حجي راضي يحاول ذبح القاضي..  وعما نوئيل رسام يهرب الى كندا

حجي راضي يحاول ذبح القاضي.. وعما نوئيل رسام يهرب الى كندا

مال الله فرج

في الوقت الذي تختزن فيه الذاكرة الفنية العراقية الكثير الاسماء اللامعة، ومن الاعمال الدرامية والكوميدية المميزة التي طبعت بصماتها على صفحات التاريخ الفني وحفرت حضورها وتأثيرها العميق في اهتمامات المتلقي، يبرز واحد من المسلسلات الذي نجح في الجمع بين الدراما والكوميديا والنقد الاجتماعي محققا اوسع مساحة من المشاهدة الجماهيرية، ذلك هو مسلسل (تحت موس الحلاق).

فقد جمع ذلك المسلسل بين قمتين فنيتين مميزتين هما الفنان سليم البصري مؤلفا ومجسدا لدور البطولة، وعمانوئيل رسام مخرجا وقائدا لذلك العمل الى جانب قمم اخرى واسماء وكفاءات فنية لامعة

ان استعادة ذكريات هذا المسلسل الناجح ترتبط بمبادرة رابطة الفنانين والادباء العراقيين في كندا بتنظيم أمسية ثقافية تستضيف فيها الفنان المبدع والمخرج التلفزيوني العراقي الكبيرعمانوئيل رسام.. والذي عرفه الجمهور بأسم (ع.ن.ر) بعد ان قدم الكثير من روائع الدراما العراقية. وذلك في تمام الساعة الرابعة والنصف من مساء يوم الاحد المصادف 30/11/2014 حيث سيحاوره الكاتب والشاعر كريم شعلان

وحيث اقترنت اسماء مختلف الفنانين والشعراء والادباء والمخرجين والكتاب على مر التاريخ باعمال بعينها دون غيرها اذ اعتبرها المتلقي الاكثر ابداعا والاشد تميزا والاعمق تاثيرا، كاقتران اسم الفيلسوف اليوناني افلاطون بالمدينة الفاضلة واسم الكاتب الروسي ليو تولستوي برواية الحرب والسلام وفكتور هيجو بالبؤساء،وشكسبير بروميو وجوليت، وجبران خليل جبران بالاجنحة المتكسرة والمنفلوطي بالنظرات، وفرانسوا ساغان بروايتها مرحبا ايها الحزن، وتينسي وليامز بمسرحية قطة فوق صفيح ساخن، هكذا اقترنت اسماء المخرج الفنان عمانوئيل رسام والفنانون سليم البصري وحمودي الحارثي وراسم الجميلي باسم مسلسلهم التلفزيوني الخالد (تحت موس الحلاق) الذي كان يجعل شوارع بغداد شبه خالية اثناء عرضه، فالكل كان يحرص على العودة لدورهم ليتابعوا عبر حلقات ذلك المسلسل دائم الخضرة مقالب عبوسي مع حجي راضي وبقية كادر المسلسل الذي ما يزال يحظى بمساحة مشاهدة واسعة متى ما اعيد عرضه.

ولعل ما ميز ذلك المسلسل الذي انتزع بجدارة اهتمامات الجمهور واعجابه , تفاعل قمتين فنيتين مبدعتين هما المخرج والمؤلف الذي جسد دور البطولة بتالق منقطع النظير واستطاع ان يمسك بلهفتنا ومتابعتنا وخوفنا بالاخص عندما كان يمثل دور الحلاق الثمل وهو يمرر شفرته الحادة على عنق زبونه سيئ الحظ سمير القاضي ليجعلنا نحبس انفاسنا وهو يضع القاضي بين الموت والحياة ’ فضلا عن الدور المحوري الرئيسي لقائد العمل المخرج الفنان عما نوئيل رسام الذي استطاع ان يقود بكفاءة فريقا من المحترفين الذين يصعب توجيههم كونهم يعتقدون ان كفاءاتهم فوق النقد والتوجيه، لكن حضور روحية العمل الجماعي بتفاعل الجميع ذللت تلك الصعاب واسهمت بتقديم عمل ناجح.

