ملهاوي (شعبي). وقد أجاد في الحالتين لتمتعه بقدرات عالية في التلفزيون، ولم يعد (الممثل) لديه ذا بعد واحد يُؤدّي، فيه، أدوارًا نمطية مكرورة، في تمثيل دور (الشرير) أو ( المسالم)، ولا في تكالبه للاستحواذ على الدور (الرئيس) وامتناعه عن تمثيل أدوار ( ثانوية) لأن المهم لديه أنْ يبقى الفيصل، في ذلك، هو تميز الممثل من سواه؛ في عمق مهاراته وقدراته وارتقاء موهبته من داخل (الاستوديو) أو خارجه) في فضاءات مفتوحة تدور بين الأزقة والساحات العامة، والحقول الزراعية، والمناطق الجبلية، والأهوار، مهتديًا إلى حلول منظمة ودقيقة، في ملاك الإنتاج واختيار الممثلين والممثلات حسب ما يتطلبه العمل التلفزيوني من مؤهلات، والكشف عن وجوه جديده تغتني تجربتها، مع أساتذة الفن ونجومه ومبدعيه، عن طريق إشراكهم في تجربة تلفزيونية واحدة، واستثمار إبداعات الجميع.. يشرفنا استذكار هذا المخرج التلفزيوني الكبير الذي كان يعاني من متاعب صحية، استدعت مرافقة زوجته الكريمة له، وهي تحرص على تناوله طعامًا خاليًا من كل ما يعقد نبضات قلبه المترعة بانسانيتها ونبلها وإخلاصها لروح الفن التلفزيونيّ، وجماهريته الواسعة التي تفوّقت، في حضورها، على السينما والمسرح - بوصف ( العمل التلفزيوني ) - هو الذي يذهب الى بيوت المتفرجين ويخاطبهم بسهولة وسلاسة وصراحة لينعش ( يومياتهم) المعيشة، بالحكمة والموعظة، والطرفة والمفارقة، بإطار مشوّق جذاب، سواء أ كان بإصوله الإسطورية والتأريخية والدينية، أم بطقوسه الفولكلورية والحياة اليومية المعتادة. لنقفْ، إذن، بجديّة عند أعمال ( عمانوئيل رسام) المبدع والمخرج التلفزيوني الذي أسس مع زملائه المخرجين المخلصين، تقاليد إبداعية بحرفة نموذجية عالية المستوى، لتُفيد منه الأجيال الجديدة في طرق التعامل مع الفن والحياة.