من جهة اخرى فان الرؤية الواقعية للمخرج رسام وتعامله المهني باحتراف فني رفيع مع تفاصيل المسلسل وجزيئياته بعد ان عاش كما يبدو تفاصيل بيئته الشعبية المسحوقة وتلمسه لحاجاتها اليومية ولطبيعة معاناتها وعلاقاتها الاجتماعية ببساطتها وصدقها وامتداداتها ساهم في نجاحه بالغوص في اعماق شخوصه واخراج افضل ما لديهم من مواهب وقابليات وكانت الصورة الفنية عبر تسلسل اللقطات وتنوع المشاهد تكاد ان توهمنا بان ما نشاهده من حرارة العلاقات الاجتماعية وسلاسة الحوار وردود الافعال شبه العفوية لم تكن مرسومة على الورق بقدر ما كانت افرازات مخيلة اخراجية مرهفة قادرة على ان تمسك بنا لتوهمنا باننا نعيش داخل بيئة المسلسل فعلا ونرافق شخوصه في منحنيات تلك الحارات الغدادية العتيقة الفقيرة فنتألم لالمهم ونضحك معهم ونتفاجأ بمقالبهم ونتلمس مفاجاتهم وتلك احدى ميزات الخطة الاخراجية والمخيلة الفنية لعمانوئيل رسام، الذي نجح وفريق عمله بتقديم دراما ساخرة تنقل بشفافية نقدا لبيئة معدمة عبر تفاصيل يومية تجسد الواقع بصور حياتية حية بعيدا عن الشعارات واللغة الخطابية الممجوجة.

هنا لايفوتني ان اقف ازاء احدى عجائب المسلسل وغرائبه،نقلها لي الزميل الصحفي عبد الرحمن الباشا موضحا بانه استمع يوما الى حوار تلفازي اجرته احدى الفضائيات مع المخرج عما نوئيل رسام اوضح فيه ان الممثل الكبير سليم البصري كان المفروض خلال تاديته لمشهد قيامه بحلاقة زبونه سمير القاضي ان يشرب قنينة ماء على انها قنينة عرق ليبرر حركاته الثملة، وكان المشهد يقدم على الهواء مباشرة، لكن الذي حصل ان الممثل صادق الاطرقجي وضع امام البصري قنينة عرق حقيقية وما كان من (حجي راضي) الا ان يتناول العرق بحسن نية وان يمثل دور السكران وهو ثمل فعلا ويضع بيد مرتجفة شفرة الحلاقة الحادة على حنجرة سمير القاضي الذي اخذ يصرخ مرعوبا بين يديه (حجي دخيلك حجي.. حجي اللوزة حجي) دون ان يعلم ربما ان البصري كان ثملا فعلا وان المخرج رسام كان في تلك اللحظات المشحونة بالترقب قد وضع يده على قلبه بانتظار ان ينتهي ذلك المشهد الخطير بسلام.

اما السيرة الذاتية لقائد العمل الفنان عمانوئيل رسام فتشير الى انه كان قد ولد في مدينة ام الربيعين في/7 تموز /1940، وسط عائلة روحية كان من بين افرادها الاب والمربي الفاضل الخوري افرام رسام رحمه الله الذي نحمل اروع الذكريات عنه فقد درسنا مادة الدين في مدرسة المنذرية الابتدائية الملاصقة لكنيسة مار ايشعيا ولم ننج من صفعاته وتوبيخه وارشاداته التربوية والروحية،والتحق بمعهد الفنون الجميلة عام 1957،وعند تخرجه في 1961، صدر قرار بتعيينه معلماً في الموصل، لكنه رفض الوظيفة رغبةً منه للعمل في المجال الفني.

ولتحقيق حلمه ذاك التحقَ رسام باكاديمية الفنون الجميلة و تخرج منها عام 1964، و فور تخرجه تم استدعائه للخدمة العسكرية الالزامية كضابط احتياط برتبة ملازم ثاني، و قضى خدمته العسكرية في اذاعة القوات المسلحة (التوجيه المعنوي)، و تسرح من الخدمة عام 1966.

اخرج الفنان عما نوئيل رسام الكثير من الاعمال الفنية منها، مسلسل (تحت موس الحلاق) ، الذي ضم كل من الممثلين : سليم البصري،حمودي الحارثي، راسم الجميلي، سهام السبتي، خليل الرفاعي سمير القاضي،قاسم صبحي، عبد الجبار عباس وغيرهم . ومسلسل (حكايات الايام العصيبة) بطولة: خليل شوقي، طعمة التميمي، فوزية عارف، جواد الشكرجي، مقداد عبد الرضا، حسن هادي. ومسلسل (فتاة في العشرين) 1979، تأليف: صباح عطوان، تمثيل سامي عبد الحميد، سهام السبتي، عواطف السلمان، سمير القاضي، عبد الواحد طه، سعدية الزيدي. كما اشترك في بطولة فيلم (اوراق الخريف)امام الفنان الراحل سليم البصري، واخرجه : حكمت لبيب. ومن التمثيليات التي اخرجها : (البوم الذكريات) التي قام ببطولتها و كان مايزال طالباً في المعهد، و هي تدور حول حياته الشخصية.و تمثيلية (ليطة)بطولة :يوسف العاني.وتمثيلية (لو) و التي لم تعرض لأسباب سياسية.

ومن المناصب التي شغلها عما نوئيل رسام ترؤسه لقسم الدراما في التلفزيون 1979. كما انه احد مؤسسي شركة بابل للانتاج السينمائي والتلفزيوني، وكذلك شركة عشتار، وبعدها هاجر الى كندا وهو يعيش حاليا هناك.

وبالتأكيد ان النجاحات الكبيرة التي حصدها بامتياز مسلسل (تحت موس الخلاق) على مختلف الصعد الفنية منها والنقدية ومساحة المشاهدة الكبيرة لم تكن لتتحقق لولا وجود العناصر الاساسية الثلاثة لكل عمل فني وهي نص جيد وممثلون محترفون ومخرج فنان مرهف الاحساس ملم بجزيئيات العمل وقادر على تجسيد تفاصيله سواء باختيار زوايا الكاميرات ومواقع التصوير او بتحديد حركات الممثلين واداءهم وبيئة العمل والربط الموضوعي بين كل هذه العناصر ليستطيع عبر عمل فني متقن ان يمسك بقوة وثقة باهتمامات المشاهدين وان يضعهم وسط بيئة العمل ليتفاعلوا معه وكانهم شهودا على تفاصيله، وهذا ما استطاع ان يحققه بجدارة ونجاح وبامتياز الفنان الكبير عما نوئيل رسام، فرغم تراكمات السنوات وافرازات تحولاتها فاننا كلما شاهدنا مقاطعا من مسلسل تحت موس الحلاق نحس بان الزمن قد توقف وان عقارب الساعة قد عادت بنا الى الوراء واننا نعيش زمن وبيئة عبوسي وحجي راضي وبقية الكادر التمثيلي، وتلك احدى دلالات الاعمال الفنية الحية التي لاتموت مهما تعاقبت السنوات على انتاجها.

تحية للفنان المبدع عمانوئيل رسام ولجميع كادر العمل، وتمنياتنا له بالصحة والسلامة والعمر المديد، وللجمهور الذي سيكون له فرصة المشاركة بالحوار معه استمتاعا حقيقيا بذكريات فنية معطرة بافرازات حقب تاريخية مهمة من تاريخ العراق فلدى الفنان الكبير رسام الشيئ الكثير الذي لم يقله بعد وربما سيسمعه الجمهور منه لاول مرة .